الأحد، 17 يوليو 2011

الرد الصائب في جواب الأخ بوغايب

في أحد جلسات الأنس في قهوة "قاصد خير" طرح الأخ اللطيف "بو غايب" سؤالا عميقا سبقه في طرح ما يماثله إبليس على نبي الله عيسى (ع) و رجل آخر على أمير المؤمنين (ع) و أحد الزنادقة على هشام بن الحكم ، و السؤال كان :

هل يقدر الله تعالى أن يخلق صخرة لا يقدر على حملها؟


طبعا إن قلت :

نعم يقدر .. تكون قد نفيت قدرة الله المطلقة لأنه لا يستطيع حمل الصخرة ..

و إن قلت لا يقدر .. توصلت إلى نفس النتيجة

و فيما يلي جواب تفصيلي في الموضوع للسيد كمال الحيدري (دام ظله) من كتاب التوحيد ج1 ص388 ما بين القوسين [.........] هو تعليقي:

السؤال الرابع: هل تشمل [يعني القدرة] الواجب و الممتنع [الممتنع هو ما يستحيل وجوده عقلا كاجتماع النقيضين]؟

حيث ثبت أن قدرته سبحانه غير متناهية بل هي مطلقة غير محدودة بقيد ، فهل يعني ذلك أنها تشمل الواجب و الممتنع أيضا أم لا؟ لو قلنا إن قدرته سبحانه تشمل الممتنع بالذات [مثل خلق صخرة لا يستطيع أن يحملها في سؤال الأخ بو غايب] للزم من ذلك الخلف و التناقض ، لأنه لو كان الممتنع مشمولا بالقدرة لأمكن أن يوجد ، و المفروض أنه ممتنع بالذات ، إذن ما فرض أنه ممتنع بالذات ليس ممتنعا بالذات و هذا خلف [أي خلاف القواعد العقلية] ، و مرجع الخلف في نهاية المطاف إلى التناقض.
كذلك في الواجب بالذات [مثل الله تعالى] فإذا فرض أنه يوجد من الغير باشتمال القدرة عليه فسيكون واجبا بالغير [أي أنه سيحتاج إلى خالق يخلقه و يفيض عليه وجوده ، و بالتالي سؤال بو غايب شبيه بسؤال السائل : هل يستطيع الله أن يخلق الله آخر مساو له في الكمال و القدرة و العلم و غير ذلك من الكمالات؟] و قد فرض أنه واجب بالذات ، إذن ما فرض أنه واجب بالذات ليس واجبا بالذات و هذا خلف أيضا [لأنه يلزم اجتماع النقيضين فهو واجب في الذات و ليس واجبا في الذات في نفس الوقت].
على هذا لا تشمل القدرة الواجب [مثل خلق إله آخر] و الممتنع [مثل جمع النقيضين] و لكن هذا التعبير ربما أوحى بشيء من تقييد القدرة [و هو ما يريد أن يجرني إليه بو غايب في سؤاله] بينما المقصود هو أن القدرة لا تشملهما لا لضعف أو عجز في الفاعل ، بل لعدم قابلية القابل ، أما لضعفه إلى حد أنه ممتنع بالذات أو لغناه و وجوبه بالذات بحيث لا يقبل التأثير ، و من ثم فهو خارج عن مدار القدرة من دون أن يكون ذلك عجزا في القدرة ذاتها .
و هذا ما يفسر لنا تظافر النصوص القرآنية و الروائية في التأكيد على أن الله (سبحانه) ليس بعاجز و تركيزها على نفي العجز عن الفاعل [و هو الله تعالى في السؤال] ، إنما تكمن المشكلة في القابل [و هو الصخرة التي لا يقدر الله أن يحملها في السؤال] إذ لا بد و أن يكون قابلا لأن يأخذ فيض الفاعل ، أما لو عجز على أن يأخذ فيض الفاعل لضعفه ولهلاكته و بطلانه و امتناعه أو لقوة وجوده لكونه واجبا بالذات فسيكون خارجا عن مدار القدرة ، بيد أنه خروج تخصصي لا تخصيصي ، أي خروج موضوعي لا خروج حكمي.
[ ووجه امتناع خلق صخرة لا يستطيع الله أن يحكملها مبرهن عليه في الفلسفة الإلهية ببرهان التوحيد ذاته و الذي أثبت فيه عدم تركيب الذات الإلهية و بالتالي عدم محدوديتها ولا تناهيها مما يجعل وجود كمال مفترض خارج عن ذات الباري مستحيلا و هذا سبب قول الملا صدرا بفكرة "بسيط الحقيقة كل الأشياء و ليس بشيء منها"]

مثال البيضة و الدنيا

النصوص الروائية حافلة في تأكيد هذا المعنى ، منها الرواية المعروفة التي تنص أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين (ع) و قد سأله : هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر الدنيا أو يكبر البيضة؟ قال : (( إن الله تبارك و تعالى لا ينسب إلى العجز ، و الذي سألتني لا يكون )) [و منها إلى بو غايب]
في تحليل بعض مفردات النص نلحظ أن قول الإمام (( إن الله تبارك و تعالى لا ينسب إلى العجز )) يشير إلى عدم وجود إشكالية في الفاعل ، فالفاعل تام الفاعلية [و هو الله تعالى] و من ثم فهو لا ينسب إلى العجز ، إنما تكمن الإشكالية في موضع آخر عبر عنه الإمام بقوله (( و الذي سألتني لا يكون )) حيث المطلوب في سؤال السائل هو الممتنع و الممتنع لا تتعلق به القدرة و هذا هو منشأ عدم إمكانه لا أن هناك استثناء و تقييدا و عجزا في الفاعل و في القدرة الإلهية.
مع أن هذا النص الروائي تؤيده نصوص أخرى في تأكيد المضمون ذاته ، إلا أن هنالك ما قدر يتعارض مع هذا المضمون و يشعر بالتهافت و ذلك في الحوار الذي جرى بين المتكلم هشام بن الحكم و أبي عبد الله الديصاني ، إذ سأل الديصاني هشام قائلا له ((ألك رب؟ )) فقال (( بلى )) قال (( قادر؟)) قال (( نعم قادر قاهر )) قال (( يقدر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة لا يكبر البيضة ولا يصغر الدنيا؟ )) فقال هشام (( النظرة )) [أي المهلة حيث لم يكن لديه جواب للإشكال] فقال له (( قد أنظرتك حولا ثم خرج عنه )).
عندئذ هرع هشام بن الحكم إلى الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق فعرض عليه المسألة ، فأجابه الإمام (ع) (( يا هشام كم حواسك؟ )) قال (( خمس )) فقال (( أيها أصغر؟)) فقال (( الناظر )) [ أي حاسة البصر] فقال (( و كم قدر الناظر؟)) قال (( مثل العدسة أو أقل منها )) فقال (( يا هشام فانظر أمامك و فوقك و أخبرني بما ترى )) فقال (( أرى سماء و أرضا و دورا و قصورا و ترابا و جبالا و أنهارا )) فقال له أبو عبد الله (ع) (( إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا يصغر الدنيا ولا يكبر البيضة )) [و لو قسنا هذه الرواية على سؤال بو غايب لقلنا أن الله قادر أن يخلق صخرة لا يستطيع حملها دون أن يكون عاجزا عن حملها و مع أن في هذا تناقض إلا أن هذا هو مفاد الرواية السابقة مما يجعل السيد كمال الحيدري يتابع قائلا]
من الواضح أن الأصل هو ما يفيده النص الأول من عدم تعلق القدرة بما طلبه السائل في سؤاله لأنه ممتنع ، و القدرة لا تتعلق بممتنع ، و عندئذ فإن الرواية الأولى هي الأصل المحكم و ما دونه يحتاج إلى تأويل كما ذهب إليه الباحثون منهم المجلسي (ت:1111هـ) في "بحار الأنوار" حيث ذكر أربعة وجوه لتأويل الخبر ، استظر من بينها الوجه الرابع الذي قال فيه (( إن السائل لما كان قاصرا عن فهم ما هو الحق معاندا فلو أجاب – عليه السلام – بعدم تعلق القدرة به لتشبث بذلك ولج و عاند )) .
فلو أن الإمام عرض الجواب من زاوية أن العجز في القابل لا في الفاعل و ذكر إن الله (سبحانه) لا يقدر على ذلك ، لكن لا لعجز فيه بل لنقص في القابل ، لكان يمكن أن نتصور تمسك السائل ذي الشبهة بالمقطع الأول من كلام الإمام الذي يقول فيه (( الذي سألتني لا يكون )) و تشبث به متغافلا عن الجزء الثاني الذي ينطوي على التوضيح. [ إلى آخر كلامه].

أنا شخصيا أعتقد أن الله سبحانه كما أنه هو واضع القوانين العقلية كقانون استحالة اجتماع النقيضين فإنه قادر على نقض هذه القوانين كما أنها لا تجري عليه لأنه سبحانه لا يجري عليه ما هو أجراه ولا يحكمه ما خلقه سبحانه ، و لكن بما أن السلطة العليا في الكائن الإنساني هي العقل و هو الحجة بين الله تعالى و عبده فقد قضى سبحانه أن يكون تعاملنا معه على أساس القضايا العقلية البديهية كاستحالة اجتماع النقيضين و بالتالي يكون جواب (( و لكن ذلك لا يكون )) مخاطبة للإنسان على اساس حدوده العقلية و إلا ففي واقع الأمر (( الله سبحانه لا يوصف بعجز )) بل إنه ليس عاجزا عن جمع النقيضين و هذا ما ذهب إليه ديكارت كما ينقل عنه المطهري ، و لكن هذه الإشكاليات العويصة في الفلسفة منشؤها طرح الأسئلة في مواضيع خارجة عن إطار القوانين العقلية و في هذا يقول ايمانويل كانت (( كتب على العقل البشري أن يتسم بهذه المميزة له : و هي أنه في جانب من جوانب علمه مثقل بأسئلة ، و محتوم عليه أن يجيب عنها ، و هو من ناحية أخرى إن حاول الإجابة عنها فقد طوح بنفسه في الظلام و المتناقضات )) و بالتالي ربما كانت الرواية الثانية تتكلم عن طور وراء طور العقل و الذي لا تحكم فيه القواعد العقلية و الذي يعجز العقل البشري أن يدركه بل إنه ليس مكلفا بطبيعة الحال بإدراكه و من هنا نهينا عن الكلام في ذات الله سبحانه كما في النصوص الشريفة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق