الجمعة، 14 أكتوبر 2011

مناهجنا التكفيرية .. داوها بالذي كان هو الداء

المعالجة المثلية Homeopathy طريقة من العلاج البديل قائمة على مبدأ معالجة المرض بإعطاء المريض جرعة من مسبب المرض like treats like كإعطائه بكتيريا مخففة ، أثبت العلم أن المعالجة المثلية ليست سوى خرافة لا زال الغربيون والشرقيون على حد سواء يمارسونها.

لا تلمني فإن اللوم إغراء .. وداوني بالتي كانت هي الداء

بيت شعر يقال بأن قائله مثلي الجنس – قياسا على المعالجة المثلية – وصار بيته قانونا في عالم المحبين والعشاق ، إلا أنه ثبت أيضا أن قوانين الحب تناقض قوانين العلم والعقل في كثير من الأحيان .

على الرغم من هذا وذاك لا زالت حكومتنا – الرشيدة – تريد أن تنقح مناهجنا من التكفير ومجتمعنا من التطرف وتنشر ثقافة الوسطية والاعتدال ، فتضع الميزانيات الضخمة في الإعلام والأوقاف والتربية ثم تجعل القائمين على هذه البرامج من أمثال الشيخ الفاضل عميد كلية الشريعة الحالي مبارك الهاجري الذي ظهر لنا في "الأنباء" في الثاني عشر من أكتوبر 2011 ليقول بأن (( من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )) حديث غير صحيح ، وهو الحديث الذي أنفق البعض آلاف الدنانير لطباعته في ملصقات تملأ جميع مرافق الدولة كجزء من الصراع الطائفي القائم في البلد مؤخرا ، وجاء تصريح أستاذ الحديث الهاجري صدمة لمن طبع آلاف النسخ ونشرها وصدمة لبعض النواب الذين اتهموا لجنة تعديل المناهج بالتآمر ضد الصحابة ، جاء تصريح الهاجري فاعتقد من اقتصر على قراءة المانشيت بأنها نفحة وسطية من أثر بعض الملايين التي تنفقها الدولة ، لكن الهاجري أبى إلا أن يسود التطرف إذ قال (( من الواضح أن من قال هذا الكلام لم يطلع على كتاب الصف السابع ففيه ما يدل على تكفير من يغتاظ من أصحاب النبي – ص – ويسبهم ويكرههم كما في صفحة 180 التعديل )) ، والتكفير لمن لا يعرف معناه هو استباحة الدم والمال والعرض ، فلتوفر حكومتنا ملايين وسطيتها ولنفتخر بمناهجنا التكفيرية ، ولننس بأن الكويت دولة تتعدد فيها الأديان والمذاهب ولنستمر في تخلفنا فما لذة العيش إلا للمجانين .

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

تغطية جريدة الوطن لندوة في حسينية الأوحد بعنوان (تأملات في الرسالة الإنسانية) ألقاها الأستاذ علي العريان

كتب عباس دشتي: 

في ندوة حسينية الشيخ الاوحد في المنصورية بعنوان «تأملات في الرسالة الإنسانية» تحدث المحاضر علي العريان عن كتاب «رسالة الانسانية» للمرجع الكويتي الراحل العبدالله الحاج الميرزا حسن الحائري، مشيرا الى اهمية توفر مجموعة من المقدمات لتحليل كتاب ما، كوجود حصيلة معرفية في المجال العلمي الذي يبحثه الكتاب واطلاع على التراث العلمي بشكل عام لصاحب الكتاب، وتطرق العريان الى شخصية الراحل الميرزا حسن الحائري وعطاءاته في سبيل الانسانية والاسلام والمجتمع خصوصا في الكويت مبينا ان الوطنية ليست كلمات يتغنى بها وانما هي فعل وعطاء، وقد تمثلت وطنية الراحل الميرزا حسن الاحقاقي في اعلائه اسم الكويت على بعض مشاريعه الخيرية خارج الكويت اضافة الى تبرعه ببناء مركز الاحقاقي الصحي في منطقة الدعية وكفالته لمئات اليتامى والمشاريع الخيرية في كافة ارجاء العالم، وتطرق العريان الى بعض فقرات الكتاب من مرتكزاته العميقة التي ترتكز عليها بعض عباراته التي قد تبدو للوهلة الاولى بانها عبارات عفوية ادبية عادية بينما تحمل بين طياتها معالم مدرسة فكرية ذات جذور ضاربة في الفكر العقدي الاسلامي، حيث ابتدأ ببيان معالم مدرسة مؤلف الكتاب والتي تجمع بين العقل والنقل والنص اضافة الى تزكية النفس والمعرفة القلبية التي يعدها المؤلف ارقى انواع المعارف الالهية.
وشرح بعض عبارات الكتاب – بأن منهجية الامام المصلح الميرزا حسن الاحقاقي (رحمه الله) تأخذ بحجية العقل الا انها ترى بانه لا يوصل الا الى مقدار معين من المعرفة ليضع الانسان على مشارف المعرفة القلبية التي عبر عنها بالحديث القدسي «ما وسعني ارضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن».
ثم عرج على شرح بعض المرتكزات المعرفية لكتاب رسالة الانسانية وبين ان مدرسة الشيخ احمد بن زين الدين الاحسائي الملقب بالاوحد (رحمه الله) ترى ان معرفة ذات الله تعالى مستحيلة على العقل البشري وانما تكون المعرفة من خلال التأمل في الآفاق والانفس والاستدلال بالاثر في المؤثر، اذ ان الاثر يدل على المؤثر دلالة اشارة فقط لا دلالة كشف عن حقيقة المؤثر وذاته، وهذا موضوع شائك وخلافي في العلوم العقلية الاسلامية وموضع جدل بين المدارس الاسلامية المختلفة.


السبت، 1 أكتوبر 2011

قصة نبي الله يونس (ع) والتسامح الديني - خطبة الجمعة للأستاذ علي العريان في جامع الإمام الصادق (ع) - الكويت بتاريخ 30-9-11


كثير منا سمع قصة نبي الله يونس (ع) مع قومه منذ أيام الطفولة الباكرة إلا أن قليلا منا التفت إلى الرسالة السمحة العظيمة التي توصلها إلينا هذه القصة ، فالنبي يونس (ع) بعدما دعا أهل نينوى إلى الطريق القويم ردحا من الزمن استشار اثنين من قومه في أن يدعو على قومه أحدهما عالم والآخر عابد ، فأشار عليه العالم بأن لا يدعو عليهم وأن يصبر على دعوتهم إذ أن الله تعالى لا يرد دعاء أنبيائه وفي الوقت ذاته لا يحب هلاك عباده وإن كانوا كفارا ، ولكن يونس (ع) أخذ بقول العابد الذي نصحه بأن يدعو على قومه ، فأوحى الله تعالى إليه وقت حلول العذاب مما جعل يونس والعابد يخرجان من القرية قبل حلوله بينما بقي العابد يدعو قوم يونس ليؤمنوا بنبيهم (ع) ، ولما لاحت لهم بوادر العذاب أناب قوم يونس وتابوا فصرف الله تعالى عنهم العذاب وكان عددهم يفوق المائة ألف ، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى (( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قومَ يونسَ لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين )) وبعد برهة من الزمن رجع يونس ليرى ما حل بقومه وإذا بالعمال على رؤوس أعمالهم و الزارعين يزرعون فاستغرب وسأل عن سبب عدم هلاكهم وعرف توبتهم فذهب إلى ساحل البحر غاضبا وهو ما أشارت إليه الآية (( وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه )) إذ رأى سفينة مشحونة تستعد للرحيل وركبها و حصل ما حصل إذ هاجمهم الحوت وكادوا يغرقون مما اضطرهم إلى إلقاء يونس ليلتهمه الحوت ويسجن في الظلمات ((فنادى في الظلمات )) ظلمة الليل وظلمة قاع البحر وظلمة بطن الحوت (( أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )) ولولا أنه كان من المسبحين للبث في بطن الحوت سنين إلا أن الله تعالى نجاه (( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين )) فألقى به الحوت على الساحل وحصلت هنالك حادثتان تنقلهما كتب الحديث وقصص الأنبياء ، الحادثة الأولى هي أن الله تعالى أنبت له نبتة اليقطين يأكل من ثمرها و يستظل بها حيث أنه كان منهك القوى قد تساقط شعره ورق جلده ، وحينما قوي يونس واشتد أوحى الله تعالى إلى دود ليلتهم الشجرة "فأكلت أسفل القرع فذبلت القرعة ثم يبست فشق ذلك على يونس فظل حزينا فأوحى الله إليه مالك حزينا يا يونس؟ قال يا رب هذه الشجرة التي كانت تنفعني سلطت عليها دودة فيبست، قال يا يونس أحزنت لشجرة لم تزرعها ولم تسقها ولم تعي بها أن يبست حين استغنيت عنها ولم تحزن لأهل نينوى أكثر من مائة ألف أردت أن ينزل عليهم العذاب" ، فهذا عود على بدء ، عود على نصيحة العالم الذي قال بأن الله لا يحب هلاك عباده وهي جوهر يتكرر في هذه القصة وتؤكده الحادثة الأخرى التي تنقلها بعض كتب قصص الأنبياء حيث ينقل بأن يونس بعدما عوفي – وهذه قرينة على أن هذه الحادثة تالية لحادثة شجرة اليقطين – نزل ضيفا عند صانع أوان فخارية ، فأوحى الله إليه أن يأمر صانع الفخار بكسر أوانيه " فاستنكر الفخار ذلك وقال: «شيء عملته بيدي أعيش منه وأتمتع بثمنه أنا وعيالي تأمرني بكسره!». فأوحى الله إلى يونس: «هذا عمل فخاراً من طين لم تطب نفسه بكسره، وأنت طبت نفسا بالدعاء بهلاك العدد العديد من عبادي!»" ، وهذه مرة ثالثة بعد نصيحة العالم ووحي شجرة اليقطين يعلم الله تعالى نبيه في رحلة قاسية أهمية خلقه بالنسبة إليه سبحانه وأنه لا يحب أن يعذبهم وإن كانوا فاسقين أو كفارا ، وهو درس يلقيه الحسين بن علي سيد الشهداء (ع) يوم عاشوراء بعدما قتل أصحابه وأهل بيته ووقف وحيدا ناظرا إلى نسائه وعياله وأنهن يصبحن سبايا وأسارى بعد ساعة و ناظرا نظرة أخرى إلى أعدائه واقد احتوشوه من كل صوب وهو فرد وحيد فانهالت عيناه بالدموع ، وسألته أخته الحوراء زينب (ع) عن سبب بكاؤه فقال "أبكي على أقوام يدخلون النار بسببي" إنه يبكي على أعدائه لا منهم وهم أشقى الخلق وألعنهم ، إنه يسقي الحر بن يزيد و جيشه الماء في عرض الصحراء ويحرم منه نساءه وعياله والحر كان قائد معسكر الأعداء الذي جعجع به ، إنه بهذا السلوك أيقظ الحر من سباته و أنقذه من هلاكه لأنه أحب له الهداية ولم يحب له الهلاك .
وانطلاقا من قصة يونس (ع) يمكننا أن نقول بأن الكره الديني والطائفي وما تتسم به المناظرات الجدلية من ندية وخصومة ، ليس ذلك كله من الدين في شيء ، والدعوة الحقيقية إلى الله تعالى المجردة من المصالح لا يمكن أن تكون إلا دعوة حب وهل الدين إلا الحب ، وفي نفس الوقت الذي ندعو الآخرين إلى الحق بروحية الرحمة والأبوية ، يجب أن نعلم بأن الأب قد يكون مخطئا فلا عيب أن يصحح من أفكاره وفق ما يجده حقا عند أبنائه وهو ما نعترف فيه في كل يوم من أيام شهر رمضان في دعاء الافتتاح حين نقول : (( اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه وما قصرنا عنه فبلغناه )) إننا لم نبلغ العصمة ولا يمكن لأحد أن يدعو الآخرين بروحية العصمة إلا المعصوم ، ومن سوى المعصوم – ومهما علا – فهو مجتهد قد يخطئ ويصيب ، فعلام هذا الصراع الطائفي المحتدم والكره الديني المتفشي في مجتمعنا اليوم ، يظن البعض بأن التدين هو أن نقسو مع الآخر باعتباره صاحب بدعة أو باعتباره كافرا ولا ينظر بأن الآخر خلق الله تعالى وأثر فعله سبحانه ، ثمة التفاتة مهمة في قصة يونس (ع) نختم بها المقال حيث عقبت الآية التي صدرنا بها البحث بقوله تعالى (( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) وهي من أصرح آيات القرآن في مبدأ حرية العقيدة كما توضح أهم الرسائل التي تعلمنا إياها قصة ذي النون (ع) والحمد لله رب العالمين.