الجمعة، 29 يوليو 2011

مأساة إنسانية في الصومال 2011


هذه كارثة حقيقية .. في البداية كنت أظنها صبيا ، وهذا هو أخوها الأكبر سام ، تبدو على جسديهما آثار انكماش قاس نتيجة الجوع الشديد ، سيقانهما ذوات عظام دقيقة مغطاة بجلد جاف ، إنه من الواضح عندي أن التضور جوعا قد ألقى بهاذين الطفلين على جرف الموت ، وهذا الطفل الصغير يبلغ من العمر سبع سنوات ، انظر إلى حجمه الضئيل ، يعيق سوء التغذية الشديد نموهم و يجعل أجسامهم تتآكل متحولة إلى طعام ، ثم يقودهم إلى الموت المحتم ، فلا يتجاوز طول سام أكثر من 3 أقدام و لا يتجاوز وزنة العشرين باوندا ، وقد أصيب هو وأخته بشلل الأطفال فلا يمكن لأي منهما أن يسير ، ولا يمكننا تخيل سبب تركهما في هذا المكان وحيدين جائعين ملقين بلا أمل في الصحراء

الثلاثاء، 26 يوليو 2011

هل الجنة حكر على فرقة ناجية؟ - مقال الأستاذ علي العريان من مجلة "حياء" العدد 17


بينما يحلو للكثيرين أن يقسموا الناس إلى مسلم وكافر وبعبارة أخرى إلى ناج وهالك ، يطفو على السطح سؤال ملح .. ما ذنب أولئك الذين ولدوا في بيئة لم تسعفهم لأن يكونوا من أتباع الدين الحق أو المذهب الحق؟ وأنى لآلاف البشر الذين يتضورون جوعا أن يبحثوا في حقائق التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد (يفوق عدد الوفيات اليومي بسبب الجوع 24000 حالة وفاة في أيام كتابة هذه الكلمات كما يذكر الموقع الرسمي لبرنامج الغذاء العالمي)؟ وكيف لآلاف الأميين حول العالم أن يتحققوا من حقانية دعوى نبي لم يسمعوا باسمه قط ولم يعرفوا كلمة من لغته أبدا؟!! كل هذه الفئات وغيرها لا بد أن تشكل هاجسا فكريا لمدعي حصرية النجاة في دين واحد أو مذهب واحد وهلاك كل من لم يؤمن به ، بل إن هذه التساؤلات كانت منطلقا لبعض الفلاسفة ورجال الدين لأن يضعوا تنظيرات تفصيلية في مسألة التعددية الدينية كرجل الدين الانكليزي جون هيك ، وسنعرض في هذا المقال رأي مدرسة أهل البيت (ع) الذي يشكل أعظم صور الجمع بين العقلانية والالتزام الديني والأخلاقي في خط ينأى عن السفسطة التي وقع فيها دعاة التعددية المتأخرون ويبتعد عن التعصب المتعنت الذي يذهب إليه الدينيون المتحجرون.


الفقر يعيق الآلاف من الوصول إلى العقيدة الحقة

ترى مدرسة أهل البيت (ع) أن هناك فئة من الناس لا توصف بالإيمان ولا بالكفر وهم الجهال القاصرون الذين لم تقم عليهم الحجة وهؤلاء على أصناف فمنهم من لم تبلغهم الحجة أصلا كمن يعيش في المناطق النائية ، ومنهم من بلغته الحجة إلا أن فيه مرضا يمنعه من إدراكها كالمجانين وأصحاب بعض الأمراض العقلية ، ومنهم من منعته الظروف الاجتماعية من التعلم كالنساء في الزمان الغابر ، ومنهم من حالت دونه و دون بلوغ الحجة الظروف السياسية القمعية السائدة ، بل ومنهم العلماء الذين يتوصلون إلى نتائج خاطئة في بحوثهم فيعتنقون مذهبا أو دينا فاسدا مخالفا للواقع مع خلوص نيتهم وطيب سريرتهم وصدقهم في البحث عن الحقيقة ، ويضرب لنا الشيخ المطهري (رحمه الله) لهؤلاء مثلا الفيلسوف المشهور ديكارت على تفصيل يذكره في كتابه "العدل الإلهي" ، بل وأدق من مثال الشيخ المطهري حالة المتكلم عمران الصابي الذي التقى بالإمام الرضا (ع) وأعلن للإمام صدق نيته في البحث عن الحقيقة ، وفعلا وفي مجلس واحد ناقش فيه الإمام (ع) أعلن إسلامه وإيمانه مما يدل على أنه في فترة عدم إيمانه لم يكن معاندا بل لم يكن كافرا وإنما طالبا للحق ومسلما للحقيقة إلا أنه لولا اللقاء بالمعصوم لما أمكنه أن يتوصل إليها .


الشيخ مرتضى المطهري تعرض في كتابه القيم "العدل الإلهي" إلى إشكالية المستضعفين

والسؤال الذي يطرح نفسه : ما مصير المستضعفين الذين لم تقم عليهم الحجة يوم القيامة؟! اختلفت الروايات في مصيرهم فمنها ما ذكرت أن المستضعفين يوضعون في الأعراف وهو مكان بين الجنة والنار ، ومنا ما ذكرت بأنهم يكلفون في الآخرة وعلى أساس هذا التكليف يتحدد ما إذا كانوا من أهل الجنة أم من أهل النار ، وذكر غير ذلك أيضا في الروايات .
لقد وردت النصوص الكثيرة في شأن المستضعفين ابتداء من القرآن الكريم حيث قال الله تعالى في شأنهم (( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا )) النساء. وقال عز وجل : (( وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم )) الإسراء. كما وردت فيهم أحاديث وروايات عديدة منها ما روي عن حمران قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن المستضعفين ، قال: إنهم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكافرين وهم المرجون لأمر الله. وأيضا روي عن أبي جعفر (ع) في تفسير قوله سبحانه (( إلا المستضعفين .. لا يستطيعون حيلة )) فيدخلوا في الكفر (( ولا يهتدون )) فيدخلوا في الإيمان ، فليس هم من الكفر والإيمان في شيء . بل روي في كتاب الخصال وهو من أهم مراجع الحديث الشيعية رواية صريحة في أن الجنة ليست مقصورة على طائفة معينة دون الطوائف الأخرى وإن كان الحق محصورا واقعا في طائفة واحدة فعن جعفر بن محمد الصادق (ع) عن أبيه عن جده عن علي (ع) قال : (( إن للجنة ثمانية أبواب باب يدخل منه النبيون والصديقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا – إلى أن قال – وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد أن لا إله إلا الله ولم يكن في قلبه مثقال ذرة من بغضنا أهل البيت )) ومن الآيات والأحاديث إلى اجتهادات الفقهاء حيث نجد أن بعض أعلام الإمامية أفردوا أحكاما خاصة بالمستضعفين فقال ابن إدريس الحلي في "السرائر" بطهارة عين المستضعف وعدم الحكم بنجاسته ، وإلى هذا القول أشار المحقق الحلي في "المعتبر" كما أجاز بعض الفقهاء أكل ذبيحة المستضعف ، نعم يمكن القول أن البحث الفقهي في هذه الفئة المهمة من البشر ليس بذلك العمق المطلوب وربما كان مطروحا فعلا في المدارس الدينية إلا أننا كقراء خارج أسوار المؤسسات الدينية لم تصلنا بحوث مستقلة في أحكام المستضعف.
إننا أحوج ما نكون – في هذه الأيام التي تفشت فيها الطائفية تفشيا فظيعا وسارت فتاوى التكفير في مجتمعاتنا سير النار في الهشيم – إلى نشر هذه الأفكار الأصيلة من تراثنا الإسلامي في قضية التسامح الديني والعدالة الإلهية والحمد لله رب العالمين وصلى الله علي سيدنا محمد وآله الطاهرين.

الطائفية تنخر في مجتمعاتنا وصوت الوسطية نادر

الأحد، 17 يوليو 2011

God is not evil

وثائقي (تاريخ الشيوعية الدموي) .. ننصح بمشاهدته

التعايش المشترك بين المذاهب الإسلامية في عمان

الارتقاء بالعقيدة من البحث النظري إلى الحالة الروحية - مقال الأستاذ علي العريان من مجلة "حياء"



الأمريكي آرثر آش أسطورة رياضة التنس ، فاز بالعديد من البطولات العالمية ، و أصيب أخيرا بمرض الأيدز إثر نقل دم ملوث أثناء جراحة أجريت له مما أدى إلى وفاته لاحقا ، وقد كان له الكثير من المعجبين في شتى بقاع العالم فأخذوا يبعثون إليه بالرسائل ، وكان مما أرسل إليه بعضهم "لماذا أنت بالذات ليختارك الله كي تعاني من هذا المرض الخبيث؟!" فأجابه آرثر "استمع ، لقد بدأ 50 مليون طفلا في العالم ممارسة لعبة التنس ، و 5 مليون من هؤلاء استطاعوا تعلم قواعد اللعبة ، من هؤلاء الـ 5 مليون استطاع 500000 فقط أن يصبحوا لاعبين محترفين ، من هؤلاء الخمسمائة ألف استطاع 50000 فقط أن يصلوا إلى البطولات ، ومن هؤلاء استطاع 5000 فقط أن يصلوا إلى بطولة غراند سلام ، بل ومن هؤلاء استطاع فقط 50 لاعبا أن يصلوا إلى بطولة ويمبليدون ، ومنهم ثمانية وصلوا الدور ربع النهائي ثم أربعة إلى ما قبل النهائي ، ووصل لاعبان فقط إلى النهائي وفاز منهم واحد ، وكان الفائز هو أنا ، و عندما رفعت الكأس منتشيا بالفوز لم أسأل رب أبدا لماذا أنا".
ما جذب انتباهي في هذه الرسالة هو أن بطلها ليس رجل دين ولا متخصصا في العقيدة وأصول الدين ، كما لا أظنه قد خاض المعضلات الفلسفية الخاصة بموضوع العدل الإلهي ، إلا أنه اتخذ عقيدته على أساس أخلاقي راق يتجاوز مستوى البحوث النظرية بدليل أن جوابه على الرسالة كان جوابا عفويا لم يتجشم عناء إقامة البراهين المنطقية و الفلسفية ، لا يخفى – أيها القارئ الكريم – ما للعقيدة من دور أساسي في صقل شخصية الإنسان و ثبات نفسيته و فاعليته الاجتماعية ، وبتغير هذه العقيدة أو ضعفها أو ترددها بين الشك و اليقين يضعف الفرد ويتردد في سلوكياته و مواقفه ، و ينخدع الكثير من المتوغلين في بحار العلوم العقلية بدور العقل و يعطونه حجما أكبر من حجمه بحيث يجعلونه حاكما على الله تعالى ، فهم يبحثون وجود الله و عدله و صفاته بحيث لو ثبت لهم بالدليل العقلي ذلك آمنوا به و إلا ضربوا بكل القيم و المقدسات عرض الحائط ، بل ربما ثبتت لبعضهم هذه العقائد في يوم و تزلزلت في يوم آخر بسبب شبهة تطرأ من هنا أو هناك فلا يثبت له إيمان ولا يرسخ له مبدأ مما يجعل منه شخصا مهزوزا في معترك الحياة و في الساحة العملية ، إنني لست بصدد التقليل من دور العقل و أهميته بل إن العقل هو سبيلنا الأساسي للخلاص إلا أن هنالك عقائد أساسية بها يقوم نظام أي مجتمع و هي الاعتقاد بوجود الله تعالى و بعدله و بالمعاد ، فأي تزلزل في هذه العقائد يؤدي إلى تزلزل أركان المجتمع و تضعضع بنيانه ، و الارتقاء بهذه العقائد من مستوى البحث النظري إلى الحالة القلبية الروحية و العلاقة الأخلاقية التي نعيشها مع المتعالي تجعل منا أفرادا شامخين راسخين في الميدان الاجتماعي و أفرادا مطمئنين مستقري السيكولوجية في الميدان الفردي .
لقد ارتقى آرثر لاعب التنس الأمريكي بعقيدته في العدل الإلهي إلى مستوى العلاقة الأخلاقية مع الله تعالى ، و هذا أمر نستلهمه نحن المسلمين في عقيدتنا الإسلامية و تراثنا العقائدي بشكل واضح و جلي ، فعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) يقول : (( التوحيد أن لا تتوهمه و العدل أن لا تتهمه )) فلاحظ ودقق النظر في قوله "تتهمه" ترى فيه تلميحا إلى هذا المعنى ، هذا بالنسبة إلى العدالة الإلهية ، و أما ما يتعلق بوجود الله تعالى فقد بين علماء الإسلام أنه سبحانه خفي لشدة ظهوره كالشمس – وله سبحانه المثل الأعلى – فإنه لشدة ظهورها تستعصي على الأبصار أن تنظر إليها ، و في هذا ورد عن بعض العرفاء عبارة يخاطب بها الله عز وجل (( متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك ، عميت عين لا تراك عليها رقيبا )) وقد نسبت هذه الفقرة إلى الإمام الحسين (ع) في دعاء عرفة ، أيضا مما يستشهدون به في هذا المقام ما روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه دخل السوق فإذا هو برجل موليه ظهره يقول "لا والذي احتجب بالسبع" فضرب علي (ع) ظهره ثم قال : (( من الذي احتجب بالسبع؟ )) قال الرجل "الله يا أمير المؤمنين" قال : (( أخطأت ثكلتك أمك ، إن الله عز وجل ليس بينه و بين خلقه حجاب لأنه معهم أينما كانوا )) ، هكذا هو الله سبحانه أجلى الجليات و أوضح الواضحات ، و في هذا أبيات لمجنون ليلى يصف بها حسن ليلى و أنها لفرط جمالها خطفت ناظريه عن أن ينظر إليها حيث يقول:

توهمت قدما أن ليلى تبرقعت .. وأن حجابا دونها يمنع اللثما
فلاحت فلا والله ما ثم حاجب .. سوى أن طرفي كان عن حسنها أعمى

فإذا ما كانت الحياة محصورة في العقيدة و الجهاد كما يقول الحسين بن علي (ع) (( إنما الحياة عقيدة و جهاد )) لا يكون الجهاد على أتم وجه إلا والعقيدة على أتم وجه ، والعقيدة التامة لا تكون إلا بأن يرتقي الإنسان بحالته القلبية من خلال إصلاح أفكاره و التأمل في القرآن الكريم و أدعية الصالحين و أذكار العارفين و تلاوتها و عيش هذه الحالة في الواقع العملي ، فإذا ما ارتقى الإنسان بحيث صار كيانه كيانا عقائديا صار أثره في المجتمع أثرا فريدا و عاش بنفس مطمئنة كالحسين بن علي (ع) الذي كان في أقصى درجات الثبات مع كل المآسي و الظروف الحالكة التي اعتورته ، فبعدما قدم في طف كربلاء عياله و نساءه و أصحابه و أهل بيته قتلى و سبايا في سبيل الله بل و قدم رضيعه الصغير قربانا في سبيل الدين حتى فار دم نحره بين يدي أبيه ثم استعد لتقديم روحه الطاهرة امتثل بأبيات تنسب إليه وتحكي لسان حاله يخاطب بها ربه سبحانه وتعالى إذ يقول:

تركت الأهل طرا في هواكا .. و أيتمت العيال لكي أراكا
فلو قطعتني في الحب إربا .. لما مال الفؤاد إلى سواكا

فهكذا يقين و هكذا معرفة و هكذا تضحية و هكذا فداء لا يمكن أن تكون إلا بيقين قلبي يذوب فيه العبد في الحق و ينقلب وجوده إلى مثال يحكي الحق كما هو حال الحديدة المحماة التي اكتوت بالنار حتى اتصفت بصفاتها فصارت محرقة كما أن النار محرقة و صارت حمراء كما أنها حمراء .


مجتمعنا وثقافة جحا - مقال للأستاذ علي العريان

مجتمعنا وثقافة جحا


"أنت لست من أهل التخصص فلا يحق لك أن تطرح هكذا أسئلة" وربما قيل ذلك بأسلوب أقسى تمازجه لغة جسد حقيرة ، عبارة يواجهها كثير من الناس حينما يطرحون سؤالا على بعض وجهاء وأكاديميي ورموز مجتمعنا ، وهو جواب نابع من مشكلة ممتدة ومعقدة أكثر مما يتصوره البعض ، إنها مشكلة ثقافة مجتمع يصنع هالات قداسة زائفة قد يعيش فيها أحيانا وقد يضفيها على ما شاء ثم يجعل منه صنما يعبده من دون الحق ، على كل لا أريد الخوض في تفريعات المشكلة - التي تبدأ عند نظام أسرة يحكمه ذكر مستبد وتنتهي إلى دول يحكمها دكتاتور - بقدر ما أريد – في هذا المقال – الإشارة إلى بعض مواطن ومظاهر الخلل وربما السبيل إلى علاجها ، وهي في نقاط:

الأولى: النظر إلى الشهادة الأكاديمية أو غيرها من المسميات أو المناصب الرسمية في ساحة النقاش العلمي ، وتتضاعف هذه المعضلة مع تفشي ظاهرة شراء الشهادات الأكاديمية و ارتقاء المناصب بوسائل ملتوية خارجة عن إطار الكفاءة بحيث لا يكون للشهادة ولا للمنصب معنى واقعي ، فساحة النقاش العلمي هي ساحة تصادم الأفكار حيث يجب الفصل التام بين الفكر والشخص الحامل له ومناقشة الفكر مهما كان حامله ، ثم الأخذ به إن كان حقا ولو كان حامله بغيضا أو مبطلا أو رده إن كان باطلا وإن كان حامله عزيزا أو مؤمنا ، فهذه من أسمى أخلاقيات البحث العلمي التي يدل عليها العقل بل ودل عليها الأنبياء والأولياء فعن المسيح (ع) أنه قال : (( معشر الحواريين ما يضركم من نتن القطران إذا أصابكم سراجه ، خذوا العلم ممن عنده ولا تنظروا إلى عمله )) ميزان الحكمة: محمد الريشهري ج3 ص2082 ، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أنه قال : (( خذ الحكمة ممن أتاك بها وانظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال )) المصدر السابق .

الثانية: الانخداع بالمظهر والكاريزما ، فنحن نلاحظ على سبيل المثال أن بعض أفراد مجتمعنا يتراكضون خلف كل من تمظهر بمظهر رجل الدين كي يطرحوا ما بدا لهم من أسئلة عليه وربما كان هذا ممن تزيى بهذا الزي طلبا للوجاهة أو المال دون أن يكون له أي معرفة بالدين لكننا نراهم يقبلون رأيه تسليما دون نقاش أو جدل ، والمفارقة الغريبة هي أننا نجد بعض الضليعين في العلوم الدينية ممن قضى سنوات في التفقه في الدين دون أن يتزيى بزي رجال الدين يقول رأيه في المجالس فيناقشه العامة ولا يقبلون ما يقول إلا على مضض أحيانا بل وقد لا يقبلونه ، هذا كله لأنه لم يتسربل بسربال رجل الدين ، فمما يؤسف له أن النادر النادر من مجتمعنا من يستطيع أن يفرق بين رجل الدين وعالم الدين و بينهما عموم وخصوص من وجه ، ومن هذه الفئة النادرة تلك الشخصية الهزلية المذكورة في الثقافة العربية وهو جحا الذي يروى أنه ذهب في ثياب عادية إلى مجلس وليمة فلم يوله أحد أهمية ، فذهب وبدل ملابسه وارتدى عمامة فاخرة و رداء زاهيا ثم جاء فاستقبله أهل الوليمة بالحفاوة والإكرام واستقبلوه أحسن استقبال وأجلسوه في صدر المجلس على سفرة الطعام وقدموا له ما طاب من المأكل فما كان منه إلا أن قال لعمامته و ردائه كلوا واشربوا ، فهذا الإكرام ليس لشخصي ولا لمكانتي ولا لكفاءتي ولا لكياني كإنسان وإنما هو لما أرتديه ، فوا أسفاه لمجتمع لا زال عاجزا عن الوصول إلى ثقافة شخصية هزلية يحكي نوادرها ليضحك عليها .

الثالثة: وضع حجب وحواجز مختلفة أمام الشخصية مما يضفي عليها هيبة ورهبة مختلقة ، قد يضعها الشخص لنفسه وقد يضعها له مريدوه و جماعته ، ومن أمثلة ذلك سبق الأسماء بالألقاب الكثيرة وانتحال المسميات الأكاديمية كمسمى دكتور و أستاذ واختصاصي واستشاري وما إلى ذلك ، وللأسف لا يوجد قانون في البلد يعاقب على ذلك خلافا لما هو موجود في بعض الدول الأخرى ، وطالما تساءلت عن سبب التركيز على ذكر أسماء العلماء أصحاب النظريات وتمجيدهم أحيانا في مناهج الدراسات الإنسانية من الفلسفة والدين وعلم النفس والاجتماع والسياسة خلافا للدراسات العلمية التي قد تدرس فيها كما هائلا من النظريات دون أن تعرف اسم عالم واحد ممن كان له الفضل في اكتشافها فقد أنهيت أنا شخصيا بكلريوس الصيدلة دون أن أسأل ولو لمرة واحدة عن اسم عالم من علمائها ، إن التركيز على من قال علاوة على ما قال في العلوم الإنسانية واضح مقارنة بالعلوم الطبيعية ، فهل هذا لأن العلوم الإنسانية يتداخل فيها كثيرا طابع عدم الموضوعية ودخول الأهواء والأمزجة بطبيعة هذه العلوم خلافا للعلوم الطبيعية الجامدة؟ ربما يكون هذا هو السبب وإن كان كذلك فهي طامة كبرى بحق الحيادية العلمية يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار ، وعلى كل فإن من تلك الحواجز أيضا السلوك الشخصي من طريقة الكلام الاستعلائي التلقيني الوصائي الإرشادي الذي لا يسمح للمستمع بأن يكون له مجال للمساءلة أو الشك وإنما يفرض عليه الإذعان والتسليم بل لا يدع لك مجالا للمساءلة حتى لو لم تكن مقتنعا بما يلقيه المخاطب وليس ذلك لأن المخاطب عالي الصوت أو شديد النبرة أو متسلطا بالضرورة بل قد يكون لأنه ثقيل النفس بطيء الكلام لا يوليك اهتماما متعمدا ليرفع من شأن نفسه و يوحي إلى مستمعه شعورا بالدونية ، وإجمالا هو أسلوب خطاب مناقض تماما لوصية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) : (( لا تكلموني بما تكلمون به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة ولا تظنوا بي استثقالا لحق قيل لي أو عدل يعرض علي فإن من استثقل الحق أن يقال له والعدل أن يعرض عليه كان العمل بهما عليه أثقل .. الخ )) (نهج البلاغة ج2 ص200) ، وتتفاقم هذه الظاهرة السلبية فنراها في المجالس الدينية بين من من شأنهم أن يكون سلوكهم عكس ذلك كما نراها متجسدة في بيرقراطية بعض المسؤولين في وزارات الدولة ممن يعتقد أن المركز جعل منه إلها يعبد من دون الواحد القهار ، كما تتنوع أشكال هذه الظاهرة السلبية فنرى بعض الوعاظ الناشئين وأصحاب المناصب وللأسف الشديد يسير إلى صدر المجلس شاخصا ببصره نحو المقاعد المملوءة بكبار السن كي يقوم أحدهم ويعطيه مجلسه ليجلس المسن بدوره على الأرض ويتكرر هذا المشهد أمام ناظرينا ممن يفترض أن يكونوا قدوة للناس ومصداقا لسنة رسول الله (ص) الذي كان من سنته الجلوس حيث انتهى به المجلس (مستدرك الوسائل ج8 ص405) وعدم تخصيص مجلس خاص له بل نهي في بعض الأحاديث عن قبول الجلوس في صدر المجلس (مستدرك الوسائل ج8 ص406) ، بقي أن أشير أخيرا إلى أنه و من خلال التجربة الشخصية التي هي استقراء ناقص ظني لاحظت بأن هذه الحالة – ومع أنها موجودة في جميع المجتمعات – إلا أنها أكثر تفشيا في مجتمعاتنا من المجتمع الغربي ولعل هذا من أسباب تقدمهم المادي ، فكم سمعنا أثناء دراستنا في الخارج و رأينا كبار الأساتذة وعمداء الجامعات يجلسون معنا نحن الطلبة المبتدئين الغرباء المختلفين عنهم في الثقافة والدين واللغة والعرق فيمازحوننا و يعرضون مساعدتهم و يسألون عن أحوالنا بل حصل لي موقف شخصي مرة حينما كنت أسير في سوق شارع غرافتون في دبلن العاصمة الإيرلندية وإذا بأحدهم يربت على كتفي من الخلف مازحا ، ظننته أحد الزملاء وحينما التفت وإذا به البروفسور نولن أستاذ الكيمياء الدوائية ورئيس قسم الدراسات العليا في الكلية الملكية للجراحين ، وقد كان هذا الرجل المسن الحائز على أعلى الشهادات التي قد يحوزها أكاديمي في مجاله غاية في التواضع دائما مما يجعلني أتمنى لأمثاله أمنية قلما أتمناها لأحد وهي أن يكونوا أكثر مني تفوقا ونجاحا دون أن يكون في صدري مقدار ذرة من حسد أو ضيق ، لقد حدثني أحد الإخوة الدارسين في جامعة ترنتي في دبلن أنهم كانوا يجلسون في ممر الجامعة يأكلون بعض السندويشات فإذا بأحد الأساتذة يجلس بجوارهم يسألهم عن أحوالهم وأمورهم وقد كانوا حينها في أيامهم الأولى في الكلية وفي الغربة ، وعلموا أثناء حديثهم أن الجالس في جوارهم هو رئيس الجامعة وهو بروفسور يحمل ثلاث شهادات دكتوراه وغيرها من الأوسمة ، ولكي لا يفهم أنني أرمي مجتمعنا بالسلبية المطلقة فإني أقول بأن علماء الدين الحقيقيين عندنا في البلاد الإسلامية لا يختلفون في أخلاقهم العلمية عن سائر الفحول في هذه الميادين فها هو العلامة السيد كمال الحيدري الأستاذ في الحوزة العلمية في إيران يطرح بحوثه الفقهية في شرح اللمعة وغيرها بأسلوب يحث الطلاب الدارسين على النقد و التفنيد والنقاش دون أي خوف أو ريب بل يقوم بطرح أخطر الأسئلة والإشكاليات العقائدية في دروسه حول العدل الإلهي وغيرها مما جعل بعض حضور الدرس يهربون خوفا على عقيدتهم ثم يجيبها إجابات راقية رائعة ، بل إن بعض العلماء الأعلام في الحوزات العلمية كان يؤكد على طلبته بأنهم لا يستمعون إلى منبر وعظ يتلقون فيه الإرشادات فقط بل عليهم أن يناقشوا معلمهم و يختلفوا معه في الرأي ويقيموا أدلتهم حينما لا يقتنعون بكلامه ، و نفس الحالة تزرعها في أنفسنا كتابات الشيخ مرتضى المطهري (رحمه الله) المختلفة ، هكذا نجد علماءنا الحقيقيين سواء كانوا علماء دين أو غيره في كتاباتهم و دروسهم يربون الناس على أخلاق الحيادية العلمية و الاستقلال الفكري و قبول الرأي الآخر ، لكننا هاهنا تحدث عن ثقافة مجتمع لم تهضم ذلك بعد ، فمنا إلى أساتذة جامعاتنا في الشرق الأوسط ، ومنا إلى مجتمعنا ، بل من جحا إليهم.

من قيم التنوير الإسلامية - مقال للأستاذ علي العريان

عندما سئل الفيلسوف الألماني كانت عن "التنوير" ما هو؟ أجاب بأنه "خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن النضج أو سن الرشد" ثم عرف القصور العقلي بأنه "التبعية للآخرين و عدم القدرة على التفكير الشخصي أو السلوك في الحياة أو اتخاذ أي قرار بدون استشارة الشخص الوصي علينا" ، إن كان هذا هو جوهر التنوير الأوربي فإنه يمكننا تلمسه واضحا جليا في آيات القرآن الكريم ، نعم لا أدعي أن قيم التنوير هي قيم الإسلام فهنالك اختلاف جلي بينهما إلا أن هذه الدعوة أي دعوة الإنسان إلى الاستقلالية الفكرية و النأي عن ثقافة القطيع نجدها واضحة وضوحا تاما في الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة ، يمكنني إحصاء ما يفوق الثلاث عشرة آية في القرآن الكريم تنهى عن التقليد الأعمى للآباء و الزعماء و تأمر بالبناء الحر للقناعات و الأفكار و العقائد الدينية و غيرها بل و تنهى عن التبعية العمياء في مقام العمل و السلوك أيضا منها قوله تعالى : (( و إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون . و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء و نداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون )) البقرة 170-171 (أيضا انظر الزخرف 22 ، الأنبياء 51 ، الشعراء 69 ، المائدة 104، الأعراف 28، لقمان 21، سبأ 43، الأحزاب 68، الصافات 21) . يوضح القرآن الكريم الخلفية السيكولوجية لثقافة القطيع وهي حالة لا يكاد يخلو منها عصر من عصور البشرية ، فكما نرى اليوم القبلية و القرابة تطغى على المنطق و العقل ، نرى ذلك أيضا في الأمم السابقة فعن إمامنا جعفر الصادق (ع) في حديث له عن قوم نوح (ع) معلقا على الآية المباركة (( وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث و يعوق ونسرا )) قال (ع): (( كانوا يعبدون الله عز و جل فماتوا فضج قومهم وشق ذلك عليهم فجاءهم إبليس لعنه الله فقال لهم "أتخذ لكم أصناما على صورهم فتنظرون إليهم و تأنسون بهم و تعبدون الله" فأعد لهم أصناما على مثالهم فكانوا يعبدون الله عز و جل وينظرون إلى تلك الأصنام ، فلما جاءهم الشتاء والأمطار أدخلوا الأصنام البيوت فلم يزالوا يعبدون الله عز وجل حتى هلك ذلك القرن و نشأ أولادهم فقالوا "إن آباءنا كانوا يعبدون هؤلاء فعبدوهم من دون الله عز وجل فذلك قول الله تبارك وتعالى "ولا تذرن ودا ولا سواعا" الآية )) ، و يمكننا تلمس هذا المنطق الجاهلي في التاريخ الإسلامي أيضا فعندما أمر رسول الله (ص) المسلمين بولاية أمير المؤمنين (ع) و قال لهم كما روي عن زين العابدين (ع) (( يا عباد الله اتبعوا أخي ووصيي علي بن أبي طالب – عليه السلام – بأمر الله ولا تكونوا كالذين اتخذوا أربابا من دون الله تقليدا لجهال آبائهم الكافرين بالله ، فإن المقلد ممن لا يعلم دين الله يبوء بغضب من الله و يكون مع أسراء إبليس لعنه الله .. الخ )) تفسير الإمام العسكري ص583. و لكننا نرى أن تقديس بعض المسلمين لآبائهم كان أعظم من تقديسهم للإسلام حتى إذا ما اصطفوا لقتال الحسين (ع) أعلنوها صراحة (( إنما نقاتلك بغضا منا لأبيك )) الذي قتل آباءهم المشركين ، و هذا المنطق الجاهلي واضح في أبيات قالها يزيد بن معاوية شامتا بقتل الحسين (ع) وهي:

ليت أشياخي ببدر شهدوا .. جزع الخزرج من وقع الأسل


لأهلوا و استهلوا فرحا .. و لقالوا يا يزيد لا تشل


فجزيناه ببدر مثلا .. و أقمنا مثل بدر فاعتدل


لست من خندف إن لم أنتقم .. من بني أحمد ما كان فعل


و عند رجوعنا للروايات الشريفة نجد أن ذم تقليد الآباء و الزعماء تجاوز أمر الدين إلى أمور الدنيا أيضا فعن معمر بن خلاد قال: إن أبا الحسن (ع) اشترى دارا و أمر مولى له أن يتحول إليها و قال: إن منزلك ضيق . فقال: قد أحدث هذه الدار أبي . فقال أبو الحسن (ع) : (( إن كان أبوك أحمق ينبغي أن تكون مثله )) الكافي ج6 ص525. كم يثير استغرابي ما يقوله المهاتما غاندي عن عبادة البقرة ، فمع أن هذا الرجل يعتبر قائدا سياسيا تاريخيا ومثقفا و كان قد درس القانون في بريطانيا و ذاع صيته في العالم حتى لقب بأب الأمة الهندية و يعتبر اليوم ميلاده عطلة رسمية في الهند إلا أننا نجده يقول عن ديانته الموروثة (( إن حماية البقرة التي فرضتها الهندوسية هي هدية الهند إلى العالم ، وهي إحساس برباط الأخوة بين الإنسان وبين الحيوان و الفكر الهندي يعتقد أن البقرة هي أم الإنسان وهي كذلك في الحقيقة ، إن البقرة خير رفيق للمواطن الهندي وهي خير حماية للهند ، عندما أرى البقرة لا أعدني أرى حيوانا لأني أعبد البقرة و سأدافع عن عبادتها أمام العالم أجمع ، و أمي البقرة تفضل أمي الحقيقية من عدة وجوه فالأم الحقيقية ترضعنا مدة عام أو عامين و تتطلب منا خدمات طول العمر نظير هذا ، و لكن أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائما ولا تتطلب منا شيئا مقابل ذلك سوى الطعام العادي ، و عندما تمرض الأم الحقيقية تتكلف جنازتها مبالغ طائلة و عندما تموت أمنا البقرة تعود علينا بالنفع كما كانت تفعل وهي حية لأننا ننتفع بكل جزء من جسمها حتى العظم و الجلد والقرن ، أنا لا أقول هذا لأقلل من قيمة الأم ، و لكن لأبين السبب الذي دعاني لعبادة البقرة ، إن ملايين الهنود يتجهون للبقرة بالعبادة و الإجلال و أنا أعد نفسي واحدا من هؤلاء الملايين )) عن أديان الهندي الكبرى لأحمد شلبي ص36. هذا الكلام قد يضحك بعض أفراد مجتمعنا لكنه يثير مجموعة من التساؤلات أهمها .. هل اتخذنا نحن عقائد و قناعات تضحك أولئك الذين يعيشون في مجتمعات أخرى دون أن ننتبه إلى خطئها و سذاجتها؟ و إذا انتبه الإنسان الواعي إلى هذه النقطة عرف مدى أهمية دعوة القرآن إلى تمحيص العقيدة و إقامتها على أساس الدليل و البرهان ، و هكذا نعرف أهمية ما دعا إليه الفيلسوف ديكارت من تمحيص الأفكار و التشكيك المنهجي فيها حتى الوصول إلى اليقين خصوصا تلك الأفكار التي تتبناها السلطة السياسية و السلطة الدينية و المجتمع مما يكون له تأثير قوي في نفس المتلقي .

يوغا - مقال للدكتور مصطفى محمود

هذا مقال للدكتور المصري مصطفى محمود (رحمه الله) في كتابه الرائع "الشيطان يحكم" بعنوان "يوجا" .. بعض عبارات هذه المقالات عليها ملاحظات و ربما تحتاج تأويل أو تفسير معين كما ربما يكون عليها ملاحظات شرعية و لكن المقال فيه العديد من الاتفاتات المفيدة و هو التالي:
سعيت وراء علماء التشريح لأعرف ما هو الإنسان .. سرت وراء المشرط وهو ينقب في الأحشاء و المصارين و اللحم و العظم .. و هو يفتح القلب و يتتبع الأعصاب حتى نهايتها .. وهو يقطع المخ نصفين ثم يقطع كل نصف إلى نصفين .

وبعد ثلاثة آلاف صفحة من كتب التشريح لم أصل إلى شيء و كأنما فتحت حقيبة فوجدت داخلها حقيبة ثم حقيبة و في نهاية المطاف اكتشفت أني ما زلت واقفا في مكاني أدق على الباب نفسه من الخارج لم ألج إلى الداخل أبدا .
كنت طول الوقت أتحسس كسوة ذلك الإنسان لأكتشف أن القناع الذي يحجبه ليس ثيابه وحدها .. وإنما جلده ثوب آخر .. و لحمه و شحمه و عظامه كلها ثياب .. أما هو نفسه فبعيد .. بعيد .. تحت هذه الأقمشة السميكة من اللحم و الدم .
قالت لي كتب التشريح أن الإنسان مجموعة من الأحشاء في قرطاس من الجلد ، و لكنها لم تصف لي الإنسان على الإطلاق و إنما وصفت ثيابه أما قلبه ، أما عواطفه فإنها ليست في تلك الكتب .. إنها فينا نحن الأحياء .
إنها الزامر الذي ينفخ من الداخل في ذلك البوق الجسدي الذي يتألف من الفم و اللسان و الشفتين و اليدين و الرجلين فتنطق و تتحرك كأنما هي دمى خشبية تحركها خيوط خفية من وراء خباء .
إنها العاطفة .. الإرادة .. الروح .. النفس .. الأنا .. سمها كما تشاء و لكنها دائما غاية الوحدة و البساطة .
وراء هذا العديد المتعدد من الأعضاء هناك وحدة .. هناك دائما واحد فقط يتكلم من داخل المعمار الجسدي المعقد التركيب المتعدد النوافذ و الشرفات .. واحد فقط بالرغم من هذه الألوف المؤلفة من الأنسجة و الملايين بلا عدد من الخلايا.
فإذا نظرت إلى الطبيعة حولك بما يتعدد فيها من إنسان و حيوان و نبات لمست مرة أخرى نوعا ثانيا من الوحدة .. فهذا الشتيت المختلف من أشكال الحياة يخفي وراءه وحدة .
ليست مصادفة أن تركيب جسمي و تركيب جسم واحد .
ولا هي مصادفة أننا نحن كلانا لنا رئتان مثلما للحصان و الحوت و العصفور .. و أن رقبة الزرافة على طولها بها سبع فقرات مثل رقبتك القصير تماما .. و أن ذيل القرد لك ذيل مثله ضامر متدامج ملتحم في مؤخرتك .. و بالمثل أجنحة الخفافيش هي أذرع مثل أذرعك لها العدد إياه من الأصابع و العظام و المفاصل كل ما تمتاز به أن جلدها مشدود عليها كالستارة .
و أنت و الشجرة تتألفان من المواد ذاتها .. كربون و ماء و أملاح معدنية .. و كلاكما تتحولان بالاحتراق إلى فحم ، و كل أنواع الحياة تنهدم بالموت فتستحيل إلى تراب .
أكثر من هذا ، يقول لك الفلكي ، إن هذا التراب يحتوي على المواد نفسها التي تتركب منها الشمس و النجوم و الكواكب .. و إنك مهما أوغلت في السماء بين النجوم تجد دائما الشيء نفسه .. المواد ذاتها ..
كل العالم من مادة واحدة أولية .
لا يمكن أن تكون كل هذه مصادفات و إنما هي إصبع تشير إلى أن هناك وحدة نسيج في هذا الكون المتسع العظيم .. و أنه بالرغم من الكثرة الظاهرة و التعدد و الاختلاف في الأشياء فإنها في الواقع ليست مختلفة .. و إنما هي مجرد عمائر و تراكيب مختلفة لشيء واحد .
كما تظهر الطاقة مرة على شكل كهرباء و مرة على شكل حرارة و مرة على شكل ضوء و مرة على شكل مغناطيسية ، و هي دائما الشيء الواحد ذاته .
الوحدة ..
هذا هو موضوع اليوجا .
و المعنى الحرفي لكلمة "يوجا" بالهندية هو "الاتحاد و إدراك الوحدة في الأشياء" أن لا تنظر إلى الدنيا على أنها أنا و أنت و هو و هي و هم .. ثم تتقاتلون جميعا .. فهذه خدعة .. و أنتم جميعا واحد و ما يقع للآخر يقع عليك من حيث لا تدري .. و الألم الذي توقعه بالآخرين يجرحك حيث لا تحس في أعمق الأعماق .
هذا الصراع بينك و بين الآخرين هو تخريب أساسي لفطرة واحدة .
إذا أردت أن تعيش بكل وجودك فعليك أن تفتح ذراعيك لتحتضن كل شيء .
و حيثما توجهت فلن تكون في غربة بالطبيعة حولك هي أنت .. و الناس هم أنت .. و الوردة هي أنت .. و النجوم أنت .
أنت و أنا و هو و هم شيء واحد .
هل تستطيع أن تدرك هذه الوحدة؟
علوم "اليوجا" تقول أنك لا تستطيع أن تدركها إلا إذا تحررت من تقاليدك .. و أخضعت جسدك و عواطفك و غرائزك و عقلك تماما .
إذا أردت أن تسمع صوت الواحد في داخلك فلا بد من إسكات صوت المتعدد أولا .. لا بد من إسكات صوت الجسد و النفس و الغريزة و الرغبة و العقل .
و إخضاع الجسد تختص به علوم "الهاتايوجا" و هي التمرينات الرياضية المعروفة ، و إخضاع العقل تختص به علوم "الراجايوجا" و هي تمرينات على التأمل و التركيز ، و إذا استطعت إسكات كل شيء فسوف تسمع من أعماق الصمت في داخلك صوت الواحد.
سوف تشعر بالقرابة الحميمة بينك و بين الأشياء .. سوف يعزف في داخلك لحن الانسجام بينك و بين العالم إذ تدرك التوافق العميق بين عناصرك و عناصره .. و تسودك طمأنينة قدسية فلم يعد هناك داع للتعجل .. ما يفوتك باليمين سوف تحصل عليه باليسار.
و في الهند يسمون هذا الواحد "اتمان" .. و في صلاة هندية قديمة لهذا الواحد يقول الشعر السنسكريتي :
إذا ظن القاتل أنه قاتل
و المقتول أنه قتيل
فليسا يدريان ما خفي من أساليبي
حيث أكون الصدر لمن يموت
و السلاح لمن يقتل
و الجناح لمن يطير
و حيث أكون لمن يشك في وجودي
كل شيء حتى الشك نفسه
و حيث أكون أنا الواحد
و أنا الأشياء

و كأنما شعر جميع المفكرين بهذا الواحد الخفي .. وحاول كل منهم أن يعبر عنه بطريقته .. في فلسفة شوبنهور كان اسمه "الإرادة" .. و في فلسفة نيتشه كان اسمه "القوة" و في فلسفة هيغل "المطلق" و في فلسفة ماركس "المادة" و في فلسفة برجسون "الطاقة الحية" و في الأديان السماوية اسمه "الله" ..
اتفقت جميع الأصابع التي تشير على أن هناك شيئا داخل خباء ذلك الكون يحرك خيوطه .. و كل الخلاف هو خلاف أسماء.
و لهذا تقول علوم اليوجا .. لا تحاول أن تسمي ما لا يمكن تسميته ..
تأمل .. لا تنطق بحرف
عليك بالإصغاء إلى صوت الصمت .

الرد الصائب في جواب الأخ بوغايب

في أحد جلسات الأنس في قهوة "قاصد خير" طرح الأخ اللطيف "بو غايب" سؤالا عميقا سبقه في طرح ما يماثله إبليس على نبي الله عيسى (ع) و رجل آخر على أمير المؤمنين (ع) و أحد الزنادقة على هشام بن الحكم ، و السؤال كان :

هل يقدر الله تعالى أن يخلق صخرة لا يقدر على حملها؟


طبعا إن قلت :

نعم يقدر .. تكون قد نفيت قدرة الله المطلقة لأنه لا يستطيع حمل الصخرة ..

و إن قلت لا يقدر .. توصلت إلى نفس النتيجة

و فيما يلي جواب تفصيلي في الموضوع للسيد كمال الحيدري (دام ظله) من كتاب التوحيد ج1 ص388 ما بين القوسين [.........] هو تعليقي:

السؤال الرابع: هل تشمل [يعني القدرة] الواجب و الممتنع [الممتنع هو ما يستحيل وجوده عقلا كاجتماع النقيضين]؟

حيث ثبت أن قدرته سبحانه غير متناهية بل هي مطلقة غير محدودة بقيد ، فهل يعني ذلك أنها تشمل الواجب و الممتنع أيضا أم لا؟ لو قلنا إن قدرته سبحانه تشمل الممتنع بالذات [مثل خلق صخرة لا يستطيع أن يحملها في سؤال الأخ بو غايب] للزم من ذلك الخلف و التناقض ، لأنه لو كان الممتنع مشمولا بالقدرة لأمكن أن يوجد ، و المفروض أنه ممتنع بالذات ، إذن ما فرض أنه ممتنع بالذات ليس ممتنعا بالذات و هذا خلف [أي خلاف القواعد العقلية] ، و مرجع الخلف في نهاية المطاف إلى التناقض.
كذلك في الواجب بالذات [مثل الله تعالى] فإذا فرض أنه يوجد من الغير باشتمال القدرة عليه فسيكون واجبا بالغير [أي أنه سيحتاج إلى خالق يخلقه و يفيض عليه وجوده ، و بالتالي سؤال بو غايب شبيه بسؤال السائل : هل يستطيع الله أن يخلق الله آخر مساو له في الكمال و القدرة و العلم و غير ذلك من الكمالات؟] و قد فرض أنه واجب بالذات ، إذن ما فرض أنه واجب بالذات ليس واجبا بالذات و هذا خلف أيضا [لأنه يلزم اجتماع النقيضين فهو واجب في الذات و ليس واجبا في الذات في نفس الوقت].
على هذا لا تشمل القدرة الواجب [مثل خلق إله آخر] و الممتنع [مثل جمع النقيضين] و لكن هذا التعبير ربما أوحى بشيء من تقييد القدرة [و هو ما يريد أن يجرني إليه بو غايب في سؤاله] بينما المقصود هو أن القدرة لا تشملهما لا لضعف أو عجز في الفاعل ، بل لعدم قابلية القابل ، أما لضعفه إلى حد أنه ممتنع بالذات أو لغناه و وجوبه بالذات بحيث لا يقبل التأثير ، و من ثم فهو خارج عن مدار القدرة من دون أن يكون ذلك عجزا في القدرة ذاتها .
و هذا ما يفسر لنا تظافر النصوص القرآنية و الروائية في التأكيد على أن الله (سبحانه) ليس بعاجز و تركيزها على نفي العجز عن الفاعل [و هو الله تعالى في السؤال] ، إنما تكمن المشكلة في القابل [و هو الصخرة التي لا يقدر الله أن يحملها في السؤال] إذ لا بد و أن يكون قابلا لأن يأخذ فيض الفاعل ، أما لو عجز على أن يأخذ فيض الفاعل لضعفه ولهلاكته و بطلانه و امتناعه أو لقوة وجوده لكونه واجبا بالذات فسيكون خارجا عن مدار القدرة ، بيد أنه خروج تخصصي لا تخصيصي ، أي خروج موضوعي لا خروج حكمي.
[ ووجه امتناع خلق صخرة لا يستطيع الله أن يحكملها مبرهن عليه في الفلسفة الإلهية ببرهان التوحيد ذاته و الذي أثبت فيه عدم تركيب الذات الإلهية و بالتالي عدم محدوديتها ولا تناهيها مما يجعل وجود كمال مفترض خارج عن ذات الباري مستحيلا و هذا سبب قول الملا صدرا بفكرة "بسيط الحقيقة كل الأشياء و ليس بشيء منها"]

مثال البيضة و الدنيا

النصوص الروائية حافلة في تأكيد هذا المعنى ، منها الرواية المعروفة التي تنص أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين (ع) و قد سأله : هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر الدنيا أو يكبر البيضة؟ قال : (( إن الله تبارك و تعالى لا ينسب إلى العجز ، و الذي سألتني لا يكون )) [و منها إلى بو غايب]
في تحليل بعض مفردات النص نلحظ أن قول الإمام (( إن الله تبارك و تعالى لا ينسب إلى العجز )) يشير إلى عدم وجود إشكالية في الفاعل ، فالفاعل تام الفاعلية [و هو الله تعالى] و من ثم فهو لا ينسب إلى العجز ، إنما تكمن الإشكالية في موضع آخر عبر عنه الإمام بقوله (( و الذي سألتني لا يكون )) حيث المطلوب في سؤال السائل هو الممتنع و الممتنع لا تتعلق به القدرة و هذا هو منشأ عدم إمكانه لا أن هناك استثناء و تقييدا و عجزا في الفاعل و في القدرة الإلهية.
مع أن هذا النص الروائي تؤيده نصوص أخرى في تأكيد المضمون ذاته ، إلا أن هنالك ما قدر يتعارض مع هذا المضمون و يشعر بالتهافت و ذلك في الحوار الذي جرى بين المتكلم هشام بن الحكم و أبي عبد الله الديصاني ، إذ سأل الديصاني هشام قائلا له ((ألك رب؟ )) فقال (( بلى )) قال (( قادر؟)) قال (( نعم قادر قاهر )) قال (( يقدر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة لا يكبر البيضة ولا يصغر الدنيا؟ )) فقال هشام (( النظرة )) [أي المهلة حيث لم يكن لديه جواب للإشكال] فقال له (( قد أنظرتك حولا ثم خرج عنه )).
عندئذ هرع هشام بن الحكم إلى الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق فعرض عليه المسألة ، فأجابه الإمام (ع) (( يا هشام كم حواسك؟ )) قال (( خمس )) فقال (( أيها أصغر؟)) فقال (( الناظر )) [ أي حاسة البصر] فقال (( و كم قدر الناظر؟)) قال (( مثل العدسة أو أقل منها )) فقال (( يا هشام فانظر أمامك و فوقك و أخبرني بما ترى )) فقال (( أرى سماء و أرضا و دورا و قصورا و ترابا و جبالا و أنهارا )) فقال له أبو عبد الله (ع) (( إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا يصغر الدنيا ولا يكبر البيضة )) [و لو قسنا هذه الرواية على سؤال بو غايب لقلنا أن الله قادر أن يخلق صخرة لا يستطيع حملها دون أن يكون عاجزا عن حملها و مع أن في هذا تناقض إلا أن هذا هو مفاد الرواية السابقة مما يجعل السيد كمال الحيدري يتابع قائلا]
من الواضح أن الأصل هو ما يفيده النص الأول من عدم تعلق القدرة بما طلبه السائل في سؤاله لأنه ممتنع ، و القدرة لا تتعلق بممتنع ، و عندئذ فإن الرواية الأولى هي الأصل المحكم و ما دونه يحتاج إلى تأويل كما ذهب إليه الباحثون منهم المجلسي (ت:1111هـ) في "بحار الأنوار" حيث ذكر أربعة وجوه لتأويل الخبر ، استظر من بينها الوجه الرابع الذي قال فيه (( إن السائل لما كان قاصرا عن فهم ما هو الحق معاندا فلو أجاب – عليه السلام – بعدم تعلق القدرة به لتشبث بذلك ولج و عاند )) .
فلو أن الإمام عرض الجواب من زاوية أن العجز في القابل لا في الفاعل و ذكر إن الله (سبحانه) لا يقدر على ذلك ، لكن لا لعجز فيه بل لنقص في القابل ، لكان يمكن أن نتصور تمسك السائل ذي الشبهة بالمقطع الأول من كلام الإمام الذي يقول فيه (( الذي سألتني لا يكون )) و تشبث به متغافلا عن الجزء الثاني الذي ينطوي على التوضيح. [ إلى آخر كلامه].

أنا شخصيا أعتقد أن الله سبحانه كما أنه هو واضع القوانين العقلية كقانون استحالة اجتماع النقيضين فإنه قادر على نقض هذه القوانين كما أنها لا تجري عليه لأنه سبحانه لا يجري عليه ما هو أجراه ولا يحكمه ما خلقه سبحانه ، و لكن بما أن السلطة العليا في الكائن الإنساني هي العقل و هو الحجة بين الله تعالى و عبده فقد قضى سبحانه أن يكون تعاملنا معه على أساس القضايا العقلية البديهية كاستحالة اجتماع النقيضين و بالتالي يكون جواب (( و لكن ذلك لا يكون )) مخاطبة للإنسان على اساس حدوده العقلية و إلا ففي واقع الأمر (( الله سبحانه لا يوصف بعجز )) بل إنه ليس عاجزا عن جمع النقيضين و هذا ما ذهب إليه ديكارت كما ينقل عنه المطهري ، و لكن هذه الإشكاليات العويصة في الفلسفة منشؤها طرح الأسئلة في مواضيع خارجة عن إطار القوانين العقلية و في هذا يقول ايمانويل كانت (( كتب على العقل البشري أن يتسم بهذه المميزة له : و هي أنه في جانب من جوانب علمه مثقل بأسئلة ، و محتوم عليه أن يجيب عنها ، و هو من ناحية أخرى إن حاول الإجابة عنها فقد طوح بنفسه في الظلام و المتناقضات )) و بالتالي ربما كانت الرواية الثانية تتكلم عن طور وراء طور العقل و الذي لا تحكم فيه القواعد العقلية و الذي يعجز العقل البشري أن يدركه بل إنه ليس مكلفا بطبيعة الحال بإدراكه و من هنا نهينا عن الكلام في ذات الله سبحانه كما في النصوص الشريفة

الدارونية الاجتماعية .. الإجرام باسم الإلحاد

مقال رائع منقول من مدونة http://serdap.blogspot.com


يرى هربرت سبنسر المُعـاصر لدراوين والمتأثر بأفكـار داروين أن الإرتقـاء يحدث في الإنسان عن طريق الإنتخـاب الطبيعي وأن الإنسان ظاهرة بيولوجية ترتقي من خلال الصراع وتنقيـة الأعراق فقـام بالتـأسيس لما سُيعرف فيمـا بعد بإسم الداروينية الإجتمـاعية
والداروينيـة الإجتمـاعية تعني تنزيل قوانين داروين في الأحيـاء على علم الإجتمـاع
يقول تشارلز داروين في كتابه أصل الإنسان في الفصل السادس ما يلي :- (: "في مرحلة مستقبلية معينة، ليست ببعيدة ، سوف تقوم الأعراق البشرية المتحضرة على الأغلب بالقضاء على الأعراق الهمجية واستبدالها في شتى أنحاء العالم." )
وهذا ما حدث بالفعل خلال قرن واحد من مقولته تلك فقد قامت حربين عالميتين أُبيـد فيهمـا مئات الملايين من البشر ( 65 مليون قتيل و150 مليون مصاب ومُعـاق )
وبعد مقولة تشارلز داروين بأربعين عاما فقط قامت الحرب العالمية الأولى و لا يوجد مُنظِّر واحد يستطيع أن يُعطيك تبريرا واحدا لأسباب قيـام هذه الحرب
فالسبب الوحيد الظاهر والذي درسناه في المدارس هو ان الحرب العالمية الأولى نشبت على أثر اغتيـال ولي عهد النمسا وزوجته من قِبل طالب صربي أثناء زيارتهما لسراييفـو ...... فأعلنت النمسـا الحرب على صربيـا في 28 يوليو وبعدها بيومين أعلنت روسيا الحرب على النمسـا في 30 يوليو وبعدها بيومين أعلنت ألمانيا الحرب ضد روسيا في 1/8. غير أنها أعلنت الحرب كذلك على فرنسا في 3/8، وبدأت بغزوها عبر بلجيكا، وسرعان ما أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا في 4/8، كما أعلنت النمسا ـ هنغاريا الحرب على روسيا.
ثم دخلت باقي أوربـا في الحرب المجنونة الغير مُبررة

صورة الطالب الذي قتل ولي عهد النمسا

هذه الأسباب الظاهرية التي درسناها لا تعطي تحليلا منطقيـا لهذه الحرب التي اشتعلت خلال أيـام لتشمل أوربـا كلها لكن السبب المنطقي الوحيد هو كما يقول عالم التاريخ الأمريكي توماس ناب من جامعة لويال thomas knapp :- ( كان الناس ينتظرون الحرب قبل عام 1914 بمنتهى الشغف وكانوا يتمنون قيام الحرب وكان الدافع لسيطرة هذا الفرح عليهم هو سيطرة الداروينية الإجتماعية على الناس في تلك الفترة حيث طُبقت في مدارس أوربـا فهي ترى الحرب دافعـا للرقي للأقوى ودافع للنشاط )
فالسبب المنطقي الوحيد لقيـام الحرب العالمية الأولى هو تطبيق الداروينية الإجتماعية في تلك الفترة
فانطلاقا من الداروينية الإجتماعية فالحرب حتمية بيولوجية لإرتقاء الأقوى عبر مبدأ الصراع الدارويني
فالقتال وسفك الدماء هو قانون الطبيعة من منظور المنظرين للداروينية الاجتماعية فالظرية الداروينية حُبلى بكل فلسفات الصراع والبقاء للأقوى
كتب القائد النمساوي المجري الجنرال فان هودزاندورف القائد الكبير في الحرب العالمية الاولى كتب يقول بعد انتهاء الحرب :- ( الحرب قانون الطبيعة ... علينـا أن ننسى قليلا ما تدعونـا إليه الأديـان ) -1-
James joll europe since 1870 peguin boks 1990 p.164

كتب فريدريك فوربرنارد وهو احد جنرالات الحرب العالمية الأولى :- ( الحرب حاجة أيديولوجية بقدر حاجة الأحياء في الطبيعة للصراع وتُعطي نتائج مجدية من الناحية البيولوجية ) فهو قد قام بالربط بين الحرب وصراع الاحياء من منظور دارويني مُجرد Man in process world .pub .co. newyork 1961 p.76

كانت الحرب العالمية الاولى ثمرة فلسفة تعتقد ان الصراع وسفك الدماء قانون الطبيعة الأزلي وظلت الداروينية الإجتماعية عالقة في أذهـان الناس إلى ان جاءت النازية لتحكم ألمانيا والنازية هي اعتناق للدراوينية الاجتماعية وهتلر كان قد اعتنق في فترة سابقة القوانين الأساسية للداروينية الإجتماعية وان الصراع هو السبيل الوحيد لبقاء العرق الأري نظيفا قويـا
فالعرق الأري هو أرقى الأعراق وأكثرهـا تطورا وهو الأولى بقيادة البشرية
يقول هتلر :- ( يجب أن نكون مثل الطبيعة، والطبيعة لا تعرف الرحمة أو الشفقة )
ولا ننسى المقولة السابقة لتشارلز داروين التي أسست للداروينية الإجتماعية حين قال ( "في مرحلة مستقبلية معينة، ليست ببعيدة ، سوف تقوم الأعراق البشرية المتحضرة على الأغلب بالقضاء على الأعراق الهمجية واستبدالها في شتى أنحاء العالم." )لذا عندمـا قام هتلـر بقتل الغجر والسلاف واليهود والأقزام وغيرهم في أفران الغـاز كان يقول أن هذه أدشـاش تطهير للعِرق الآري


تم إعدام هؤلاء السود بحجة انهم من عِرق أدنى وهو تبرير بيولوجي دارويني

فالتطهير العِرقي أمر بديهي من منظور دارويني إلحـادي مادي مُجرد
ادعى هتلر ان العِرق الآري قد انحسر في ألمانيا فلابد من احتلال البلاد الشرقية من أوربـا لتوفير أماكن عيش للألمان فيما عُرف بالمجال الحيوي لهلتر حيث سيسطر الجنس الآري على العالم في وقت لاحق فهو أولى الأجناس بقيادة العالم فيما عُرف بإسم الرايخ الثالث
وتم أيضـا تأسس وحدات الموت للقتل العام قُتـل فيهـا أكثر من 11 مليون شخص بحجة التطهير للجنس الآري وأسماها هتلر أدشاش تطهير لألمانيا ..وفي كل مكان عبروه أحرقوا الناس والبلاد والبيوت


وحتى المعاقين والمرضى والضعفاء تمت إبادتهم في النظام الهتلري بحجة أنهم غير منتجين useless eaters لابد من التخلص منهم في أسرع وقت وبأكثر الطرق كفاءة. أي أن العقل المادي هنا قام بتفكيك البـشر بصـرامة بالغة وكفاءة مدهـشة، ونظر للجـميع بعيون زجـاجية وكأنه كمبيوتر متألِّه، يبلغ الغاية في الذكاء، لا قلب له ولا روح، يُحيي ويُميت. -3-

وثيقة هتلر الشهيرة التي يامر فيها الأطباء بقتل المرضى والضعفـاء
فالداروينية حرَّرت النازية من أية أعباء أخلاقية مثالية .....
وقد أبادت الحرب العالمية الثانية وحدها 2% من سكان العالم وخلفت مأساة أكبر من ذلك بكثير تتمثل في ازدياد الشك والنفور من كل تقدم علمي والخوف مما يخبئه المستقبل.... فقد جنت الداروينية على العلم وعلى الإنسان
فالإنسان له روح خاصة مستقلة عن جميع المخلوقات فهو لا يُتصور أنه نشـأ خلال منظومة صراع الغابة فهو ليس ابن للغابة كما يحاول أن يقنعنا داروين ورفاقه
والإنسان لم يوجد من اجل الصراع إنما وُجد من اجل عبادة الله من إقامة الحق أيـا كان مَن اتبع الحق سواء كان أبيض أو أسود فالإنسـان ليس مُفصلا على طراز داروين

مقاربة شيعية نحو التعددية الدينية من رؤية العلامة الطباطبائي

هذا جزء من بحث مطول كتبه الأستاذ علي العريان حول التعددية الدينية (لا يجوز النقل إلا مع الإشارة إلى اسم الكاتب):

* مقاربة شيعية نحو التعددية من رؤية العلامة الطباطبائي[1]:

تنبع هذه الرؤية من علم الأصول و بالتحديد من الخلاف القائم بين المخطئة و المصوبة ، حيث يذهب المخطئة إلى أن للتكاليف الشرعية مصالح و مفاسد في نفسها بينما يذهب المصوبة إلى أن لا فائدة في نفس التكاليف الشرعية و إنما تكمن الفائدة في الامتثال و الطاعة و الانقياد للأمر الإلهي كأن يأمر الآباء أبناءهم بأوامر لا علة لها من أجل تربيتهم على الطاعة و الامتثال لا أكثر ، فكمال الإنسان على رأي المصوبة أن يكون كالجارحة بالنسبة لله تعالى التي لا تعصيه طرفة عين (( بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون )) و على هذا كلما كان العمل أشد و أصعب كان يحتاج إلى امتثال أكبر و بالتالي محققا لتكامل أشد ، كما أن المعاصي تتفاوت في درجة التمرد فليس كل إنسان قادر على أن يكون قاتلا للحسين (ع) مثلا بدليل ما حدث في واقعة عاشوراء عندما أرادوا حز نحر الحسين (ع) فهذا يحتاج إلى درجة من التمرد و التسافل غير متوفرة في عموم الناس .
و لكن أليس تجريد العبادات من المصالح و المفاسد و تعليقهما على الانقياد و الامتثال و التعبد يقتضي القول بأن الرياضات الروحية المبتدعة محققة للغرض أيضا بل ربما تكون أفضل لكونها أشد من التكاليف الشرعية و أصعب؟ بل يقتضي القول بالتعددية الدينية و أن الامتثال لمنظومة من الأوامر يحقق الغرض المطلوب من العبادة؟ في هذا يقول العلامة الطباطبائي (رحمه الله) في "رسالة الولاية" : (( نعم يبقى الكلام في كيفية السير في طريق آية النفس ، وهل بيّنت الشريعة السُبل للوصول إلى هذا المقام السامي أم أهملت ذلك وأوكلت كيفيته إلى السالكين أنفسهم ؟ زعم بعض أنّ كيفية السير من هذا الطريق غير مبيّنة شرعا ، حتى ذكر بعض المصنفين أنّ هذا الطريق في الإسلام كطريق الرهبانية التي ابتدعتها النصارى من غير نزول حكم إلهي به فقبل الله سبحانه ذلك منهم قال سبحانه: (( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا )) قال: فكذلك طريق معرفة النفس غير واردة في الشريعة إلا أنها طريقة إلى الكمال مُرضية. من هنا ربما يوجد عند بعض أهل هذا الطريق وجوه من الرياضات ومسالك مخصوصة لا تكاد توجد أو لا توجد في مطاوي الكتاب والسنة ولم يشاهد في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام). وذلك كله بالبناء على ما مر ذكره وأن المراد هو العبور والوصْل بأي نحو أمكن بعد حفظ الغاية ، وكذلك الطرق المأثورة عن غير المسلمين من متألهي الحكماء وأهل الرياضة كما هو ظاهر لمن راجع كتبهم ، أو الطرق المأثورة عنهم. لكن الحق الذي عليه أهل الحق ، وهو الظاهر من الكتاب والسنة ، أن شريعة الإسلام لا تجوز التوجه إلى غير الله سبحانه للسالك إليه تعالى بوجه من الوجوه ، والاعتصام بغيره سبحانه إلا بطريق أمر بلزومه وأخذه وأن شريعة الإسلام لم تهمل مثقال ذرّة من السعادة والشقاوة إلا بينتها ، ولا شيئا من لوازم السير إلى الله سبحانه يسيرا أو خطيرا إلا أوضحتها ، فلكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت. قال سبحانه: (( ونزلنا علَيكَ الكتابَ تِبْيَاناً لكل شيء )) وقال سبحانه : (( ولَقد ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذَا القرآنِ مِنْ كُلِّ مَثَل لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )) وقال سبحانه: ((قلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ )) وقال سبحانه: (( لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )) والأخبار في هذا المعنى من طريق أهل البيت (عليهم السلام) مستفيضة بل متواترة عن أبي حمزة الثمالي (رحمه الله) عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع فقال : "يا أيها الناس والله ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم من النار ويباعدكم من الجنّة إلا وقد نهيتكم عنه" مما تقدم يظهر أن حظ كلّ امرئ من الكمال بمقدار متابعته للشرع وقد عرفت أنّ هذا الكمال أمر مشكك ذو مراتب ، ونعم ما قال بعض أهل الكمال ، إنّ الميل من متابعة الشرع إلى الرياضات الشاقة فرار من الأشق إلى الأمهل فإن اتباع الشرع قتل مستمر للنفس (الهوى) دائمي ما دامت موجودة ، والرياضة الشاقة قتل دفعي ، وهو أسهل إيثاراً. وبالجملة فالشرع لم يهمل بيان كيفية السير من طريق النفس ))[2] فواضح أن العلامة يرى بأن الشريعة الإسلامية هي الأسرع في الإيصال إلى الكمال بل و الوصول إلى الأكملية محصور في طريقها ، فصلاة الصبح ركعتان قبلهما وضوء إن كان المكلف على حدث أصغر ، ولا يجوز أن يؤتى بدل ذلك بعشرة ركعات مثلا قبلهما غسل مع أن هذا أحمز و أشد ، ولو كان كلام المصوبة صحيحا لما كان ثمة فرق بين الإتيان بصلاة الصبح ركعتين أو عشرة بل تكون العشرة أفضل لأنها أبلغ من تحقيق العبودية و الانقياد ، و لكن السيد العلامة الطباطبائي (رحمه الله) يبين في نهاية كلامه أن الكمال ذو مراتب لا يتحقق أعلاها إلا بالشريعة الإسلامية ، و لكن هل يمكن تحقيق بعض هذه المراتب في غير الشريعة الإسلامية؟ و إذا كان ذلك ممكنا فهل يجب على الإنسان أن يسعى إلى الأكمل أم هل يجوز له أن يكتفي ببعض مراتب الكمال؟ يأتي الجواب على ذلك بأدلة نقلية و عقلية بأن المكلف ملزم بأن يسعى إلى الأكمل دون بعض مراتب الكمال كما أنه مكلف بأصل المسير نحو كماله ، و عليه أن يبذل قصارى جهده لتحقيق هدف خلقته ، نعم جعل الله طرقا أخرى غير الشريعة الإسلامية موصلة إلى أواسط الطريق لكي لا يضيع جهد من عمل وفق اجتهاده من المستضعفين و المجتهدين كما تبين في مبحث المستضعف ، و لكن السائر على هذه الطرق لا يصل إلى الكمال المطلق بل قد لا تزيده كثرة السير إلا بعدا عن القرب الإلهي و هدف الخليقة ، من هنا نجد أن الروايات و الآيات توعدت المعاندين دون المسلمين للحقيقة ممن أخطأ الحق بل قد نستفيد من بعض الآيات و الروايات أن الله تعالى يهدي المسلمين للحقيقة إلى الصواب في نهاية المطاف قال تعالى : (( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر و أنثى ))[3] و قال سبحانه : (( و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ))[4] ، قال العلامة الطباطبائي (رحمه الله) في كتابه "الإنسان و العقيدة" : (( ومن هنا يظهر أن المختص من السعادة بالمنتحل بدين الحق ، إنما هو كمالها وأما مطلق السعادة فغير مختص بالمنتحل بدين الحق ، بل ربما وجد في غير المنتحل أيضا إذا وجد فيه شيء من الانقياد أو فقد شيء من العناد بحسب المرتبة . وهذا هو الذي يحكم به العقل ويظهر من الشرع ، فإنما الشرع يعين حدود ما حكم به العقل ، كما في الحديث المشهور عنه (صلى الله عليه وآله) ، قال : (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) وذلك كما ورد في كسرى وحاتم أنهما غير معذبين لوجود صفتي العدل والجود فيهما . وفي (الخصال) عن الصادق عن أبيه عن جدّه عن عليّ (عليهم السلام) قال : (( إن للجنة ثمانية أبواب : باب يدخل منه النبيُون والصدّيقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا ، فلا أزال واقفا على الصراط أدعو وأقول : رب سلم شيعتي ومُحبي وأنصاريَ ومَن تولاني في دار الدنيا ، فإذا النداء من بُطنان العرش : قد أُجيبت دعوتك وشفعت في شيعتك . ويشفع كل رجل من شيعتي ومَن تولاني ونصرني وحارب مَن حاربني بفعل أو قول في سبعن ألف من جيرانه وأقربائه ، وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد أن لا إله إلا الله ولم يكن في قلبه مثقال ذرة من بغضنا أهل البيت )) وفي "تفسير القمي" مسندا عن ضُريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : جُعلت فداك ما حال الموحدين المقرّين بنبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) من المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم ؟ فقال : (( أما هؤلاء ، فإنهم في حُفرهم لا يخرجون منها . فمَن كان له عمل صالح ، ولم يظهر منه عداوة فإنه يُخد له خدا إلى الجنة التي خلقها الله بالمغرب فيدخل عليه الروحُ في حفرته إلى يوم القيامة حتى يلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته فإما إلى الجنة وإما إلى النار فهؤلاء المُرجَون لأمر الله )) قال : (( وكذلك يفعل بالمستضعفين والبله والأطفال وأولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم وأما النصاب من أهل القبلة ، فإنه يخد لهم خدا إلى النار التي خلقها الله في المشرق فيدخل عليهم اللهب والشرر والدخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة ، ثم بعد ذلك مصيرهم إلى الجحيم )) وفي دعاء كميل المروي عن عليّ (عليه السلام) : (( فباليقين أقطع لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديك وقضيت به من إخلاد معانديك لجعلت النار كلها بردا وسلاماً ، وما كانت لأحد فيها مقرا ولا مقاما ، لكنك تقدَّست أسماؤك أقسمت أن تملأها من الكافرين من الجنة والناس أجمعين وأن تخلد فيها المعاندين )) الدعاء ، وأكثر الآيات القرآنية إنما توعد الذين قامت لهم البيّنة وتمّت عليهم الحجّة وتقيد الكفر بالجحود والعناد ، قال تعالى : (( وَالَذِينَ كَفَرُوا وَكَذبواْ بِآيَاتِنَا أولـئكَ أَصْحَابُ الجَحِيم )) وقال تعالى : (( ليهلك مَنْ هلكَ عَن بينَة ويحيى منْ حي عَن بَينَة )) وبالجملة : فالميزان كل الميزان في السعادة والشقاوة والثواب والعقاب هو سلامة القلب وصفاء النفس ، قال سبحانه : (( يَوْمَ لا ينفعُ مَالٌ ولا بَنُون إِلا مَن أتى الله بِقَلب سليم )) وقال سبحانه : (( يوم تبلى السرائرُ )) وجميع الملل الإلهية تروم في تربية الناس هذا المرام ، وهذا مسلم من سلائقها وما تندب إليها ، وهو الذي يراه الحكماء المتألهون من السابقين وأما شريعة الإسلام ، فأمرها في ذلك أوضح غير أنها ـ كما مرّ في أوار الفصل الثاني ـ تدعو إلى كل سعادة ممكنة إلا أن معرفة الرب من طريق النفس حيث كانت أقرب طريقا وأتمّ نتيجة فإتيانها لها أقوى وآكد ؛ ولذلك ترى الكتاب والسنة يقصدان هذا المقصد ، ويدعوان إلى هذا المدعى بأي لسان أمكن ))[5] و واضح الفرق بين هذا المنهج و المنهج المخالف للنصوص و الذي يقصر دخول الجنة و النجاة من النار على فئة قليلة هي الشيعة فقط أو ربما بعض الشيعة .

[1] راجع لمزيد من التوضيح الدرس 43 من الدروس الصوتية في العدل الإلهي للسيد كمال الحيدري

[2] رسالة الولاية ص37

[3] سورة آل عمران الآية 195

[4] سورة العنكبوت الآية 69

[5] الإنسان و العقيدة نسخة الكترونية

أصل الإنسان بين داروين والعلامة الطباطبائي

بحث شيق جدا للسيد كمال الحيدري (الدرس السادس و الخمسون من دروسه الصوتية حول العدل الإلهي) - يمكن مراجعة التسجيل الصوتي لمزيد من الاستفادة



- تصرح الآيات بأن الله تعالى سخر للإنسان جميع ما في السماوات و الأرض و بالتالي فإن اختلاف الموجودات – غير الإنسان – فإنما اختلافها لتأمين حاجة الإنسان و تمهيد تحقيق الغرض الذي خلق من أجله الإنسان ، و من هنا كان بحثنا في سبب الاختلاف في استعدادات البشر دون غيرهم و قلنا بأنه إذا حلت المسألة في الإنسان فإن حلها في غيره أسهل


· خلق الإنسان من طين

- الطين الذي خلق منه الإنسان – كما هو ظاهر الآيات و صريح الروايات الكثيرة الواردة عن أهل البيت (ع) – هو طين هذه الأرض نفسه كما هو ظاهر المعنى
- الميزان ج16 ص255 تحت عنوان "كلام في كينونة الإنسان الأولى" : (( (كلام في كينونة الانسان الاولى) تقدم في تفسير أول سورة النساء كلام في هذا المعنى وكلامنا هذا كالتكملة له. قدمنا هناك أن الايات القرآنية ظاهرة ظهورا قريبا من الصراحة في أن البشر الموجودين اليوم - ونحن منهم - ينتهون بالتناسل إلى زوج أي رجل وامرأة بعينهما وقد سمى الرجل في القرآن بآدم وهما غير متكونين من أب وأم بل مخلوقان من تراب أو طين أو صلصال أو الأرض على اختلاف تعبيرات القرآن. فهذا هو الذي يفيده الآيات ظهورا معتدا به وإن لم تكن نصة صريحة لا تقبل التأويل ولا المسألة من ضروريات الدين نعم يمكن عد انتهاء النسل الحاضر إلى آدم ضروريا من القرآن وأما أن آدم هذا هل أريد به آدم النوعي )) فلا تستطيع أن تحدد فترة تقول بأن البشرية بدأت عندها و لعل فيما روي من أن قبل آدمكم ألف آدم تأييد في ذلك فيكون النوع غير متناه و إن كانت الأفراد متناهية فكل فرد ينتهي و لكن النوع الإنساني لا ينتهي إلا أن نقول أن الظهور القرآني لا يشير إلى آدم نوعي بل إلى آدم شخصي (( أعنى الطبيعة الإنسانية الفاشية في الأشخاص )) فهذه هي النظرية الأولى في نشأة البشرية و النظرية الثانية هي : (( أو عدة معدودة من الأفراد هم أصول النسب والآباء والأمهات الأولية أو فرد إنساني واحد بالشخص؟ )) بحيث ينتهي كل مجموعة من الناس إلى أبوين مختلفين فمثلا ينتهي السود إلى أبوين غير الأبوين الذين ينتهي إليهما البيض و إلى هذا يشير العلامة الطباطبائي في موضع آخر من الميزان ج4 ص141 : (((كلام في أن النسل الحاضر ينتهي إلى آدم وزوجته) ربما قيل إن اختلاف الالوان في أفراد الانسان وعمدتها البياض كلون أهل النقاط المعتدلة من آسيا واوروبا والسواد كلون أهل إفريقيا الجنوبية والصفرة كلون أهل الصين واليابان والحمرة كلون الهنود الامريكيين يقضي بانتهاء النسل في كل لون إلى غير ما ينتهي إليه نسل اللون الآخر لما في اختلاف الالوان من اختلاف طبيعة الدماء وعلى هذا فالمبادئ الاول لمجموع الافراد لا ينقصون من أربعة أزواج للالوان الاربعة )) و العقل لا ينفي أو يثبت أيا من هذه النظريات و إنما يضعها جميعا في إطار الإمكان ، و ليست هذه النظريات من ضروريات الدين نعم الضروري هو مطلق القول بأن البشر ينتهون إلى آدم ، و هنالك نظرية ثالثةترى أن النسل البشري ينتهي إلى زوج بعينه هما آدم و حواء (( أو فرد إنساني واحد بالشخص )) و هي النظرية الشائعة بين الناس (( وعلى هذا التقدير هل هو فرد من نوع الإنسان تولد من نوع آخر كالقردة مثلا على طريق تطور الأنواع وظهور الأكمل من الكامل والكامل من الناقص وهكذا )) و القول بهذه النظرية لا يقتضي الإلحاد و لذا قيل بأن دارون كان موحدا ، فحتى لو قلنا بأن القرد هو أصل الإنسان فلا بد أن يكون هنالك خالق للقرد و قد ذكر السيد العلامة بأن هذه النظرية واردة و ممكنة إلا أن البحوث العلمية لا تعضدها ، فالقرآن الكريم لم يتعرض عن المصدر الذي جاء منه آدم (ع) (( أو هو فرد من الإنسان كامل بالكمال الفكري )) كآدم النبي (( تولد من زوج من الإنسان غير المجهز بجهاز التعقل فكان مبدأ لظهور النوع الإنساني المجهز بالتعقل القابل للتكليف وانفصاله من النوع غير المجهز بذلك فالبشر الموجودون اليوم نوع كامل من الإنسان ينتهي أفراده إلى الإنسان الأول الكامل الذي يسمى بآدم ، و ينشعب هذا النوع الكامل بالتولد تطورا من نوع آخر من الإنسان ناقص فاقد للتعقل وهو يسير القهقرى في أنواع حيوانية مترتبة حتى ينتهي إلى أبسط الحيوان تجهيزا وأنقصها كمالا وإن أخذنا من هناك سائرين لم نزل ننتقل من ناقص إلى كامل ومن كامل إلى أكمل حتى ننتهي إلى الإنسان غير المجهز بالتعقل ثم إلى الإنسان الكامل كل ذلك في سلسلة نسبية متصلة مؤلفة من آباء وأعقاب. )) ثم يذكر احتمالا رابعا في المقام (( أو أن سلسلة التوالد والتناسل تنقطع بالاتصال بآدم وزوجه )) الكاملين (( وهما متكونان من الأرض من غير تولد من أب وأم )) و هنا احتمالان الأول أن الروح أفيضت على آدم مباشرة و احتمال آخر هو أن أحقابا طويلة مرت على بدن آدم حتى أفيضت عليه الروح كما يمر الجنين في مراحل حتى تبث فيه الروح (( فليس شيء من هذه الصور ضروريا )) بل كلها نظرية ، و كثير من الروايات التي جاءت في هذا المقام دخيلة من أديان أخرى ، ولو توصل أحد إلى نظرية تطور الأنواع – و العياذ بالله – لا يصبح كافرا لأن المسألة قابلة للاجتهاد (( وكيف كان فظاهر الآيات القرآنية هو الصورة الأخيرة وهي انتهاء النسل الحاضر إلى آدم وزوجه المتكونين من الأرض من غير أب وأم. غير أن الآيات لم تبين كيفية خلق آدم من الأرض وأنه هل عملت في خلقه علل وعوامل خارقة للعادة؟ وهل تمت خلقته بتكوين إلهي آني من غير مهل فتبدل الجسد المصنوع من طين بدنا عاديا ذا روح إنساني أو أنه عاد إنسانا تاما كاملا في أزمنة معتد بها يتبدل عليه فيها استعداد بعد استعداد وصورة وشكل بعد صورة وشكل حتى تم الاستعداد فنفخ فيه الروح وبالجملة اجتمعت عليه من العلل والشرائط نظير ما تجتمع على النطفة في الرحم. ومن أوضح الدليل عليه قوله تعالى: "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" آل عمران: 59، فإن الآية نزلت جوابا عن احتجاج النصارى على بنوة عيسى بأنه ولد من غير أب بشرى ولا ولد إلا بوالد فأبوه هو الله سبحانه ، فرد في الاية بما محصله أن صفته كصفة آدم حيث خلقه الله من أديم ))
- واضح أن السيد العلامة يرى بأن البشر ينتهي إلى فرد بعينه و أن هذا الفرد لا ينتهي إلى نوع آخر و إنما خلق آنا و نفخت فيه الروح
- سواء اخترنا أيا من تلك النظريات (الأولى أو الثانية أو الثالثة) و سواء اخترنا في النظرية الثالثة الاحتمال الأول أو الثاني أو الثالث فإنها جميعا تشترك في أن الإنسان خلق من طين الأرض ، و هنا يجب أن نتعرف على خصائص طين الأرض لأن هنالك رابطة بين الطين و الإنسان ، و هذه الرابطة هي منشأ الاستعدادات في الإنسان
- بناء على وجود الارتباط التام بين المقدمات و النتائج و بناء على نظرية الحركة الجوهرية يمكننا تفسير اختلاف القابليات و الاستعدادات من خلال فهم خصائص الطين

· الطين في الروايات
· رواية (1)

- ج9 ص305 بحار الأنوار باب احتجاجات النبي على اليهود ، قال السائل : فأخبرني عن آدم لم سمي آدم ؟ قال (ص) : (( لأنه خلق من طين الأرض و أديمها )) قال : فآدم خلق من الطين كله أو من طين واحد؟ قال : (( بل من الطين كله ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا و كانوا على صورة واحدة )) قال: فلهم في الدنيا مثل ؟ قال: (( التراب فيه أبيض وفيه أخضر وفيه أصفر (أشقر) وفيه أغبر وفيه أحمر وفيه أزرق ، وفيه عذب وفيه ملح وفيه خشن وفيه لين وفيه أصهب، فلذلك صار الناس فيهم لين وفيهم خشن وفيهم أبيض وفيهم أصفر وأحمر وأصهب وأسود على ألوان التراب ))
- بناء على نظرية صدر المتألهين بأن النفس تبدأ مادية (طين و تراب) لا مجردة ، فإذا كان للطين خصائص متعددة يكون للنفس خصائص متعددة أيضا ، و بعبارة علمية تكون الجينات المؤثرة في تحقق الولد و صفاته متعددة ، و في الرواية السابقة يسأل السائل عما إذا خلق آدم من نوع واحد من الطين أو من الطين كله ، و الجواب بين أن خلقه من الطين كله و التنوع في الطين سبب التنوع في الجينات و الاستعدادات و عموما سبب التفاوت بين الناس
- في الرواية السابقة (( و فيه عذب و فيه ملح )) إشارة إلى الماء الممزوج بالطينة التي خلق منها الإنسان ودخالته في تفاوت الاستعدادات
- برهان الرواية السابقة جلي في المباحث الفلسفة و هو أن النفس مادية الحدوث و بالحركة الجوهرية تصبح مجردة
- يعبر السيد العلامة تعبيرا دقيقا يقول بأن عالم المادة مصنع عالم التجرد
- تتحرك المادة في سير معين فتصبح ذات روح ثم تنتهي إلى تجرد تام ، وهذه الحركة في قوس الصعود لا النزول لأن البدء من المادة و الانتهاء بالمجرد بعكس قوس النزول ، والصعود هنا على نحو التجافي لا التبدل فالبدن إذا تصاعد إلى التجرد يبقى محتاجا للطعام و الشراب مثلا (( إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي )) (( ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ))

· رواية (2)

- البحار ج5 ص237 عن أمير المؤمنين عليهم السلام في خبر طويل: قال الله تبارك وتعالى للملائكة: "إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين" قال: وكان ذلك من الله تقدمة في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم ، قال: فاغترف ربنا تبارك وتعالى غرفة بيمينه من الماء العذب - وكلتا يديه يمين - فصلصلها في كفه فجمدت فقال لها: منك أخلق النبيين و المرسلين، وعبادي الصالحين، والأئمة المهتدين، والدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم الدين ولا أبالى ، ولا أسأل عما أفعل وهم يسألون. ثم اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج فصلصلها في كفه فجمدت ثم قال لها: منك أخلق الجبارين والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم ولا أبالي ، ولا أسأل عما أفعل وهم يسألون. قال: وشرط في ذلك البداء فيهم ، ولم يشترط في أصحاب اليمين البداء ، ثم خلط الماءين جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفأهما قدام عرشه وهما سلالة من طين. الخبر
- السجود ليس للبدن و إنما هو لما نفخ في الإنسان من الروح
- لا يخلف الله تعالى وعده في أصحاب الجنة و لكنه قد يخلف وعيده في أصحاب النار (( وشرط في ذلك البداء فيهم ، ولم يشترط في أصحاب اليمين البداء )) فالكثير يخرجون من النار إلى الجنة لأن الله تعالى شرط على نفسه ذلك و يمكنه أن يعكس فيدخل كثيرا من أهل الجنة النار و لكنه كتب على نفسه الرحمة و نرجع هنا إلى مسانخة ذاته لفعل الرحمة ، و لذا شرط البداء في أهل النار لا في أصحاب اليمين

· رواية (3)

- عن أبي جعفر عليه السلام قال: لو علم الناس كيف كان ابتداء الخلق لما اختلف اثنان. فقال: إن الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الخلق قال: كن ماءا عذبا أخلق منك جنتي وأهل طاعتي. وقال: كن ماءا ملحا أجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي، ثم أمرهما فامتزجا، فمن ذلك صار يلد المؤمن كافرا والكافر مؤمنا، ثم أخذ طين آدم من أديم الأرض فعركه عركا شديدا فإذا هم في الذر يدبون، فقال لأصحاب اليمين: إلى الجنة بسلام، وقال لأصحاب النار: إلى النار ولا أبالي، ثم أمر نارا فأسعرت فقال لأصحاب الشمال: ادخلوها، فهابوها وقال لأصحاب اليمين: ادخلوها، فدخلوها: فقال كوني بردا وسلاما فكانت بردا وسلاما ; فقال أصحاب الشمال: يا رب أقلنا . فقال: قد أقلتكم فادخلوها، فذهبوا فهابوها، فثم ثبتت الطاعة والمعصية، فلا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء.
- ((كن ماءا عذبا أخلق منك جنتي وأهل طاعتي )) فيه دليل على أن هذه الأرض إنما وجدت على هذه الصفات لأن الله تعالى أراد لها ذلك لأن هذا هو النظام الأحسن أولا و لأن ذلك اقتضاء تنزلات قوس النزول
- ((أخلق منك ناري وأهل معصيتي )) ليس في قوس النزول جنة ولا نار ولا طاعة ولا معصية ولا سعادة ولا شقاوة و إنما ذلك كله في قوس الصعود

· رواية (4)

- البحار ج11 أيضا الدقاق، عن الكليني، عن علان رفعه قال: أتى أمير المؤمنين يهودي فقال: لم سمي آدم آدم وحواء حواء ؟ قال: إنما سمي آدم آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث جبرئيل عليه السلام وأمره أن يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات: طينة بيضاء وطينة حمراء، طينة غبراء، وطينة سوداء، وذلك من سهلها و حزنها، ثم أمره أن يأتيه بأربع مياه: ماء عذب، وماء ملح، وماء مر، وماء منتن، ثم أمره أن يفرغ الماء في الطين، وأدمه الله بيده فلم يفضل شئ من الطين يحتاج إلى الماء، ولا من الماء شئ يحتاج إلى الطين، فجعل الماء العذب في حلقه، وجعل الماء المالح في عينيه، و جعل الماء المر في أذنيه ، وجعل الماء المنتن في أنفه، وإنما سميت حواء حواء لأنها خلقت من الحيوان. الخبر.
- (( وأدمه الله بيده )) أي يد القدرة ، فالإنسان مشرف لأنه خلق بالصادر الأول و الصادر الأول مخلوق بلا واسطة فالإنسان خلق بلا واسطة لأنه مظهر الصادر الأول و من هنا تكون له الخلافة العظمى في عالم التكوين

· رواية (5)

- ج67 ص87 من البحار : عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق آدم عليه السلام بعث جبرئيل عليه السلام في أول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة فبلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، و أخذ من كل سماء تربة، وقبض قبضة أخرى من الأرض السابعة العليا إلى الارض السابعة القصوى. فأمر الله عز وجل كلمته فأمسك القبضة الأولى بيمينه ، والقبضة الأخرى بشماله ففلق الطين فلقتين، فذرا من الارض ذروا ومن السماوات ذروا، فقال للذي بيمينه: منك الرسل والأنبياء والأوصياء والصديقون المؤمنون والسعداء ومن أريد كرامته، فوجب لهم ما قال كما قال، وقال للذي بشماله: منك الجبارون و المشركون والكافرون والطواغيت ومن أريد هوانه وشقوته، فوجب لهم ما قال كما قال. ثم إن الطينتين خلطتا جميعا، وذلك قول الله عزوجل "إن الله فالق الحب والنوى"
- (( في أول ساعة من يوم الجمعة )) فيه دلالة على أن الطين هو طين الأرض من هذا العالم من هذا الزمان و إلا فقبل نشأتنا لا يوجد جمعة ولا سبت ولا زمان
- (( فبلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء الدنيا )) كيفية بلوغ القبضة من السماء السابعة إلى الدنيا تتضح من خلال ما قدمناه من أن هذه الأرض جعلها الله تعالى ممثلة لكل مراتب الوجود فظهرت فيها خصائص عالم الوجود المختلفة (( و إن من شيء إلا عندنا خزائنه )) فكل الموجودات عندما تنزلت في الأرض كان لها ما يقابلها في عالم العقل و المثال ، و الموجودات في الأرض مختلفة و متفاوتة و ما تمثله في الخزائن أيضا مختلف و متفاوت كمالا و نقصا
- إذا خلق الإنسان من طينة أعلى عليين صار معصوما و إذا خلق من فاضل الطينة صار شيعيا و إذا خلق من طينة سبخة صار منحرفا ، و لكن لماذا يخلق الإنسان من هذه الطينة أو تلك؟! سيأتي بيان ذلك
- الأرض التي هي منشأ آدم و ابن آدم مختلفة الاستعدادات لأنها ممثلة لكل الموجودات في قوس النزول ، و الموجودات في قوس النزول كمالاتها مختلفة ، فالإنسان المعصوم مثلا مخلوق من العذب الفرات الخالص لذا كان استعداده خالصا غير ممزوج بالشرك و النقائص المعنوية

دراسة إحصائية تبين علاقة التدين والإلحاد بالانتحار

دراسة مهمة يجب الاطلاع عليها و بالخصوص الرسم البياني ، تجد نسبة الانتحار عند المسلمين هي الأقل مقارنة بالأديان الآخرى كما تلاحظ ارتفاع النسبة عند الملحدين إلى حدها الأعلى ، يمكن أن نستفيد من هذه الدراسة في مناقشة الآثار السيكولوجيوة والاجتماعية للدين عموما وتفاوتها بتفاوت الدين وعلاقة التدين بالراحة النفسية والإلحاد بالكآبة ، وما إذا كان الإلحاد والتدين حالتين نفسيتين وجدانيتين قلبيتين أم أنهما قناعة عقلية بالدرجة الأولى ، جدير بالذكر أيضا أن الدراسة تذكر الكويت بالاسم و تبين أن نسبة الانتحار فيها 0% .. (تجد الدراسة على الرابط التالي:)
http://www.iasp.info/pdf/papers/Bertolote.pdf

السبت، 16 يوليو 2011

المستضعفون أو الجاهلون القاصرون الذين لم تقم عليهم الحجة

وصف مختصر: في هذه المحاضرات يطرح الأستاذ علي العريان إشكالية تلك الفئة من الناس الذين لم تبلغهم دعوة الأنبياء أو لم يستطيعوا فهمها ووعيها ومنهم العلماء المخالفون للإسلام أو المذهب الحق ، وهل يحكم بكفرهم أم لا؟ وما هو مصيرهم يوم القيامة؟ وغير ذلك من العناوين المرتبطة بهم


http://www.4shared.com/audio/qZvnp3YP/1____.html

http://www.4shared.com/audio/S60iMUHF/2_____.html

http://www.4shared.com/audio/4bX8aTog/3_____.html



محاضرات الأستاذ علي العريان حول إشكالية تعارض مفهوم الفطرة في القرآن مع حرية الإنسان التكوينية

محاضرات الأستاذ علي العريان في حسينية عقيلة الطالبيين (ع) في الكويت بعنوان "حرية العقيدة عند الإمامية" لشهر صفر سنة 2010 وهذه المحاضرات تعد جزء من مجموعة مباحث حول العنوان العام السابق



الفطرة التي فطر الله الناس عليها



وصف مختصر: وفي هذه المحاضرات بحث حول إشكالية الاعتقاد بالفطرة في باب حرية الإنسان التكوينية واختياره ، ويسعى الباحث إلى تعريف جامع مانع للفطرة مستشفا من النصوص الإسلامية وفق مدرسة أهل البيت (ع) ، ثم يفتح نافذة لبحث هذا الموضوع من خلال العلوم الإنسانية كالانثروبولوجيا وعلم الاجتماع ، يجول الباحث في تصريحات العلماء الغربيين مستدلا على وجود الفطرة ، ثم يبين أن الفطرة أمر مغاير للعلم البديهي أو العلم الحضوري ، ثم يناقش إشكاليتين مرتبطتين بمسألة حرية العقيدة في الإسلام و بالتحديد في فتوى علماء الإمامية بوجوب النظر في أصول الدين ، وما ذكره العلامة الطباطبائي من فلسفة للجهاد ، هذه العناوين وغيرها تبحثها المحاضرات الست التالية


http://www.4shared.com/audio/d3zstj0k/1_____.html

http://www.4shared.com/audio/3fzYviC7/2_____.html

http://www.4shared.com/audio/1cFhyzbm/3_____.html

http://www.4shared.com/audio/FoWgirbi/4_____.html

http://www.4shared.com/audio/kes2QeTa/5_____.html

http://www.4shared.com/audio/p0nz3Y1J/6_____.html