الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

كيفن كارتر Kevin Carter - مقال للأستاذ علي العريان



نسر متربص بطفلة صغيرة عريانة أجهدها الجوع وهي تزحف نحو مخيم الأمم المتحدة لتحصل على بعض الغذاء بينما ينتظر النسر موت الطفلة المسكينة كي يتخذها غداء له ، تلك هي الصورة التي التقطها المصور الصحفي الجنوب أفريقي كيفن كارتر أثناء المجاعة السودانية سنة 1993 والتي هزت مشاعر آلاف الناس وجعلتهم يتصلون هاتفيا بالجريدة التي نشرت الصورة و يسألون عن مصير الفتاة الذي لا زال غير معلوم ، كما تلقى كارتر نقدا لاذعا حيث أنه لم يحاول مساعدة الفتاة بل انتظر النسر كي يفرد جناحيه ليحل هو على صورة جيدة ، و قد فاز كارتر على إثر هذه الصورة بجائزة بوليتزر للتصوير المميز .
لم تكن تلك الصورة هي الوحيدة التي التقطها كارتر عارضا إحدى أبشع صور هذه الحياة وأقساها ، بل كان أول من صور عمليات القتل عن طريق (التقليد necklacing) أي وضع عجلة سيارة على عنق شخص على شكل قلادة و إشعالها حتى تموت الضحية وكان ذلك يفعل علنا في جنوب أفريقيا في منتصف الثمانينيات حيث شهد كارتر الكثير من حالات التمييز ضد السود مما جعله يأخذ عن نفسه مهمة فضح تلك الممارسات وإيصال رسالة إلى العالم.



هذه الصور التي ما كانت لتصل إلينا لولا جهود كارتر و مخاطرته هي دعوة صارخة إلى قيم الإنسانية والإصلاح وهزة عارمة تطالب بحقوق الإنسان و ضرورة التغيير الاجتماعي ، فهي بحق من أشد الوسائل تأثيرا في العالم على الرغم من قلتها و بساطة فكرتها ، و ليس ثمة مجال للمقارنة بين مدى تأثيرها و تأثير ما يفعله آخرون ممن امتهن اجترار المواعظ دون أن يحياها ، فلا يكون لجهود الفرد وقع في النفوس إلا و أن يتجاوز حبه للوسائد المريحة والفرش الدافئة والأمن والاطمئنان و يخوض حياة العمل بل والمخاطر فيطلع عن معاناة الناس في تلك الأماكن المنسية من العالم تارة ويقدم التضحيات المادية أخرى في سبيل سعادة النوع البشري ، يمكننا أن نستفيد أيضا بأن الدعوة إلى الحق والإنسانية ليست خاصة بفئة دون أخرى فللصحفي والإعلامي والمصور والطبيب ورجل الشارع وغيرهم دور قد يغير من مسير العالم و يهز أركانه .
جدير بالذكر أن كارتر أنهى حياته منتحرا وكتب قبل موته : إنني مكتئب .. بلا هاتف .. بلا مال لأدفع الإيجار .. بلا مال لدعم الأطفال .. أو لدفع الديون .. إنني مسكون بذكريات واضحة لحوادث القتل و الجثث والغضب والألم .. بصور أطفال جرحى وجوعى ، ذكريات قتلة مجانين .. الخ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق