الثلاثاء، 26 يوليو 2011

هل الجنة حكر على فرقة ناجية؟ - مقال الأستاذ علي العريان من مجلة "حياء" العدد 17


بينما يحلو للكثيرين أن يقسموا الناس إلى مسلم وكافر وبعبارة أخرى إلى ناج وهالك ، يطفو على السطح سؤال ملح .. ما ذنب أولئك الذين ولدوا في بيئة لم تسعفهم لأن يكونوا من أتباع الدين الحق أو المذهب الحق؟ وأنى لآلاف البشر الذين يتضورون جوعا أن يبحثوا في حقائق التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد (يفوق عدد الوفيات اليومي بسبب الجوع 24000 حالة وفاة في أيام كتابة هذه الكلمات كما يذكر الموقع الرسمي لبرنامج الغذاء العالمي)؟ وكيف لآلاف الأميين حول العالم أن يتحققوا من حقانية دعوى نبي لم يسمعوا باسمه قط ولم يعرفوا كلمة من لغته أبدا؟!! كل هذه الفئات وغيرها لا بد أن تشكل هاجسا فكريا لمدعي حصرية النجاة في دين واحد أو مذهب واحد وهلاك كل من لم يؤمن به ، بل إن هذه التساؤلات كانت منطلقا لبعض الفلاسفة ورجال الدين لأن يضعوا تنظيرات تفصيلية في مسألة التعددية الدينية كرجل الدين الانكليزي جون هيك ، وسنعرض في هذا المقال رأي مدرسة أهل البيت (ع) الذي يشكل أعظم صور الجمع بين العقلانية والالتزام الديني والأخلاقي في خط ينأى عن السفسطة التي وقع فيها دعاة التعددية المتأخرون ويبتعد عن التعصب المتعنت الذي يذهب إليه الدينيون المتحجرون.


الفقر يعيق الآلاف من الوصول إلى العقيدة الحقة

ترى مدرسة أهل البيت (ع) أن هناك فئة من الناس لا توصف بالإيمان ولا بالكفر وهم الجهال القاصرون الذين لم تقم عليهم الحجة وهؤلاء على أصناف فمنهم من لم تبلغهم الحجة أصلا كمن يعيش في المناطق النائية ، ومنهم من بلغته الحجة إلا أن فيه مرضا يمنعه من إدراكها كالمجانين وأصحاب بعض الأمراض العقلية ، ومنهم من منعته الظروف الاجتماعية من التعلم كالنساء في الزمان الغابر ، ومنهم من حالت دونه و دون بلوغ الحجة الظروف السياسية القمعية السائدة ، بل ومنهم العلماء الذين يتوصلون إلى نتائج خاطئة في بحوثهم فيعتنقون مذهبا أو دينا فاسدا مخالفا للواقع مع خلوص نيتهم وطيب سريرتهم وصدقهم في البحث عن الحقيقة ، ويضرب لنا الشيخ المطهري (رحمه الله) لهؤلاء مثلا الفيلسوف المشهور ديكارت على تفصيل يذكره في كتابه "العدل الإلهي" ، بل وأدق من مثال الشيخ المطهري حالة المتكلم عمران الصابي الذي التقى بالإمام الرضا (ع) وأعلن للإمام صدق نيته في البحث عن الحقيقة ، وفعلا وفي مجلس واحد ناقش فيه الإمام (ع) أعلن إسلامه وإيمانه مما يدل على أنه في فترة عدم إيمانه لم يكن معاندا بل لم يكن كافرا وإنما طالبا للحق ومسلما للحقيقة إلا أنه لولا اللقاء بالمعصوم لما أمكنه أن يتوصل إليها .


الشيخ مرتضى المطهري تعرض في كتابه القيم "العدل الإلهي" إلى إشكالية المستضعفين

والسؤال الذي يطرح نفسه : ما مصير المستضعفين الذين لم تقم عليهم الحجة يوم القيامة؟! اختلفت الروايات في مصيرهم فمنها ما ذكرت أن المستضعفين يوضعون في الأعراف وهو مكان بين الجنة والنار ، ومنا ما ذكرت بأنهم يكلفون في الآخرة وعلى أساس هذا التكليف يتحدد ما إذا كانوا من أهل الجنة أم من أهل النار ، وذكر غير ذلك أيضا في الروايات .
لقد وردت النصوص الكثيرة في شأن المستضعفين ابتداء من القرآن الكريم حيث قال الله تعالى في شأنهم (( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا )) النساء. وقال عز وجل : (( وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم )) الإسراء. كما وردت فيهم أحاديث وروايات عديدة منها ما روي عن حمران قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن المستضعفين ، قال: إنهم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكافرين وهم المرجون لأمر الله. وأيضا روي عن أبي جعفر (ع) في تفسير قوله سبحانه (( إلا المستضعفين .. لا يستطيعون حيلة )) فيدخلوا في الكفر (( ولا يهتدون )) فيدخلوا في الإيمان ، فليس هم من الكفر والإيمان في شيء . بل روي في كتاب الخصال وهو من أهم مراجع الحديث الشيعية رواية صريحة في أن الجنة ليست مقصورة على طائفة معينة دون الطوائف الأخرى وإن كان الحق محصورا واقعا في طائفة واحدة فعن جعفر بن محمد الصادق (ع) عن أبيه عن جده عن علي (ع) قال : (( إن للجنة ثمانية أبواب باب يدخل منه النبيون والصديقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا – إلى أن قال – وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد أن لا إله إلا الله ولم يكن في قلبه مثقال ذرة من بغضنا أهل البيت )) ومن الآيات والأحاديث إلى اجتهادات الفقهاء حيث نجد أن بعض أعلام الإمامية أفردوا أحكاما خاصة بالمستضعفين فقال ابن إدريس الحلي في "السرائر" بطهارة عين المستضعف وعدم الحكم بنجاسته ، وإلى هذا القول أشار المحقق الحلي في "المعتبر" كما أجاز بعض الفقهاء أكل ذبيحة المستضعف ، نعم يمكن القول أن البحث الفقهي في هذه الفئة المهمة من البشر ليس بذلك العمق المطلوب وربما كان مطروحا فعلا في المدارس الدينية إلا أننا كقراء خارج أسوار المؤسسات الدينية لم تصلنا بحوث مستقلة في أحكام المستضعف.
إننا أحوج ما نكون – في هذه الأيام التي تفشت فيها الطائفية تفشيا فظيعا وسارت فتاوى التكفير في مجتمعاتنا سير النار في الهشيم – إلى نشر هذه الأفكار الأصيلة من تراثنا الإسلامي في قضية التسامح الديني والعدالة الإلهية والحمد لله رب العالمين وصلى الله علي سيدنا محمد وآله الطاهرين.

الطائفية تنخر في مجتمعاتنا وصوت الوسطية نادر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق