الجمعة، 10 أبريل 2015

الإخصاء المقدس



 

"لقد طهرت جسدي ..

على غرار كهنة كاثاروي المخصيين قام مالأخ باستئصال خصيتيه ، ضحى بقدرته الجسدية من أجل قدرة أكثر قيمة ، فبعد أن تخلص من نواقص جنسه وإغراء الجنس المادي ، أصبح مثل أورانوس ، أتيس ، سبوروس والمخصيين العظماء في أسطورة أرثوريان ، كل تحول روحاني يسبقه تحول جسدي ، ذاك كان درس العظماء .." (دان براون: الرمز المفقود ، الفصل 71).

 

لئن اختلف الفلاسفة الإسلاميون في مدى صحة تعريف الفلسفة بأنها "التشبه بالإله بقدر الطاقة الإنسانية" إلا أنهم لا يختلفون في أن الذات الإلهية هي الوجود الجامع لجميع صفات الكمال فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى ، و بالتالي تحدث بعضهم – وخصوصا العرفانيين منهم – عن مفاهيم من قبيل السير للحق في الحق بمعنى الغوص في أسماء الله وصفاته و التخلق بأخلاق الله و التشبه بكمالاته بحيث يصبح الإنسان مثالا له (عبدي أطعني تكن مثلي) ، و بعيدا عما لو كانت تلك الصفات الكمالية هي تصورات للكمالات البشرية أسبغها الإنسان على مفهومه الغامض للإله من قبيل حديث اكسنوفان عن إله الثور أو الثور الإله أو كانت الصفات هي إلهية فعليا ، بعيدا عن هذا النقاش نقول بأنه كلما اتصف الإنسان بالصفات الإلهية من علم و قدرة و سمع و بصر وغيرها كلما كان كاملا ، هذا مع العلم بأن الفلاسفة الإسلاميين متفقون على أن لا شبيه للإله لذلك فالتشبه هاهنا يأتي بمعنى خاص ، والسؤال الذي نريد طرحه هنا: إذا كنا نعلم بأن من صفات الإله الكمالية بأنه (لم يلد ولم يولد) و أنه (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) فهل يكون الزواج و الإنجاب من صفات الكمال البشرية أن أنها صفات نقص؟ للوهلة الأولى يرد على ذهني حديث للسيد كمال الحيدري يقول فيه بأن الكمال يتناسب مع المرتبة الوجودية ، فما يعتبر كمالا بالنسبة إلى مرتبة من مراتب الوجود قد يعد نقصا بالنسبة إلى مرتبة أخرى و مثال ذلك الإنجاب والتناسل فهو كمال بالنسبة إلى الإنسان و لكنه نقص بالنسبة للإله ، و هكذا الكتابة فهي كمال بالنسبة إلى سائر البشر و نقص بالنسبة إلى النبي محمد ، ولعل هذه الإجابة تنسجم مع ما يتبادر إلى الوجدان من أن طبيعة التصميم العضوي للجسم البشري تستلزم أن يتناسل و يتكاثر بل إن ذلك من الأمور التي يدل جسم الإنسان تكوينيا على أن الله تعالى يطلبها منه و يريدها ولذلك فقد خلقه تواقا إلى الجنس يحمل آلته ، و هكذا فقد ذهب الفلاسفة الآخذون بنظرية القانون الطبيعي أو ما يعرف بالعقل العملي سواء القدماء منهم و المحدثون إلى أن التناسل و حفظ النوع البشري من المقاصد المطلوبة أخلاقيا أو دينيا و قد جعلها جون فينيس مثلا – و هو أحد المؤمنين بنظرية القانون الطبيعي – إحدى الأمور الحسنة بذاتها والتي يستقل عقل الإنسان بإدراك حسنها ، ولكن وعلى الضفة الأخرى لم تكن الأديان ولا المذاهب الفلسفية مجمعة و متفقة دائما مع ذلك ، فالموقف الأبرز هاهنا للديانة المسيحية التي رأت بأن المسيح لم يتزوج و لم ينجب الأبناء و أنه كان متبتلا و هكذا يجب أن يكون الرهبان المسيحيون فالتبتل وتجنب الجنس من صفات الكمال التي تجعل الإنسان شبيها بالإله كما تجعله قويا غنيا عن الحاجة الجنسية الملحة والتي تسبب الإذلال والمصائب والمشاغل للإنسان في حياته ، بل إن القرآن كذلك أثنى على النبي يحيى بقوله (وسيدا وحصورا) مما انعكس في كتب الأخلاق الإسلامية التي فصلت و تشعبت في مدى كون الزواج مطلوبا في حد ذاته و يمكن مراجعة كتاب المحجة البيضاء للفيض الكاشاني على سبيل المثال للاطلاع على ذلك ، و بعيدا عن الفلسفة الإسلامية و التصوف الديني فقد دار هذا النقاش كذلك في أوساط أخرى فاليساريون مثلا كانوا في بعض البلاد يتجنبون الزواج و التناسل لاعتبارهم ذلك عائقا للنضال السياسي حيث أن المناضل يضعف و ينشغل بالأسرة والأبناء و يصبح ضعيفا أمام تهديدات السلطة إياه بأبنائه أو زوجه ، و هكذا فقد كان يعرض كثير منهم عن الزواج وتكوين الأسرة لاعتباره ذلك نقطة ضعف للمناضل إن لم تكن نهاية لحياته النضالية ، و أخيرا فقد اعتبرت العديد من الديانات الإخصاء موضوعا أساسيا في ممارساتها مثل جماعة كوبيلي إله الجبال والطبيعة والخصوبة حيث يقوم أتباع هذه الديانة بإخصاء أنفسهم في طقس انجذاب صوفي يقلدون من خلاله أتيس المرافق الخصي للإله كوبيلي ، و كذلك كانت جماعة سكوبتسي السرية في الامبراطورية الروسية تخصي نفسها لحمايتها من الإغواء الجنسي وكذلك كانت تفعل بعض المذاهب المسيحية مثل الفاليسيون والذين كانوا لا يأكلون اللحم حتى يتم إخصاؤهم كما كانوا يقومون بإخصاء ضيوفهم جبرا و ذلك لاعتقادهم بأن ذلك ضروري لنزاهة الإنسان و طهارته وكماله .

الجمعة، 11 يوليو 2014

هل الدين مفيد للمجتمع؟ - بقلم علي العريان

واضح بأن هذا السؤال متأثر – إن لم نقل منبثق – من المذهب البراغماتي النفعي pragmatism & utilitarianism في الفلسفة والذي يحدد صحة الأشياء من خطئها و حقانيتها من كونها باطلة بناء على نتائجها ، كما قد يبرز السؤال السابق كمرحلة تساؤلية لاحقة لمرحلة التساؤل عن صحة الظاهرة الدينية ، فبعض من أنكر الدين واعتبره ظاهرة اجتماعية ثقافية كسائر الظواهر الأخرى عقب نتيجته تلك بالسؤال عن مدى فائدة الدين للمجتمع ، فلسان حاله يقول "هب أن الدين خرافة ، لكن هل هي خرافة مفيدة لمن يعتقد بها أم أنها خرافة مضرة؟ و بالتالي فهل يجب محاربتها و السعي إلى محوها أم يجب تعزيزها أو السكوت عنها؟" وقد يطرح السؤال بطريقة مختلفة بحيث ينصب على حقيقة الارتباط بين التدين و تقدم وتخلف المجتمع ، يبقى القول بأن سؤال الموضوع قد يطرحه المتدين أيضا المؤمن بحقانية الدين منطلقا من كون المصالح التي يسعى الدين إلى تحقيقها ليست محض مصالح دنيوية و بالتالي فقد تتزاحم المصلحة الدنيوية مع الأخروية فيغلب الدين الأخيرة على الأولى و حينئذ يطرح المتدين السؤال بالطريقة التالية: هل الدين يجعل من حياتنا الدنيوية حياة أفضل أم أنه يحقق السعادة الأخروية على حساب الإنقاص من سعادتنا الدنيوية؟
لا شك بأن التحدي الأول الذي يجابه هذا السؤال هو تعريف الدين ، فلا بد من تحديد المقصود من الدين تحديدا دقيقا جامعا مانعا ، بل لا بد من تعيين مصداقه فيما لو كان الإسلام أو المسيحية أو البوذية أو اليهودية أو الهندوسية ، ثم فيما لو كان المذهب الشيعي أم السني أم الإباضي من الإسلام مثلا ، و بالتالي سيتعدد السؤال و يتشعب بتعدد الأديان و المذاهب ، كما ستتعدد الإجابات ولن تكون ثمة إجابة نهائية .
التحدي الثاني الذي يواجه هذا السؤال هو تعدد الفهم والتفسير للدين و تأثر ذلك بمتغيرات الزمان و المكان و التمييز بين الثوابت الدينية و المتغيرات و التفرقة ما بين القواعد الدينية والدين النظري (ما يجب أن يكون) والدين المطبق في الميدان العملي (ما هو كائن) وبين العناوين الأولية والعناوين الثانوية وانعكاس ذلك كله في الإجابة على السؤال.
أما التحدي الثالث فهو البعد التاريخي ، فلو كان السؤال محددا فيما لو كان الدين مفيدا للعالم المعاصر لكانت الإجابة أسهل من إجابة سؤال "ما لو كان الدين مفيدا للعالم على مر العصور والدهور و الأزمة و في مختلف الأمكنة والبلدان" ، فعلاوة على عدم قطعية نقل أغلب الأحداث التاريخية فإن استقراء التاريخ لا يمكنه – مع كونه مهمة مضنية – إلا أن يمنحنا نتائج ظنية وترجيحات لا ترقى إلى مستوى اليقين .
وأما التحدي الرابع فهو تفكيك البحث بين بعده الفردي و بعده الاجتماعي ، فالعقيدة التي تفيد الفرد لا تكون مفيدة للمجتمع بالضرورة و العكس صحيح و بالتالي فإجابة السؤال ستتفاوت بناء على ذلك
وأخيرا ثمة ملاحظة مهمة لا بد أن نشير إليها و هي أن سؤال الموضوع يرد على الحياة الدنيا دون الآخرة ، ففكرة الحياة الأخرى هي من معطيات العقيدة الدينية مما يجعل السؤال لا معنى له إذ أن منطلق السؤال نابع من خارج الدين حيث ينظر إلى الدين كظاهرة اجتماعية وثقافية فيتساءل حينئذ عن مدى كون هذه الظاهرة مفيدة للمجتمع أم مضرة له .
إن هذا البحث ليستحق أن تؤلف فيه رسائل الدكتوراه و لا أعتقد بأنه قد نال نصيبه من التمحيص والتحقيق كما أنه متشعب وعميق وممتد في بعدي المكان والزمان و متداخل مع علوم أخرى عديدة كالهرمينوطيقا والتفسير و فلسفة التاريخ و غيرها.

السبت، 22 فبراير 2014

البعد الفلسفي في رواية "الجحيم" - بقلم علي العريان


 
قرأت لداون براون العديد من أعماله ابتداء بشفرته المثيرة للجدل والتي كانت السبب الرئيس في شهرته ، و روايته الأخرى "ملائكة وشياطين" التي وجدتها أكثر ما قرأت من أعماله إمتاعا ، و روايته الأخيرة "الجحيم" أو الانفيرنو.

يمكن القول – انطلاقا من رؤية قارئ غير متخصص بأدب الرواية – بأن جميع تلك الروايات تضمنت جوانب محددة ومشتركة هي:

1- توصيف الفنون المعمارية التأريخية واللوحات الفنية والأعمال الأدبية توصيفا دقيقا لا يخلو من إشارات مثيرة للدهشة والغرابة أحيانا .
2- الجانب الفلسفي والعلمي
3- الجانب الخيالي والمرتبط دائما بحبكة بوليسية أو جريمة مثيرة ترتبط أحداثها بشفرات ورموز يصعب تفسيرها و يبرع لانغدون – الشخصية الخيالية الثابتة في روايات براون و أستاذ الرموز الدينية في جامعة هارفارد – بتفسيرها .
4- بعض المعلومات الغريبة والمدهشة التي ينثرها دارون في رواياته و يطعمها بها

 

ولعل أكثر ما يشدني شخصيا لقراءة رواياته هو البعد الفلسفي العلمي و المعلومات المدهشة والغريبة التي يذكرها بين الفينة والأخرى ، و لذا أردت أن أدون بعض ما أثار دهشتي من ذلك في روايته الجحيم فأقول:
 
 

ترتبط الرواية ارتباطا وثيقا بقصيدة "الكوميديا الإلهية" للشاعر الإيطالي دانتي أليغييري وتعرضها عرضا شيقا وخصوصا جزء القصيدة الأول وهو ما يعرف بالإنفيرنو أو "الجحيم" ، حيث تبين الرواية مدى الإلهام الذي أوحته الكوميديا الإلهية للأعمال الفنية والأدبية اللاحقة و مدى تأثيرها في نفوس الناس ، وبما أن دانتي شاعر فلورنسي فقد أوغل براون وصفا في الإبداعات الفنية والمعمارية الفلورنسية ، و أضاف إليها توصيف بعض الأعمال المعمارية في إسطنبول لاحقا مثل آيا صوفيا حيث جرت بعض أحداث الرواية الأخيرة.

ينطلق بروان من جحيم دانتي ليتخذ منه معنى رمزيا يبعد عن الجحيم المادي ليدل على الحال المزري الذي سيعيشه الإنسان بسبب الانفجار السكاني العصي على الانضباط والذي عجزت منظمة الصحة العالمية والدول والمنظمات الأخرى عن الحد منه والتحكم به ، وهكذا يربط براون الجانب الأدبي المرتكز على كوميديا دانتي لينتقل إلى البعد الفلسفي في روايته والمتمثل في "الفلسفة ما وراء الإنسانية" وهي فلسفة قائمة على قيام الإنسان بتعديل نفسه ورثيا وجينيا باستعمال وسائل الهندسة الوراثية لكي يجعل من نفسه كائنا منيعا ضد الأمراض بل والموت كما يجعل من نفسه كائنا خارق الذكاء والقدرة ، و ترتبط هذه الفلسفة بالفكرة الدارونية "البقاء للأقوى" ، حيث ستنتج هذه الفلسفة بفضل وسائل التنكولوجيا البيولوجية جيلا جديدا من البشر الخارقين أطلقت عليه اسم "ما بعد البشر" .

استطاع الإنسان في السنوات الماضية أن يطور لقاحات تقيه بعض الأمراض مثل الجدري وشلل الأطفال ، و لكن هذه المناعة لا تورث والتطور الذي ترتئيه الفلسفة ما وراء الإنسانية هو أن تجعل هذه التطويرات قابلة للتوريث كما تجعل نطاقها أوسع ، إنه شيء شبيه بما عرف لدى النازيين بعلم تحسين النسل والذي أرادت من خلاله النازية رفع عدد الأشخاص الحاملين للصفات الجينية الجيدة و تخفيض عدد البشر الحاملين للصفات الجينية الرديئة ، مما أدى بهم إلى بعض الممارسات الفظيعة مثل التعقيم الجماعي .

يسمح الكاتب لخياله بأن يحلق بعيدا ليتصور الآثار الاجتماعية لهذه الفلسفة فيما لو طبقت على أرض الواقع ، فتماما كالعمليات التجميلية ستكون كلفة التعديل الجيني عالية بل وسيحتكر أصحاب رؤوس الأموال هذه التكنولوجيا مما لن يسمح إلا لفئة قليلة من البشر بأن يعدلوا من صفاتهم الجينية التي ستورث لاحقا لأبنائهم وأحفادهم ، فيتفاقم الشرخ الاجتماعي ويظهر نوع جديد من التفرقة الاجتماعية يضاف إلى التمييز العنصري والعرقي والديني وتعزز العبودية و التطهير العرقي .

و التحدي الوحيد الذي يقف عائقا في وجه هذه الرؤية هو الانفجار السكاني السريع و الهائل والذي عجزت جميع الجهود عن الحد منه أو تنظيمه والتحكم فيه ، و يبرع براون في عرض معضلة الانفجار السكاني في العالم بحيث أن عرضه الروائي يولد في نفس القارئ الغير مكترث بهذه المشكلة أو القارئ الذي لم يسبق له أن حمل ذهنه هم التفكير بهذه القضية قلقا حقيقيا بشأنها ، ولذلك يبدأ براون ومن خلال شخصية زوبريست العالم المعتنق والمنظر للفلسفة ما وراء الإنسانية بقلب فكرة حسن المحافظة على النسل البشري وإطالة عمر البشر إلى فكرة نقيضة تماما ، فجهود الأطباء التي ترمي إلى إطالة أعمار البشر بعدما كانت أمرا جيدا ومطلوبا أصبحت أمرا يتناقض مع تقدم البشرية وازدهارها و معينا للوصول إلى "جحيم" التكدس السكاني ، و الإبادة الجماعية التي تعد جريمة من جرائم الإنسانية أصبحت تعتبر أمرا مستحسنا إذا تم بشكل جزئي و معينا في تحقيق الأهداف الحميدة للفلسفة ما وراء الإنسانية ، وبهذا المقياس تعتبر المثلية الجنسية فضيلة و يعتبر موقف الكنيسة من تحديد النسل جريمة و هكذا .

تعتبر شخصية زوبريست - هذه الشخصية التي خلقها خيال دان براون وجعلها العالم الذكي البارع و الذي يحاول إنقاذ العالم من مشكلة الانفجار السكاني والمهووس بجحيم دانتي و الذي أطلق على حالة ذروة المشكلة السكانية مسمى الجحيم حيث يمتلئ العالم بالنفايات والتلوث و الأمراض و نقص الغذاء مما يؤدي إلى انقراض النوع البشري قبل تمكنه من تطبيق أهداف ما وراء الإنسانية - تعتبر هذه الشخصية محور الركن الفلسفي لرواية براون ، فهذا الشخص بعد قيامه بابتكار وباء سريع الانتقال يتسبب بالعقم الدائم لثلث من يصيبهم من البشر كحل إنساني بديل عن الإبادة لمشكلة الانفجار السكاني ، هذا الشخص نفسه ينتحر تماما معتبرا الانتحار عملا مقدسا بذات المقياس المذكور ، و هو يؤكد بأن العالم سيذكره لاحقا على أنه بطل استطاع أن يحدد اللحظة التي اختار فيها الجنس البشري البقاء ، كان زوبريست يشبه العالم بأنه كسفينة يتضاعف عدد ركابها فيما يحاول أحدهم يائسا أن يصنع قارب نجاة قبل أن تغرق السفينة بسبب الوزن الزائد على متنها ، مقترحا إلقاء نصف عدد الركاب في البحر بدل الهلاك الجمعي .
يدهشنا دان براون كعادته بسعة اطلاعه ، فهو يذكر في خضم روايته اسم الفيلسوف الما وراء إنساني الإيراني فريدون اسفاندياري والذي غير اسمه لاحقا إلى FM-2030 والذي كتب كتابه "هل أنت ما وراء إنساني؟" ونشره سنة 1989 ، و قد تنبأ هذا الفيلسوف الإيراني بعدة نبوءات صادقة كتنبؤه بعمليات طفل الأنبوب و العولمة و الهندسة الجينية ، و يعتبر هذا الفيلسوف المولود سنة 1930 مؤسس هذه الفلسفة و لموته وتغيير اسمه تفاصيل شيقة قد نعرض لها في مقال آخر.

لا شك بأن انفيرنو براون تفتح لقارئها أفقا جديدا من التفكير وتثري خزينته الفكرية بأطروحات جديدة لعل غالبنا لم يكن قد سمع أو اهتم بها من قبل.

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

فيديو- أم إيرانية تصفح عن قاتل ابنها لكي لا يقتل أمام والدته كما نحر الحسين أمام أخته زينب (ع) في كربلاء

 


كذب الموت فالحسين مخلد .. ولم يكذب الشاعر في ما قال .. فلا زالت واقعة كربلاء حاضرة في وجدان الإنسان و ستبقى ما بقي الدهر تلهم النفوس الصفح والعفو والإحسان .. هذه الأم الإيرانية لم تتحمل رؤية ابن يقتل أمام ناظر والديه ، و تذكرت مأساة زينب بنت علي بن أبي طالب (ع) أخت الحسين الشهيد (ع) التي رأت الشمر يحتز نحر أخيها أمام عينيها وأمام أعين أطفاله وحريمه ، لم يهن على هذه الأم الإيرانية أن تشاهد مجرما يقتل أمام ناظري والدته وأين هو من الحسين سيد شباب أهل الجنة (ع) .. فعفت عن المجرم من أجل زينب فقط ، من أجل الأخت التي تحطم فؤادها وهي ترى نحر أخيها يرفع على الرماح ، فالسلام على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا
 
 

الأربعاء، 28 أغسطس 2013

المتطرف الراديكالي .. "ياهل عود" - بقلم علي العريان


 
 

حينما كنت أدرس علم النفس في الكلية الملكية للجراحين في دبلن لفت نظري الأستاذ بمثال لطيف حينما قال: إذا طلب الطفل من الكبير حلوى مخبأة في إناء موجود في الغرفة و عجز الكبير عن إدراك مراد الطفل فسيغضب الطفل ويبكي وذلك لأن الأطفال في بدايات أعمارهم يعيشون حالة تعرف بالتمركز حول الذات Ergocentrism حيث يفترضون بأن الآخرين يعلمون كل ما يعلمونه هم وأن من يختلف معهم في الرأي مخطئ أو عنيد لا يريد أن يلبي طلباتهم.

لقد أجرى عالم النفس Piaget دراسات تجريبية لدراسة تطور النمو النفسي لدى الأطفال وأثبت من خلالها بأن الأطفال دون السابعة غير قادرين على استيعاب وجود وجهات نظر أخرى تخالف وجه نظرهم أو رأي آخر ، ليس على المستوى المعرفي فحسب بل على المستوى الأخلاقي أيضا ، فلو قمت بكسر لعبة طفل فهو لن يغفر لك أبدا لأنه عاجز عن إدراك عدم تعمدك القيام بذلك.

لا تهمني تفاصيل حالة التمركز حول الذات بقدر ما أثار فضولي ذلك التشابه الوثيق بين تفكير أصدقائي المتطرفين الراديكاليين – على المستوى العقدي والفكري والفلسفي لا السياسي والاجتماعي – و بين التفكير الطفولي غير المتطور ، فأحيانا قد أختلف مع الكثيرين لكنني أبقى قادرا على أن أضع نفسي في موضعهم لأرى الأمور من الزاوية التي يرونها من خلالها فأتلمس الدوافع – الفكرية و البيئية – التي جعلتهم يعتنقون هذا الرأي أو ذاك – حتى لو كنت أعتقد بفساد رأيهم وبطلانه – بل قد ألتمس لهم العذر أحيانا وأقول بأنني لو كنت قد مررت في ظروفهم لربما كان قولي كقولهم ، ولكن بعض المفكرين الراديكاليين – لا كلهم – عاجزون عن ذلك مما يسم أسلوبهم في التفكير بسمات منها:

-        أن المفكر الراديكالي يفترض انعدام احتمال وجود الخطأ البشري في نتائج أفكاره بعضها أو كلها ، و يفترض انعدام احتمال صحة أفكار خصومه ، و كنتيجة مباشرة فإنه لا يتسامح مع الخصوم

-        المفكر الراديكالي يعتقد بأن من يخالفه في الفكر أو العقيدة إما مكابر أو معاند أو جاهل مقصر في البحث والتمحيص ، و كنتيجة لذلك فهو يواجهه بالعصبية والكراهية ويتخذ ذلك سببا لشرعنة العنف اتجاهه

-        المفكر الراديكالي يدعي أنه يستطيع أن يحكم على العلم بمطابقة الواقع أو مخالفته ، وهذه المسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل محله علم المنطق ونظرية المعرفة ، فالجاهل قد يكون جاهلا و لكنه عالم بجهله ، و قد يكون جاهلا مركبا بحيث أنه يجهل الشيء و لكنه يعتقد بأنه عالم به كما في حالة من يعتقد بأن لله ولدا ، فاعتقاده باطل و لكنه متيقن بأنه عالم بهذه المسألة فهذا جاهل مركب ، وما يحصل للراديكالي هو أنه يعتقد بأن الله اصطفاه فجعله قادرا على الحكم بأن أفكاره مطابقة للواقع وأفكار الآخرين مخالفة للواقع فهو "يعلم و يعلم بأنه يعلم" و هذا العلم الثاني في الحقيقة غير متيسر للإنسان العادي غير المعصوم و ذلك لأنه نوع من الألوهية و الهيمنة ومقام حاكم على مقام العقل وأسمى منه.

-        المفكر الراديكالي يتجاهل التفاوت بين الناس في مستوى الذكاء و الفطنة و في الظروف الاجتماعية والمعيشية المهيئة للبحث و التعلم ويفترض بأن الجميع قادر على إدراك ما يعتقده هو من حقائق.

-        المفكر الراديكالي يفترض بأن كل من بحث و اجتهد في بحثه بصدق نية فإنه سيتوصل إلى الحقيقة المطلقة التي توصل هو إليها.

-        المفكر الراديكالي يظهر دائما بمظهر صاحب الاعتقاد الصلب و اليقين الذي لا يهتز ، و يتعامل مع الآخرين باستعلائية فكرية ، فهو لا يناقش ليتعلم من الآخرين ويعلمهم فتتطور الأفكار ، و إنما هو يملي على الآخرين ما يجب أن يعتقدوه و يحدثهم من أعلى ربوة عالية بينما دورهم يقتصر على الجلوس دونه وتقلي ما يقول والإيمان به .

 

فكم هو طفولي هذا النوع من التفكير .. وإنني لمتردد بين أن أصفه بالطفولة المتأخرة أو المرض النفسي أو الرذيلة الأخلاقية .

الجمعة، 16 أغسطس 2013

عن الانتقاد العلني للمقدسات والثوابت .. على هامش الخلاف الشيعي والمذهبي - بقلم علي العريان



 
على هامش الخلاف الشيعي والمذهبي: الأخبارية ، الشيخية ، المشروطة ، فضل الله ، الحيدري ياسر الحبيب وغيرهم
 

كلما انبرى شخص ليطلق حملة انتقاد علنية لمقدسات دين أو مذهب سواء كانت تلك المقدسات عقائد أو مفاهيم أو أشخاصا بأعينهم ، كلما سمعنا بعض الردود الشكلية غير المتعلقة بالموضوع والمضمون بل بالقالب ، وقولي بأنها ردود شكلية لا يعني أنها غير أساسية أو هامشية بل يعني أنها ردود لا ترتبط بأصل المطلب من حيث حقانيتة أو بطلانه ، و من أمثلتها انتقاد توقيت الطرح باعتبار أن الظروف غير مناسبة ، وانتقاد أسلوب الطرح باعتباره حادا و غير ملتزم بآداب النقد العلمي ، و فيما يلي سأحاول عرض وجهتي النظر لأترك للقارئ الكريم الانتصار لإحداهما ..

فمن أهم الانتقادات الشكلية ما يبتني منها على التمييز بين الخطاب العلني الإعلامي الموجه إلى كافة المجتمع بما فيه من طبقات متنوعة في الوعي والهدف والغاية و المستوى العلمي والثقافي و الخلفية العقدية والاجتماعية والبيئية ، و بما فيه من اختلاف في الجمهور ما بين محايد يتقصى الحقيقة و عدو يتصيد في المياه العكرة ومؤمن قد يصاب بالقلق والشك والحيرة ومؤمن آخر قد ينقلب من مؤيد محب للمتحدث إلى عدو يجرح فيه .

ولا ينفك عما سبق كله التوظيف السياسي للأطروحات العلمية المرتبطة بالخلاف ما بين الملل والنحل – خصوصا في ظل الصراع الطائفي الدموي غير المسبوق الذي يشهده الشرق الأوسط اليوم – ، فيرى هذا الفريق أنه من السذاجة القول بأن طرح المسائل العلمية علنا من شأنه أن يظهر الحقيقة و ينمي مستوى الوعي العام وأنه دائما يصب في المنفعة دون المضرة أو أن منفعته تفوق مضرته دائما .

ومن أهم الانتقادات التي يواجه بها النقاد هو أنهم يشقون الصف ويعبثون بوحدة المجتمع أو الحزب أو وحدة أبناء الدين أو المذهب أو الوطن ، كما يواجهون دائما بحملة توهين لمستوياتهم العلمية في مقابل المستوى العلمي للشخص موضع النقد ، وسلب حق النقاد في الانتقاد باعتبارهم لم يبلغوا المبلغ الكافي من العلم الذي يؤهلهم لانتقاد الشخص المقدس أو الفكرة المقدسة ، كما يواجهون بأن قوة ووحدة القيادة – السياسية أو الدينية غالبا – يجب أن لا توهن بالتشكيك و طرح الإشكالات حتى لو كانت تلك الإشكاليات جدية و تتمتع بالمصداقية .

في المقابل يرى آخرون بأن ضحية ذلك هي الحقيقة و شفافية البحث العلمي ، فمن لا يقبل هذه الإشكاليات الشكلية قد يقول بأن المذاهب كل المذاهب و التيارات الفكرية كلها لم تتكون و لم تتشكل - تأريخيا - إلا إثر طرح علني للمشاكل العلمية على الجمهور أي العوام – بحسب تعبير رجال الدين – ، و لو أخذنا البيت الشيعي مثالا فالفتنة التي وقعت بين الشيخية و خصومهم و الأخبارية و خصومهم و فتنة المشروطة كلها اتسمت بطرح الخلافيات التخصصية على الجمهور غير المتخصص مما انتهى بالجمهور لأن يتعصب إلى هذا الطرف أو ذاك و كان رجال الدين المتخصصون الذين يصرون على طرح تلك الأطروحات على العامة يعتقدون بأن تحشيد العوام كان مطلوبا وراجحا بغض النظر عن كل السلبيات التي تترتب عليه و التي كان منها قتل الشيخ فضل الله النوري و قتل الأخباري و قتل السيد الرشتي و اقتتال الشيعة في كربلاء و شق الصف الشيعي الذي بقيت آثاره إلى يومنا الحاضر بحيث أصبحت هذه الحوادث التاريخية هي ما يرسم مكونات البيت الشيعي من أصولية و أخبارية و شيخية وغيرها ، و على المستوى الأوسع يمكننا تلمس الأمر ذاته على مستوى المذاهب الإسلامية و على مستوى الملل و النحل و الأيدولوجيات و المذاهب الفكرية جميعها ، فكلها تبدأ كمسائل فلسفية وفقهية عميقة لا يفهم واقعها إلا المتخصصون و تنتهي بتحشيد العامة و الشارع لكي ترسم في النهاية خريطة الواقع الاجتماعي العقدية ، وما نشهده اليوم ليس إلا احتذاء لسنن الأمم السابقة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة .

ومن الردود التي قد يسوقها من يعترض على الانتقادات الشكلية أن السياسة دائما و أبدا تستغل البحث العلمي و تمتص دماء الدين ، ولو اتخذنا التوقيت عذرا لأوصدنا باب البحث العلمي العلني إلى الأبد .

وأن تعدد الفهم للنص الواحد والخطاب الواحد بتعدد أفهام المتلقين هو مشكلة دائمة و أبدية لا تقتصر على العوام بل تمتد إلى النخب وتزداد تعقيدا مع زيادة الابتعاد الزمني عن وقت صدور النص ، فلا ينبغي أن يكون ذلك أيضا مانعا من الطرح العلني للإشكاليات العلمية المختلف عليها .

كما قد يقول هذا الفريق بأن طرح المطالب العلمية في الكتب و بين أسوار الصروح العلمية كالأكاديميات والحوزات لا ينتج أثره العالمي في نشر المطلب و الإشكال و لا يثير النقاش والأخذ والرد عليه و ينقحه وينضجه بمقدار ما يتأتى من الطرح العلني وعبر وسائل معينة مثل الفضائيات ، فقد أثبتت العولمة الحديثة أن الطرح العلني في حد ذاته يتفاوت من حيث التأثير و إثارة الضجة و التحشيد فلا يقارن المكتوب بالمقروء و لا يقارن المرئي بالمسموع بل و تتفاوت المرئيات بين ما ينشر في الشبكة العنكبوتية و ما ينشر في الفضائيات و غيرها ، مما يزيد إشكاليتنا تعقيدا .
 
وقد يستدل هذا الفريق بنتائج علم النفس الحديث حيث تبين أن المجتمعات تتطور في مستوى ذكائها الجمعي فيما يعرف بظاهرة فلين Flynn effect و العلماء - وخصوصا علماء الدين - قد يختارون أن يثيروا الإشكاليات الغريبة على المجتمع مما يسهم في هذا التطور الاجتماعي و قد يختار بعضهم أن يحافظ على السائد و الرائج من العقائد خشية تشكيك المجتمع بعقيدته .

وأخيرا قد يستشهد هؤلاء بالأسلوب المتبع في الدول الغربية الليبرالية إذ أن الفضاء هنالك مفتوح دون أن يؤدي ذلك إلى انعدام وجود دين أو مذهب أو تيار فكري إلا تلك التي لا تستطيع أن تدافع عن كيانها فيكون انهيارها مؤشرا على بطلانها فعدم قدرتها على مقاومة الهجوم الفكري يجعلها جديرة بالاندثار والاندحار .

 

وإلى هنا أترك لنفسي و للقارئ أن يضيف أو ينقح مما كتبت و ينتقي أي التوجهين يختار .. والحمد لله رب العالمين .

 

الجمعة، 25 يناير 2013

الفرق بين العدل والمساواة

 
يطلق العدل و يراد به عدة معان ، ويقع الكثيرون في مغالطة اعتبار العدل مرادفا للمساواة ولا يتنبهون إلى أن العدل هو رعاية الاستحقاق والاستعداد خلافا للمساواة التي تتعامل مع المتغايرات معاملة متماثلة و تتخذ من الجميع مسافات متساوية ، العدل ليس هو المساواة فقد تكون المساواة عدالة أحيانا و قد لا تكون كما هو الغالب ، هذه المعاني الفلسفية اللطيفة عبر عنها أحد الرسامين المصريين بشكل مبسط ولطيف.