الجمعة، 10 أبريل 2015

الإخصاء المقدس



 

"لقد طهرت جسدي ..

على غرار كهنة كاثاروي المخصيين قام مالأخ باستئصال خصيتيه ، ضحى بقدرته الجسدية من أجل قدرة أكثر قيمة ، فبعد أن تخلص من نواقص جنسه وإغراء الجنس المادي ، أصبح مثل أورانوس ، أتيس ، سبوروس والمخصيين العظماء في أسطورة أرثوريان ، كل تحول روحاني يسبقه تحول جسدي ، ذاك كان درس العظماء .." (دان براون: الرمز المفقود ، الفصل 71).

 

لئن اختلف الفلاسفة الإسلاميون في مدى صحة تعريف الفلسفة بأنها "التشبه بالإله بقدر الطاقة الإنسانية" إلا أنهم لا يختلفون في أن الذات الإلهية هي الوجود الجامع لجميع صفات الكمال فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى ، و بالتالي تحدث بعضهم – وخصوصا العرفانيين منهم – عن مفاهيم من قبيل السير للحق في الحق بمعنى الغوص في أسماء الله وصفاته و التخلق بأخلاق الله و التشبه بكمالاته بحيث يصبح الإنسان مثالا له (عبدي أطعني تكن مثلي) ، و بعيدا عما لو كانت تلك الصفات الكمالية هي تصورات للكمالات البشرية أسبغها الإنسان على مفهومه الغامض للإله من قبيل حديث اكسنوفان عن إله الثور أو الثور الإله أو كانت الصفات هي إلهية فعليا ، بعيدا عن هذا النقاش نقول بأنه كلما اتصف الإنسان بالصفات الإلهية من علم و قدرة و سمع و بصر وغيرها كلما كان كاملا ، هذا مع العلم بأن الفلاسفة الإسلاميين متفقون على أن لا شبيه للإله لذلك فالتشبه هاهنا يأتي بمعنى خاص ، والسؤال الذي نريد طرحه هنا: إذا كنا نعلم بأن من صفات الإله الكمالية بأنه (لم يلد ولم يولد) و أنه (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) فهل يكون الزواج و الإنجاب من صفات الكمال البشرية أن أنها صفات نقص؟ للوهلة الأولى يرد على ذهني حديث للسيد كمال الحيدري يقول فيه بأن الكمال يتناسب مع المرتبة الوجودية ، فما يعتبر كمالا بالنسبة إلى مرتبة من مراتب الوجود قد يعد نقصا بالنسبة إلى مرتبة أخرى و مثال ذلك الإنجاب والتناسل فهو كمال بالنسبة إلى الإنسان و لكنه نقص بالنسبة للإله ، و هكذا الكتابة فهي كمال بالنسبة إلى سائر البشر و نقص بالنسبة إلى النبي محمد ، ولعل هذه الإجابة تنسجم مع ما يتبادر إلى الوجدان من أن طبيعة التصميم العضوي للجسم البشري تستلزم أن يتناسل و يتكاثر بل إن ذلك من الأمور التي يدل جسم الإنسان تكوينيا على أن الله تعالى يطلبها منه و يريدها ولذلك فقد خلقه تواقا إلى الجنس يحمل آلته ، و هكذا فقد ذهب الفلاسفة الآخذون بنظرية القانون الطبيعي أو ما يعرف بالعقل العملي سواء القدماء منهم و المحدثون إلى أن التناسل و حفظ النوع البشري من المقاصد المطلوبة أخلاقيا أو دينيا و قد جعلها جون فينيس مثلا – و هو أحد المؤمنين بنظرية القانون الطبيعي – إحدى الأمور الحسنة بذاتها والتي يستقل عقل الإنسان بإدراك حسنها ، ولكن وعلى الضفة الأخرى لم تكن الأديان ولا المذاهب الفلسفية مجمعة و متفقة دائما مع ذلك ، فالموقف الأبرز هاهنا للديانة المسيحية التي رأت بأن المسيح لم يتزوج و لم ينجب الأبناء و أنه كان متبتلا و هكذا يجب أن يكون الرهبان المسيحيون فالتبتل وتجنب الجنس من صفات الكمال التي تجعل الإنسان شبيها بالإله كما تجعله قويا غنيا عن الحاجة الجنسية الملحة والتي تسبب الإذلال والمصائب والمشاغل للإنسان في حياته ، بل إن القرآن كذلك أثنى على النبي يحيى بقوله (وسيدا وحصورا) مما انعكس في كتب الأخلاق الإسلامية التي فصلت و تشعبت في مدى كون الزواج مطلوبا في حد ذاته و يمكن مراجعة كتاب المحجة البيضاء للفيض الكاشاني على سبيل المثال للاطلاع على ذلك ، و بعيدا عن الفلسفة الإسلامية و التصوف الديني فقد دار هذا النقاش كذلك في أوساط أخرى فاليساريون مثلا كانوا في بعض البلاد يتجنبون الزواج و التناسل لاعتبارهم ذلك عائقا للنضال السياسي حيث أن المناضل يضعف و ينشغل بالأسرة والأبناء و يصبح ضعيفا أمام تهديدات السلطة إياه بأبنائه أو زوجه ، و هكذا فقد كان يعرض كثير منهم عن الزواج وتكوين الأسرة لاعتباره ذلك نقطة ضعف للمناضل إن لم تكن نهاية لحياته النضالية ، و أخيرا فقد اعتبرت العديد من الديانات الإخصاء موضوعا أساسيا في ممارساتها مثل جماعة كوبيلي إله الجبال والطبيعة والخصوبة حيث يقوم أتباع هذه الديانة بإخصاء أنفسهم في طقس انجذاب صوفي يقلدون من خلاله أتيس المرافق الخصي للإله كوبيلي ، و كذلك كانت جماعة سكوبتسي السرية في الامبراطورية الروسية تخصي نفسها لحمايتها من الإغواء الجنسي وكذلك كانت تفعل بعض المذاهب المسيحية مثل الفاليسيون والذين كانوا لا يأكلون اللحم حتى يتم إخصاؤهم كما كانوا يقومون بإخصاء ضيوفهم جبرا و ذلك لاعتقادهم بأن ذلك ضروري لنزاهة الإنسان و طهارته وكماله .