السبت، 6 أغسطس 2011

تفريغ الدروس من 31 إلى 40

الدرس الواحد و الثلاثون و الثاني و الثلاثون


مسألة : في أنه تعالى يفعل لغرض

· هذه من المسائل الأساسية في علم الكلام
· تعبير "الغرض" و "المنفعة" و"الفائدة" في تعبير المتكلمين يأتي بمعنى واحدة ، فالشبع (غرض-فائدة-منفعة) الأكل ، فهذه الكلمات مترادفة عند المتكلمين بخلافه عند الحكماء فالحكماء يقصدون بالغرض شيئا و يقصدون بالفائدة و المنفعة شيئا آخر
· مشى المحقق الطوسي على تعبير المتكلمين لا الحكماء في هذا الموضع
· وقع الخلاف بين المتكلمين فيما إذا كانت أفعال الله تعالى معللة بالأغراض أم لا؟ فقال العدلية بذلك لكي تنزه الله تعالى عن العبثية ، و قالت الأشاعرة بعدم وجود قبح عقلي و بالتالي فلا قبح في العبثية و الله تعالى لا يفعل لغرض
· لا بد هنا من التمييز بين نوعين من الأغراض (1) الغرض المترتب على الفعل (2) الغرض المترتب على فاعل الفعل
· يناسب هنا أن نتحدث في المقام الثاني من بحث العدل الإلهي وقد ذكرنا سابقا أن المقام الأول من هذا البحث هو الحديث في الحسن و القبح في أفعال الله و المقام الثاني في أفعال الإنسان ، فهل هنالك حسن و قبح في أفعال الإنسان أم لا ؟ و ما هو الضابط المميز بين الحسن و القبح؟

المقام الثاني من البحث و مقدمته ببيان معنى الفطرة

· مقدمة المقام الثاني من البحث: بَحَثنا مسبقا في التوحيد (هل إثبات وجود الله تعالى نظري أم فطري؟) و بحثنا الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، فما هو المراد من الفطرة لغة و اصطلاحا و هل توجد عندنا أمور فطرية في الإنسان أم لا توجد و ما هو الطريق لمعرفة أن هذا أمر فطري و ذاك ليس فطريا؟
· للشيخ المطهري كتاب قيم بعنوان (الفطرة)
· أفضل التعاريف التي نقلها المطهري هو الذي نقله عن (النهاية) لابن الأثير حيث يفسر (فطر) بمعنى (أوجد و خلق) فلا فرق بين الخالق و الفاطر و من أسماء الله تعالى الفاطر كما أن من أسمائه الخالق ، و يشير ابن الأثير إلى نكتة إضافية و هو أن (فطر) أي (أوجد لا عن مثال سابق) و هذا هو المعنى الذي تذكره الروايات كما نقل عن أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة و الدليل العقلي يمكن أن يثبته ، و الفرق بين خلق الله تعالى و خلق غيره هو أن الأول لا عن مثال سابق أي إيجاد من العدم ، و فطر هي الإيجاد لا عن مثال سابق بالخصوص
· الفطرة – بكسر الفاء – على وزن جلسة – بكسر الجيم – و الجلسة – بالكسر – تختلف عن الجلسة – بالفتح – فالجلسة – بالكسر – نحو خاص من الجلوس ، و بالتالي فالفطرة – بالكسر – هي الخلق و لكن بحيثية خاصة فالفطرة نحو خاص من الخلق
· الفطرة: هي الخلق الموصوف بما يلي:
(1) لا عن مثال سابق
(2) بكيفية خاصة
· جاء في كلمات الراغب في (المفردات) ص382 و كذلك في كلمات العلامة الطباطبائي في (الميزان) ص298 ج1 المعنى السابق للفطرة و أصل المطلب يرجع إلى ابن الأثير في كتابه الذي يشرح فيه مفردات الحديث
· تطلق الفطرة و يراد منها معان متعددة:
(1) الفطريات التي هي إحدى اليقينيات الست في منطق أرسطو
(2) أن الإنسان خلق و عنده مجموعة من العلوم الحصولية الفطرية كعلمه بالزمان و المكان ، و هو ما يعبر عنه ايمانويل كانت بالمقولات الاثنتي عشر
(3) معان أخرى لسنا بصدد الدخول فيها و يرجع لمن يريد الاستزادة إلى كتاب (أصول الفلسفة) للمطهري
· أشار السيد الإمام الخميني في ص175 في كتاب الأربعين حديثا (( اعلم أن المقصود من "فِطرة الله" التي فطر الناس عليها هو الحال والكيفية التي خلق الناس عليها ، وهم متّصفون بها والتي تعد من لوازم وجودهم وقد "تخمّرت" طينتهم بها في أصل الخلق. والفطرات الإلهية ـ كما سيتبين فيما بعد ـ من الألطاف التي خصّ الله تعالى بها الإنسان من بين جميع المخلوقات، إذ إن الموجودات الأخرى غير الإنسان إما أنها لا تملك أصلاً مثل هذه الفطرات المذكورة، أو أن لها حظاً ضئيلاً منها )) إلى أن يقول : ((لابُدّ أن نعرف أن ما هو من أحكام الفطرة لا يمكن أن يختلف فيه اثنان، لأنها من لوازم الوجود وهي هيئات تخمرت في أصل الطينة والخلقة. فالجميع، من الجاهل والعالم والمتوحش والمتحضر المدني والبدوي، متفقون في ذلك. وليس ثمة منفذ للعادات والمذاهب والطرق المختلفة للتسلل إليها والإخلال بها. إن اختلاف البلاد والأهواء والمأنوسات والآراء والعادات التي توجب وتسبّب الخلاف والاختلاف في كل شيء حتى في الأحكام العقلية، ليس لها تأثير أبداً في الأمور الفطرية. كما أن اختلاف الأفهام وقوة وضعف الإدراك لا تؤثر فيها. وإذا لم يكن الشيء بتلك الكيفية فليس من أحكام الفطرة، ويجب إخراجه من فصيلة الأمور الفطرية. ولذلك تقول الآية {فطر الناس عليها} أي أنها لا تختص بفئة خاصة ولا طائفة من الناس. ويقول تعالى أيضاً {لا تبديل لخلق الله} أي لا يغيّره شيء، كما هو شأن الأمور الأخرى التي تختلف بتأثير العادات وغيرها )) و القول بهذا – أي بأن الجميع مجبول على الفطرة – منشأ للعديد من الإشكاليات كما سيأتي
· المراد من الفطرة اصطلاحا هو نفس المراد منها لغة بلا فرق
· سؤال : ما هي تلك الكيفية الخاصة من الخلق التي يطلق عليها الفطرة؟
· جواب: هنالك طريقان لإثبات تلك الطريقة المخصوصة من الخلق و هما (1) طريق عقلي و هو إما (أ) لمي أو (ب) إني و (2) طريق نقلي:
· الطريق البرهاني اللمي: أن الله تعالى موجود كامل مطلق الكمال ، و قد بينا أن من صفات الكمال أن الله تعالى مريد و أن معنى إرادته أنه محب لذاته ، و مقتضى قانون السنخية أن الله تعالى يحب الكمال فهو محب لذاته لأن ذاته عين الكمال ، فمقتضى قانون السنخية أن تكون موجودات الله تعالى أيضا محبة للكمال ، و غاية الأمر أن الله سبحانه يحب الكمال الموجود في ذاته و أن الإنسان يحب الكمال المفقود في ذاته فيسعى إليه
· الطريق البرهاني الإني: نجد بحسب الاستقراء الناقص أولا و بحسب الوجدان ثانيا أننا (1) بالإضافة إلى كوننا وجودا متقنا مخلوقا في أحسن تقويم و أن كل جزء فينا له غرض يؤديه ، إضافة إلى ذلك نلاحظ (2) أننا نفعل الأفعال من أجل الوصول إلى أغراض أي لعلل غائية فكلنا نلحظ وجود ميل عندنا لفعل الأشياء و هذا الميل هو العلة الغائية ، عندما ننظر إلى كتاب متقن أو جهاز كمبيوتر متقن نستنتج أن كاتبه و صانعه موجود حكيم عالم عاقل و غير ذلك ، فهذا النظام و الإتقان مرتبط بالعلة الفاعلية ، و بعض الموجودات كالإنسان إضافة إلى كونها مرتبطة بالعلة الفاعلية يوجد عندها ميل يحكم أفعالها و هو ما نسميه بالعلة الغائية ، فجهاز الكمبيوتر مع أنه متقن الصنع إلا أن ليس له ميل و لا غاية يريد الوصول لها و كذلك الكتاب بخلاف الإنسان الذي ميز من بين جميع الموجودات بأن له خيارات متعددة يستطيع أن يسلكها و بالتالي كثيرا ما يجد نفسه على مفترق طرق في حياته يتعين عليه أن ينتخب واحدا منها ، و السؤال هنا: ما الذي يعين للإنسان الطريق الأمثل الذي يتعين عليه أن ينتخبه و ما الذي يمنعه من انتخاب الطرق الأخرى؟ الجواب: هي الكيفية المخصوصة التي خلق عليها الإنسان
· سؤال: هل المجنون مستثنى من أفراد الإنسان في أنه يفعل الأفعال لغرض؟
· جواب: أحيانا يعتبر غرض أحدنا سفه بالنسبة إلى الآخر فانشغالنا بالمباحات مثلا سفه بالنسبة إلى المعصومين (ع) و لكنها أغراض معتبرة بالنسبة إلينا ، و كذلك اللعب بالنسبة إلى الأطفال فهو سفه بالنسبة إلى الراشدين ، و من هنا نقول بأن أفعال الإنسان مطلقا حتى المجنون معللة بالأغراض و لكن الغرض متناسب لمرتبة الإنسان الوجودية ، و من هو في مرتبة أعلى يراه سفهيا
· سؤال: هل هذه الكيفية التي خلق الإنسان عليها خاصة بالإنسان؟
· جواب: عندما نستقرئ نجد أن جميع الموجودات محكومة بقانون الميل و العشق ، قال نيوتن: "كل الذي أستطيع أن أقوله أن هناك قوة في بعض الأجرام تجذب بعضا آخر من الأجرام هذه القوة أسميها جاذبية و لكن حقيقتها مجهولة" و البرهان العقلي هو الكفيل ببيان هذه القوة ، و لذا تجد أن للحكماء عموما رسائل في إثبات سريان العشق في جميع الموجودات و أن لجميع المخلوقات غايات تسير إليها ، فمثلا عندما يأتي جدول صغير و يريد أن يرتبط ببحر مواج فمقدار قوة ارتباط الجدول بالبحر ضعيفة و لا يستطيع أن يصل إلى عمق البحر و بالتالي لو سألنا هذا الجدول عن غايته لقوال بأن أقصى غايته هو أن يصل إلى سطح البحر ، و لكن لو سألنا غواصا عن غايته لقال بأن يصل إلى عمق البحر ، فكل يعمل على قدره
· الدليل النقلي: الوجدان لا يطابق الواقع بالضرورة و يحتاج إلى دليل قطعي إما من العقل أو الوحي ، و نستدل على ما سبق بقوله تعالى:
(1) (( ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه )) إشارة إلى العلة الفاعلية (( ثم هدى )) أشار الكيفية المخصوصة من الخلق التي خلق الله الإنسان – أو الموجودات – عليها .
(2) قوله تعالى (( الذي خلق فسوى )) إشارة إلى العلة الفاعلية ثم قوله (( و الذي قدر فهدى ))
(3) قوله تعالى (( و نفس و ما سواها )) إشارة إلى العلة الفاعلية ثم (( فألهمها فجورها و تقواها )) إشارة إلى العلة الغائية
· إذن فالوجدان الدال على أن الإنسان مخلوق على طريقة مخصوصة يدل عليها القرآن الكريم
· سؤال: ما هي هذه الطريقة المخصوصة؟
· الجواب: صرح القرآن و النصوص الشرعية أن هذه الطريقة المخصوصة هي حب الكمال المطلق أي التوحيد ، فالإنسان يحب بفطرته الكمالات اللامتناهية و يميل إليها ، أي يميل بفطرته إلى المطلق
· من حيث الكبرى لا خلاف بين البشر في أنهم جميعا يبحثون عن كمالهم و يهربون من نقصهم و إنما الخلاف بين البشر في تشخيص مصاديق الكمال فالخلاف بينهم في الصغرى
· قال تعالى : (( و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها )) ، الميزان ج20 ص298 : (( وتعليق الالهام على عنواني فجور النفس وتقواها للدلالة على أن المراد تعريفه تعالى للانسان صفة فعله من تقوى أو فجور وراء تعريفه متن الفعل بعنوانه الاولي المشترك بين التقوى والفجور كأكل المال مثلا المشترك بين أكل مال اليتيم الذي هو فجور وبين أكل مال نفسه الذي هو من التقوى، والمباشرة المشتركه بين الزنا وهو فجور والنكاح وهو من التقوى وبالجملة المراد أنه تعالى عرف الانسان كون ما يأتي به من فعل فجورا أو تقوى وميز له ما هو تقوى مما هو فجور وتفريع الالهام على التسوية في قوله: " وما سواها فألهمها " الخ للاشارة إلى أن إلهام الفجور والتقوى وهو العقل العملي من تكميل تسوية النفس فهو من نعوت خلقتها كما قال تعالى: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " الروم: 30. وإضافة الفجور والتقوى إلى ضمير النفس للاشارة إلى أن المراد بالفجور والتقوى الملهمين الفجور والتقوى المختصين بهذه النفس المذكورة وهي النفس الانسانية ونفوس الجن على ما يظهر من الكتاب العزيز من كونهم مكلفين بالايمان والعمل الصالح. قوله تعالى: " قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " الفلاح هو الظفر بالمطلوب وإدراك البغية، والخيبة خلافه، والزكاة نمو النبات نموا صالحا ذا بركة والتزكية إنماؤه كذلك، والتدسى - وهو من الدس بقلب إحدى السينين ياء - إدخال الشئ في الشئ بضرب من الاخفاء، والمراد بها بقرينة مقابلة التزكية: الانماء على غير ما يقتضيه طبعها وركبت عليه نفسها. والآية أعني قوله: " قد أفلح " الخ جواب القسم، وقوله: " وقد خاب " الخ معطوف عليه. والتعبير بالتزكية والتدسى عن إصلاح النفس وافسادها مبتن على ما يدل عليه قوله: " فألهمها فجورها وتقواها " على أن من كمال النفس الانسانية أنها ملهمة مميزة - بحسب فطرتها - للفجور من التقوى أي أن الدين وهو الاسلام لله فيما يريده فطري للنفس فتحلية النفس بالتقوى تزكية وانماء صالح وتزويد لها بما يمدها في بقائها قال تعالى: " وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا اولي الالباب " البقرة: 197 وأمرها في الفجور على خلاف التقوى. )) فالله تعالى كما جعل في الإنسان غريزة الجوع و البحث عن الطعام إذا جاع جعل فيه هداية يعرف بها صفة الفعل من تقوى أو فجور فيأكل الطعام الزكي دون الطعام غير الزكي ، و الآية تشير إلى نكتة أخرى و هو أن تسوية النفس لا تتم بإتقان الخلق فقط بل لا بد أن يصاحبها الهداية الفطرية ، و هذه الهداية الفطرية منها ما هو مرتبط بالعقل العملي و العقل النظري
· من أهم الآيات في هذا المجال قوله تعالى : (( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم )) فهذه الآية تثبت أولا أن المعارف الدينية كلها معارف فطرية لا أن التوحيد فقط أمر فطري ، و ثانيا تثبت أن الأمر الفطري غير قابل للتغير (( لا تبديل لخلق الله )) و لعدم إمكانية تغيير هذه الفطرة له آثار دنيوية و أخرى أخروية ، ففي الدنيا مثلا لا يمكن إماتة الفطرة و إنما يمكن دسها (( و قد خاب من دساها )) أي دفنها ، ولكن لا يمكن إماتتها
· استدلال على أبدية العذاب الأخروي: (1) طلب الكمال فطري ، و (2) الفطري لا تبديل له ، (إذن) طلب الكمال لا تبديل له ، وبالتالي فعذاب الإنسان في الآخرة أبدي لأنه نابع من تألم الفطرة و خصوصا في النشأة الآخرة عندما يعلم الإنسان أن الله هو الحق المبين و أنه هو المطلوب أولا و بالذات و أن إليه الرجعى .
· ما يشقي الإنسان هو ابتعاده عن مبدئه (( إنا لله و إنا إليه راجعون )) فمبدؤه من الله تعالى و إليه يعود ، فالمعاد رجوع إلى الحقيقة بخلاف التصور العامي الذي يتصور أن المعاد رجوع إلى الدنيا مرة أخرى و لكن بحيث تكون الدنيا لا تكليف فيها ولا شقاء ، و لذا نجد أنهم بحثوا إمكانية إعادة المعدوم غافلين عن حقيقة أن المعاد إنما هو رجوع إلى الحقيقة المبدئية التي جئنا منها (( و إن إلى ربك الرجعى )) (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ))
· راجع تفسير الميزان ص177 في تفسير آية الفطرة
· يعبر القرآن عنها بالفطرة تارة و تارة بالإلهام و تارة بالصبغة و تارة بالحنيفية ، و قد أشار إلى هذه الألفاظ جميعا صاحب البحار في ج3 ص276 الباب الحادي عشر كتاب التوحيد بعنوان (الدين الحنيف و الفطرة و صبغة الله و التعريف كله في الميثاق)
· نتيجة: زود الإنسان بفطرة و كيفية في الخلق بحيث يكون طالبا للكمال أولا و بالذات و بتبع ذلك يكون منزجرا من النار
· يشير السيد الإمام الخميني في رسالة (الطلب و الإرادة) إلى مسألة الفطرة ص152: ((والجملة الإنسان بفطرية عاشق الكمال المطلق ويتبع هذه الفطرة فطرة أخرى فيها هي فطرة الإنزجار وعن النقص أي نقص كان ومعلوم أن الكمال المطلق والجمال الصرف والعلم والقدرة وسائر الكمالات على نحو الإطلاق بلا شوب نقص وحد لا توجد إلا في الله تعالى فهو هو المطلق وصرف الوجود وصرف كل كمال. فالإنسان عاشق جمال الله ويحن إليه تعالى وان كان من الغافلين وفي الروايات فسرت الفطرة بفطرة المعرفة وفطرة التوحيد ألا إلى الله تطمئن القلوب وإليه المرجع والمآب والمصير وهو تعالى غاية الغايات ونهاية المآرب فهو تعالى بلطفه وعنايته فطر الناس على هاتين الفطرتين الفطرة الأصلية هي فطرة العشق بالكمال المطلق والفطرة التبعية هي فطرة الانزجار عن النقص لتكون براق سيره ورفرف معراجه وهما جناحان إلى الله بهما يطير إلى وكره وهو فناء الله وجنابه ولقد فصلنا أحكام الفطرة في بعض الرسائل والكتب سيما ما كتبنا سابقا في شرح حديث جنود العقل والجهل ولقد جف قلمي في خلال شرحه ولم يشملني إلى الآن التوفيق منه تعالى لإتمامه وابتلاني الله تعالى وله الحمد والشكر بالدخول في أحكام الكثرة وإليه المشتكي وعليه المعول ))
· سؤال: لماذا نجد الاختلاف بين الناس في الأمور الفطرية و لماذا نجد إنكار بعضهم لبعض الأمور الفطرية؟ فتعدد الأديان و إنكار التوحيد ما تفسيره إذا كان الإسلام أمرا فطريا؟
· الجواب: قولنا بأن التوحيد و المعارف الدينية أمور فطرية لا يعني أنها واضحة عند الجميع على نحو واحد و إنما كي تكون هذه المعارف قوية يجب أن تمنع الموانع إلى تؤدي إلى دس الفطرة من العوامل البيئية و الاجتماعية و التربوية و النفسية ، فكل مولود يولد على الفطرة و لكن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه و هكذا ، و لكي تصل الفطرة إلى مرحلة شديدة تحتاج إلى رعاية ، و لذا نجد أن القرآن الكريم عبر عن التوحيد بالشجرة فالشجرة تحتاج إلى رعاية كي تنمو و تكبر كما تحتاج إلى إزاحة الموانع المانعة لنموها ، هكذا هي شجرة التوحيد ، خصوصا و أننا نلاحظ أن الماديات تشغل الإنسان عن الفطرة ، ومن هنا تتبين أهمية الاعتزال في السلوك و السير إلى الله تعالى
· الأمور الفطرية ليس على نحو التواطئ بل على نحو التشكيك تفترق شدة و ضعفا بين إنسان و آخر
· يقول صدر المتألهين أننا عندما نقول بأن التوحيد أمر فطري معناه أن علم الإنسان بالتوحيد علم حضوري و لكن لكي يصل هذا العلم الحضوري إلى العلم الحصولي أي لكي يحصل لنا علم بذلك العلم أي لكي نلتفت إلى ذلك العلم ، يحتاج هذا إلى رعاية و جهد و تمرين
· سؤال: ما الفرق بين الفطرة و الطبيعة و الغريزة؟
· الجواب: تطلق الفطرة على الأمور التي توجد في الإنسان فنقول فطر الإنسان على التوحيد ، و لكن عندما نأتي إلى الحيوانات فنفس هذه الأمور الفطرية نعبر عنها بالغرائز ، و عندما نأتي إلى النبات و الجمادات نعبر عنها بالطبيعة

الدرس الثالث و الثلاثون


هل الفطرة قابلة للتبدل و التغير و البطلان؟

· صرح القرآن بعد ذكر الفطرة بقوله (( لا تبديل لخلق الله )) و المراد من التبديل في هذه الآية ليس المراد منه تبديل المظاهر المادية للإنسان أو تبديل بعض العقائد التي يعتنقها الإنسان ، بل المراد هو هذه الفطرة التي هي الإيجاد و الاختراع على كيفية خاصة
· قال تعالى (( و لن تجد لسنة الله تبديلا )) و قال (( ولن تجد لسنة الله تحويلا ))
· إذن الفطرة غير قابلة للإبطال و التبديل و التبدل ، و لكنها قد تضعف و قد تشتد و قد تدفن
· السيد العلامة ج5 من الميزان ص312 : ((قال: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ. الروم : 30، أي أن الخلقة الإنسانية نوع من الايجاد يستتبع هذه العلوم والإدراكات، ولا معنى لتبديل خلق إلا أن يكون نفس التبديل أيضاً من الخلق والإيجاد ، وأما تبديل الإيجاد المطلق أي إبطال حكم الواقع فلا يتصور له معنى ، فلن يستطيع الإنسان وحاشا ذلك أن يبطل علومه الفطرية )) فعلى سبيل المثال لا يستطيع الإنسان أن يختار بأن يكون مختارا أو مجبرا فقد خلقه الله تعالى مختارا و هو مجبور على أن يكون مختارا و لا خيار له في ذلك فلا يستطيع الإنسان أن يحول نفسه إلى آلة صماء تعمل مجبرة في شكل حتمي (( ويسلك في الحياة سبيلاً آخر غير سبيلها البتة . وأما الانحراف المشهود عن أحكام الفطرة فليس إبطالاً لحكمها ، بل استعمالاً لها غير ما ينبغي من نحو الإستعمال ، نظير ما ربما يتفق أن الرامي لا يصيب الهدف في رميته ، فإن آلة الرمي وسائر شرائطه موضوعه بالطبع للإصابة ، إلا أن الإستعمال يوقعها في الغلط ، والسكاكين والمناشير والمثاقب والإبر وأمثالها إذا عبئت في الماكينات تعبئة معوجة تعمل عملها الذي فطرت عليه بعينه من قطع أو نشر أو ثقب وغير ذلك ، لكن لا على الوجه المقصود ، وأما الإنحراف عن العمل الفطري كأن يخاط بنشر المنشار بأن يعوض المنشار فعل الإبرة من فعل نفسه فيضع الخياطة موضع النشر ، فمن المحال ذلك . وهذا ظاهر لمن تأمل عامة ما استدل به القوم على صحة طريقهم ، كقولهم إن الأبحاث العقلية المحضة والقياسات المؤلفة من مقدمات بعيدة من الحس يكثر وقوع الخطأ فيها ، كما يدل عليه كثرة الإختلافات في المسائل العقلية المحضة ، فلا ينبغي الإعتماد عليها لعدم إطمئنان النفس إليها. وقولهم في الإستدلال على صحة طريق الحس والتجربة إن الحس آلة لنيل خواص الأشياء بالضرورة وإذا أحس بأثر في موضوع من الموضوعات على شرائط مخصوصة ثم تكرر مشاهدة الأثر معه مع حفظ تلك الشرائط بعينها من غير تخلف واختلاف، كشف ذلك عن أن هذا الأثر خاصة الموضوع من غير اتفاق ، لأن الإتفاق ( الصدفة ) لا يدوم البتة . والدليلان كما ترى سيقاً لإثبات وجوب الإعتماد على الحس والتجربة ورفض السلوك العقلي المحض ، مع كون المقدمات المأخوذة فيهما جميعاً مقدمات عقلية خارجة عن الحس والتجربة ، ثم أريد بالأخذ بهذه المقدمات العقلية إبطال الأخذ بها، وهذا هو الذي تقدم أن الفطرة لن تبطل البتة ، وإنما يغلط الإنسان في كيفية استعمالها ))

هل تغني الفطرة عن الوحي و النبوة و الدين ؟

· البحث المفصل في هذه الشبهة في بحث النبوة العامة و لكننا نتطرق إليها هنا لأننا تطرقنا لبحث الفطرة ولا نستطيع ترك هذه الشبهة دون إجابة
· الدليل على احتياجنا إلى الدين[1]:
(1) المقدمة الأولى: أثبتت الآيات و التجربة و الوجدان أن كل موجود في هذا العالم له غاية يريد الوصول إليها من جاد أو نبات أو حيوان أن إنسان ، قال السيد العلامة : (( إذا تأملنا هذه الانواع الموجودة التى تتكون وتتكامل تدريجا سواء كانت ذوات حياة وشعور كأنواع الحيوان أو ذات حياة فقط كأنواع النبات أو ميتة غير ذى حياة كسائر الانواع الطبيعية - على ما يظهر لنا - وجدنا كل نوع منها يسير في وجوده سيرا تكوينيا معينا ذا مراحل مختلفة بعضها قبل بعض وبعضها بعد بعض يرد النوع في كل منها بعد المرور بالبعض الذى قبله وقبل الوصول إلى ما بعده ولا يزال يستكمل بطى هذه المنازل حتى ينتهى إلى آخرها وهو نهاية كماله )) فكل موجود له معاد و كل موجود سائر إلى كماله قال تعالى : ((وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه إلا امم أمثالكم، ما فرطنا فى الكتاب من شئ ، ثم إلى ربهم يحشرون)) فالآية صريحة في أن للدواب و الطيور حشر أيضا
(2) المقدمة الثانية: أن الإنسان ليس مستثنى من كلية الحكم المذكور و هو أنه زود بهداية عامة إلهية
(3) أن الإنسان ليس اجتماعيا بالطبع (المتعارف أن الإنسان اجتماعي بالطبع و لكن السيد العلامة في الميزان في الآية 213 من سورة البقرة أثبت بالدليل العقلي أن الإنسان ليس اجتماعيا بالطبع) و لكن فطرته تريد الكمال سواء في الأمور المعنوية أو المادية على حد سواء ، و هذه الأمور المادية ليست موجودة في الطبيعة كما يريد بل لا بد أن يدخل عليها تغييرات فالتمتع بمسكن خاص و ملابس بجودة معينة و مأكل جيد و غير ذلك لا يمكن للإنسان أن يتمه بشكل المهيأ إلا بتكوين المجتمع و استخدام غيره ، فالأنسان مستخدم بالطبع لا مدني بالطبع ، ففطرة الإنسان تدعوه إلى استخدام الموجودات الأخرى لا إلى الاجتماع ، و الموجودات الأخرى من جمادات و حيوانات و نباتات لا تعترض عليه إذا استخدمها ما عدا الإنسان ، و بالتالي إذا أراد أن يستخدم الإنسان فإنه يضطر إلى التعاون معه و أن يعطيه مقابل ما يأخذه منه (الواجبات و الحقوق) ، فالفطرة أدت إلى الاختلاف لأنها تدعو الإنسان إلى استخدام الغير فمنشأ الاختلاف هو نفس الفطرة ، قال العلامة الطباطبائي : (( غير أن الانسان يفارق سائر الانواع الحيوانية والنباتية وغيرها فيما نعلم في أمر وهو أنه لسعة حاجته التكوينية وكثرة نواقصه الوجودية لا يقدر على تتميم نواقصه الوجودية ورفع حوائجه الحيوية وحده بمعنى أن الواحد من الانسان لا تتم له حياته الانسانية وهو وحده بل يحتاج إلى اجتماع منزلي ثم اجتماع مدنى يجتمع فيه مع غيره بالازدواج والتعاون والتعاضد فيسعى الكل بجميع قواهم التى جهزوا بها للكل ثم يقسم الحاصل من عملهم بين الكل فيذهب كل بنصيبه على قدر زنته الاجتماعية وقد عرفت في سابق مباحث هذا الكتاب أن المدنية ليست بطبيعية للانسان بمعنى أن ينبعث إليه من ناحية طبيعته الانسانية ابتداء بل له طبيعة مستخدمة لغيره لنفع نفسه ما وجد إليه سبيلا فهو يستخدم الامور الطبيعية ثم أقسام النبات والحيوان في سبيل مقاصده الحيوية فهو باستخدام فرد مثله أو أفراد أمثاله أجرأ لكنه يجد سائر الافراد أمثاله في الاميال والمقاصد وفى الجهازات والقوى فيضطر إلى المسالمة وأن يسلم لهم حقوقا مثل ما يراه لنفسه. وينتهى هذا التضارب بين المنافع أن يشارك البعض البعض في العمل التعاوني ثم يقسم الحاصل من الاعمال بين الجميع ويعطى منه لكل ما يستحقه. وكيف كان فالمجتمع الانساني لا يتم انعقاده ولا يعمر الا باصول علمية وقوانين اجتماعية يحترمها الكل وحافظ يحفظها من الضيعة ويجريها في المجتمع وعند ذلك تطيب لهم العيشة وتشرف عليهم السعادة ))
(4) إذن ثبتت حاجتها للدين و النبوة لحل هذا الاختلاف قال العلامة الطباطبائي : (( و من المعلوم أن الإنسان غير متمكن من تتميم هذه النقيصة من قبل نفسه فإن فطرته هي المؤدية إلى هذه النقيصة فكيف يقدر على تتميمها و تسوية طريق السعادة و الكمال في حياته الاجتماعية؟. و إذا كانت الطبيعة الإنسانية هي المؤدية إلى هذا الاختلاف العائق للإنسان عن الوصول إلى كماله الحري به و هي قاصرة عن تدارك ما أدت إليه و إصلاح ما أفسدته، فالإصلاح لو كان يجب أن يكون من جهة غير جهة الطبيعة، و هي الجهة الإلهية التي هي النبوة بالوحي، و لذا عبر تعالى عن قيام الأنبياء بهذا الإصلاح و رفع الاختلاف بالبعث و لم ينسبه في القرآن كله إلا إلى نفسه مع أن قيام الأنبياء كسائر الأمور له ارتباطات بالمادة بالروابط الزمانية و المكانية. فالنبوة حالة إلهية و إن شئت قل غيبية نسبتها إلى هذه الحالة العمومية من الإدراك و الفعل نسبة اليقظة إلى النوم بها يدرك الإنسان المعارف التي بها يرتفع الاختلاف و التناقض في حياة الإنسان، و هذا الإدراك و التلقي من الغيب هو المسمى في لسان القرآن بالوحي، و الحالة التي يتخذها الإنسان منه لنفسه بالنبوة. و من هناك يظهر أن هذا أعني تأدية الفطرة إلى الاجتماع المدني من جهة و إلى الاختلاف من جهة أخرى، و عنايته تعالى بالهداية إلى تمام الخلقة مبدأ حجة على وجود النبوة، و بعبارة أخرى دليل النبوة العامة. ))
· تبين أن الفطرة ليست فقط أنها لا تغني عن الوحي بل إنها هي التي توجب وجود وحي لأنها داعية إلى الاختلاف
· إذا كان الله خلقنا على نحو خاص يلزم منه وقوع الخلاف بيننا كان لا بد عقلا أن يبعث الرسل
· العقل لم يقدر – بشهادة التاريخ – أن يضع قوانين تحكم المجتمع و تنفي الاختلاف فيه لأن القوانين الوضعية كقوانين حقوق الإنسان يحكمها حب النفوذ و السيطرة و لذا نجد البشرية تهملها و تغيرها عندما تواجه أول اختلاف مصيري بينها

ما هو الكمال الذي يطلبه الإنسان بفطرته؟

· للكمال ثلاث مراتب (1) الكمال الاجتماعي (2) الكمال الأخروي (3) الكمال الإلهي
· الكمال الاجتماعي كحسن السيرة بين الناس مطلب للعقلاء فكثير من الناس يذهبون إلى الحربون و يقتلون من أجل أن يمجدهم الناس
· طلب الكمال الاجتماعي و الهروب و النقص الاجتماعي سبب لارتكاب الإنسان كثير من المعاصي في الخلوات لا العلن
· الكمال الأخروي أي الهروب من النار و الدخول في الجنة ، و الأوحدي منا هو من يعبد الله لا خوفا من ناره ولا طمعا في جنته ، و كثير من الأعلام أشاروا إلى أنه لولا وجود النار لما عبد أكثر الناس الله تعالى

[1] ننقل هنا النص الكامل لكلام العلامة الطباطبائي لما فيه من الفائدة و لأن السيد اعتمد عليه بشكل رئيسي في هذه النقطة:
تفسیر العلامة الطباطبائی لمراحل الفطرة من السنة الدینیة
ثمّ يقول‌ في‌ فصل‌ مستقلّ تحت‌ عنوان‌: كَلاَمٌ فِي‌ مَعْنَي‌ كَوْنِ الدِّينِ فِطْرِيَّاً فِي‌ فُصُولٍ:
1 ـ إذا تأمّلنا هذه‌ الانواع‌ الموجودة‌ التي‌ تتكوّن‌ وتتكامل‌ تدريجاً، سواء كانت‌ ذوات‌ حياة‌ وشعور كأنواع‌ الحيوان‌، أم‌ ذات‌ حياة‌ فقط‌ كأنواع‌ النبات‌، أو ميِّتة‌ غير ذي‌ حياة‌ كسائر الانواع‌ الطبيعيّة‌ ـعلي‌ ما يظهر لناـ وجدنا كلّ نوع‌ منها يسير في‌ وجوده‌ سيراً تكوينيّاً معيّناً ذا مراحل‌ مختلفة‌ بعضها قبل‌ بعض‌، وبعضها بعد بعض‌، يرد النوع‌ في‌ كلّ منها بعد المرور بالبعض‌ الذي‌ قبله‌ وقبل‌ الوصول‌ إلي‌ ما بعده‌، ولا يزال‌ يستكمل‌ بطي‌ّ هذه‌ المنازل‌ حتّي‌ ينتهي‌ إلي‌ آخرها وهو نهاية‌ كماله‌.
نجد هذه‌ المراتب‌ المطويّة‌ بحركة‌ النوع‌ يلازم‌ كلّ منها مقامه‌ الخاصّ به‌ لايستقدم‌ ولا يستأخر من‌ لدن‌ حركة‌ النوع‌ في‌ وجوده‌ إلي‌ أن‌ تنتهي‌ إلي‌ كماله‌، فبيـنها رابطـة‌ تكوينـيّة‌ يربـط‌ بها بعـض‌ المراتـب‌ ببعـض‌ بحـيث‌ لايتجافي‌ ولا ينتقل‌ إلي‌ غير مكانه‌، ومن‌ هنا يستنتج‌ أنّ للنوع‌ غاية‌ تكوينيّة‌ يتوجّه‌ إليها من‌ أوّل‌ وجوده‌ حتّي‌ يبلغها.
فالجوزة‌ الواحدة‌ مثلاً إذا استقرّت‌ في‌ الارض‌ استقراراً يهيّؤها للنموّ علي‌ اجتماع‌ ممّا يتوقّف‌ عليه‌ النموّ من‌ العلل‌ والشرائط‌، كالرطوبة‌ والحرارة‌ وغيرهما، أخذ لبّها في‌ النموّ وشقّ القشر وشرع‌ في‌ ازدياد من‌ أقطار جسمه‌، ولم‌ يزل‌ يزيد وينمو حتّي‌ يصل‌ إلي‌ حدّ يعود فيه‌ شجرة‌ قويّة‌ خضراء مثمرة‌.
ولا يخـتلف‌ حاله‌ في‌ مسـيره‌ هذا التكويـني‌ّ وهو في‌ أوّل‌ وجـوده‌ قاصداً قصداً تكوينيّاً إلي‌ غايته‌ التكوينيّة‌ التي‌ هي‌ مرتبة‌ الشجرة‌ الكاملة‌ المثمرة‌.
وكذا الواحـد من‌ نوع‌ الحيـوان‌، كالواحدة‌ من‌ الضـأن‌ مثلاً، لانشـكّ في‌ أ نّها في‌ أوّل‌ تكوّنها جنيناً متوجّهة‌ إلي‌ غايتها النوعيّة‌ التي‌ هي‌ مرتبة‌ الضأنة‌ الكاملة‌ التي‌ لها خواصّها، فلا تضلّ عن‌ سبيلها التكوينيّة‌ الخاصّة‌ بها إلي‌ سبيل‌ غيرها، ولا تنسي‌ غايتها يوماً فتسير إلي‌ غاية‌ غيرها كغاية‌ الفيلة‌ مثلاً أو غاية‌ شجرة‌ الجوز مثلاً، فكلّ نوع‌ من‌ الانواع‌ التكوينيّة‌ له‌ مسير خاصّ في‌ استكمال‌ الوجود ذو مراتب‌ خاصّة‌ مترتّبة‌ بعضها علي‌ بعض‌ تنتـهي‌ إلي‌ مرتـبة‌ هي‌ غاية‌ النـوع‌ ذاتاً، يطـلبـها طلـباً تكوينـيّاً بحـركـته‌ التكوينيّة‌، والنـوع‌ في‌ وجـوده‌ مجـهّز بما هو وسيلة‌ حركـته‌ وبلـوغه‌ إلي‌ غايته‌.
وهذا التوجّه‌ التكويني‌ّ لاستناده‌ إلي‌ الله‌ يسمّي‌ هداية‌ عامّة‌ إلهيّة‌، وهي‌ كما عرفت‌ لا تضلّ ولا تخطي‌ في‌ تسيير كلّ نوع‌ مسيره‌ التكويني‌ّ وسوقه‌ إلي‌ غايته‌ الوجوديّة‌ بالاستكمال‌ التدريجي‌ّ، وبإعمال‌ قوّته‌ وأدواته‌ التي‌ جهّز بها لتسهيل‌ مسيره‌ إلي‌ غايته‌.
قال‌ تعالي‌: رَبُّنَا الَّذِي‌´ أَعْطَي‌' كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و ثُمَّ هَدَي‌'. [10]
وقال‌: الَّذِي‌ خَلَقَ فَسَوَّي‌' * وَالَّذِي‌ قَدَّرَ فَهَدَي‌' * وَالَّذِي‌´ أَخْرَجَ الْمَرْعَي‌' * فَجَعَلَهُ و غُثَآءً أَحْوَي‌'. [11]
2 ـ نوع‌ الاءنسان‌ غير مستثني‌ من‌ كلّيّة‌ الحكم‌ المذكور، أعني‌ شمول‌ الهداية‌ العامّة‌ له‌، فنحن‌ نعلم‌ أنّ النطفة‌ الاءنسانيّة‌ من‌ حين‌ تشرع‌ في‌ التكوّن‌ متوجّهة‌ إلي‌ مرتبة‌ إنسان‌ تامّ كامل‌ له‌ آثاره‌ وخواصّه‌، قد قطع‌ في‌ مسيره‌ مراحل‌ الجنينيّة‌ والطفوليّة‌ والمراهقة‌ والشباب‌ والكهولة‌ والشيب‌.
غير أنّ الاءنسان‌ يفارق‌ سائر الانواع‌ الحيوانيّة‌ والنباتيّة‌ وغيرها فيما نعلم‌ في‌ أمر، وهو أ نّه‌ لِسـعة‌ حاجته‌ التكوينيّة‌ وكثرة‌ نواقصه‌ الوجـوديّة‌ لايقدر علي‌ تتميم‌ نواقصه‌ الوجوديّة‌ ورفع‌ حوائجه‌ الحيويّة‌ وحده‌، بمعني‌ أنّ الواحد من‌ الاءنسان‌ لا تتمّ له‌ حياته‌ الاءنسانيّة‌ وهو وحده‌، بل‌ يحتاج‌ إلي‌ اجتماع‌ منزلي‌ّ، ثمّ اجتماع‌ مدني‌ّ يجتمع‌ فيه‌ مع‌ غيره‌ بالازدواج‌ والتعاون‌ والتعاضد، فيسعي‌ الكلّ بجميع‌ قواهم‌ التي‌ جهّزوا بها للكلّ، ثمّ يقسّم‌ الحاصل‌ من‌ عملهم‌ بين‌ الكلّ فيذهب‌ كلّ بنصيبه‌ علي‌ قدر زنته‌ الاجتماعيّة‌.
وهذه‌ المدنيّة‌ ليست‌ بطبيعيّة‌ للاءنسان‌، بمعني‌ أن‌ ينبعث‌ إليه‌ من‌ ناحية‌ طبيعته‌ الاءنسانيّة‌ ابتداءً، بل‌ له‌ طبيعة‌ مستخدمة‌ لغيره‌ لنفع‌ نفسه‌ ما وجد إليه‌ سبيلاً.
فهو يستخدم‌ الاُمور الطبيعيّة‌ ثمّ أقسام‌ النبات‌ والحيوان‌ في‌ سبيل‌ مقاصده‌ الحيويّة‌، فهو باستخدام‌ فرد مثله‌ أو أفراد أمثاله‌ أجراً، لكنّه‌ يجد سائر الافراد أمثاله‌ في‌ الاميال‌ والمقاصد وفي‌ الجهازات‌ والقوي‌، فيضطرّ إلي‌ المسالمة‌ وأن‌ يسلّم‌ لهم‌ حقوقاً مثل‌ ما يراه‌ لنفسه‌.
وينتهي‌ هذا التضارب‌ بين‌ المنافع‌ أن‌ يشارك‌ البعض‌ البعض‌ في‌ العمل‌ التعاوني‌ّ، ثمّ يقسّم‌ الحاصل‌ من‌ الاعمال‌ بين‌ الجميع‌ ويعطي‌ منه‌ لكلّ ما يستحقّه‌.
وكيف‌ كان‌، فالمجتمع‌ الاءنساني‌ّ لا يتمّ انعقاده‌ ولا يعمّر إلاّ بأُصول‌ علميّة‌ وقوانين‌ اجتماعيّة‌ يحترمها الكلّ، وحافظ‌ يحفظها من‌ الضيعة‌، ويجـريها في‌ المجـتمع‌، وعند ذلك‌ تطـيب‌ لهم‌ العيشـة‌ وتشـرف‌ عليـهم‌ السعادة‌.
أمّا الاُصول‌ العلميّة‌، فهي‌ معرفته‌ إجمالاً بما عليه‌ نشأة‌ الوجود من‌ الحقيقة‌، وما علـيه‌ الاءنسـان‌ من‌ حيـث‌ البـداية‌ والنهـاية‌، فإنّ المـذاهب‌ المخـتلفة‌ مؤثّـرة‌ في‌ خصـوص‌ السـنن‌ المعـمول‌ بها في‌ المجـتمعـات‌، فالمعتقدون‌ في‌ الاءنسان‌ أ نّه‌ مادّي‌ّ ليس‌ له‌ من‌ الحياة‌ إلاّ الحياة‌ المعجلّة‌ المؤجّـلة‌ بالمـوت‌، وأن‌ ليـس‌ في‌ دار الوجـود إلاّ السـبب‌ المادّي‌ّ الكائـن‌ الفاسد، ينظّـمون‌ سنن‌ اجتماعهم‌ بحـيث‌ تؤدّيـهم‌ إلي‌ اللذائذ المحسـوسة‌ والكمالات‌ المادّيّة‌ ما وراءها شي‌ء.
والمعتقدون‌ بصانع‌ وراء المادّة‌ ـكالوثنيّة‌ـ يبنون‌ سننهم‌ وقوانينهم‌ علي‌ إرضاء الآلهة‌ ليسعدوهم‌ في‌ حياتهم‌ الدنيويّة‌.
والمعتقدون‌ بالمبدأ والمعاد يبنون‌ حياتهم‌ علي‌ أساس‌ يسعدهم‌ في‌ الحـياة‌ الدينـويّة‌ ثمّ في‌ الحـياة‌ المؤبّـدة‌ التي‌ بعد المـوت‌، فصـور الحـياة‌ الاجتماعيّة‌ تختلف‌ باختلاف‌ الاُصول‌ الاعتقاديّة‌ في‌ حقيقة‌ العالم‌ والاءنسان‌ الذي‌ هو جزء من‌ أجزائه‌.
وأمّا القوانين‌ والسنن‌ الاجتماعيّة‌، فلولا وجود قوانين‌ وسنن‌ مشتركة‌ يحترمها المجتمعون‌ جميعهم‌ أو أكثرهم‌ ويتسلّمونها، تفرّق‌ الجمع‌ وانحلّ المجتمع‌.
وهذه‌ السـنن‌ والقوانين‌ قضـايا كلّيّة‌ عمليّة‌ صـورها: يجب‌ أن‌ يفعل‌ كذا عند كذا أو يحرم‌ أو يجوز، وهي‌ أيّاماً كانت‌ معتبرة‌ في‌ العمل‌ لغايات‌ مُصـلحـة‌ للاجتـماع‌ والمجـتمـع‌ تتـرتّـب‌ عليـها تسـمّي‌ مصـالح‌ الاعمـال‌ ومفاسدها.
3 ـ قد عرفت‌ أنّ الاءنسان‌ إنّما ينال‌ ما قدر له‌ من‌ كمال‌ وسعادة‌ بعقد مجتمع‌ صالح‌ تحكم‌ فيه‌ سنن‌ وقوانين‌ صالحة‌ تضمن‌ بلوغه‌ ونيله‌ سعادته‌ التي‌ تليق‌ به‌، وهذه‌ السعادة‌ أمر أو أُمور كماليّة‌ تكوينيّة‌ تلحق‌ الاءنسان‌ الناقص‌ الذي‌ هو أيضاً موجود تكويني‌ّ، فتجعله‌ إنساناً كاملاً في‌ نوعه‌ تامّاً في‌ وجوده‌.
فهذه‌ السنن‌ والقوانين‌ ـوهي‌ قضايا عمليّة‌ واعتباريّة‌ـ واقعة‌ بين‌ نقـص‌ الاءنـسـان‌ وكماله‌، متوسـطة‌ كالعـبرة‌ بين‌ المنـزلتـين‌، وهي‌ ـكما عرفت‌ـ تابعة‌ للمصالح‌ التي‌ هي‌ كمال‌ أو كمالات‌ إنسانيّة‌، وهذه‌ الكمالات‌ أُمور حقيقيّة‌ مسانخة‌ ملائـمة‌ للنواقص‌ التي‌ هي‌ مصاديق‌ حوائـج‌ الاءنسان‌ الحقيقيّة‌.
فحـوائج‌ الاءنسـان‌ الحقيقيّة‌ هي‌ التي‌ وضعـت‌ هذه‌ القضـايا العـمليّة‌ واعتبرت‌ هذه‌ النواميس‌ الاعتباريّة‌، والمراد بالحوائج‌ هي‌ ما تطلبه‌ النفس‌ الاءنسانيّة‌ بأميالها وعزائمـها، ويصدّقه‌ العقل‌ الذي‌ هو القوّة‌ الوحيـدة‌ التي‌ تميّز بين‌ الخير والنافع‌ وبين‌ الشرّ والضارّ، دون‌ ما تطلبه‌ الاهواء النفسانيّة‌ ممّا لايصدّقه‌ العقل‌، فإنه‌ كمال‌ حيواني‌ّ غير إنساني‌ّ.
فأُصول‌ هذه‌ السنن‌ والقوانين‌ يجب‌ أن‌ تكون‌ الحوائج‌ الحقيقيّة‌ التي‌ هي‌ بحسب‌ الواقع‌ حوائج‌ لا بحسب‌ تشخيص‌ الاهواء النفسانيّة‌.
وقد عرفت‌ أنّ الصنع‌ والاءيجاد قد جهّز كلّ نوع‌ من‌ الانواع‌ ـومنها الاءنسان‌ـ من‌ القوي‌ والادوات‌ بما يرتفع‌ بفعّاليّته‌ حوائجه‌ ويسلك‌ به‌ سبيل‌ الكمال‌، ومنه‌ يستنتج‌ أنّ للجهازات‌ التكوينيّة‌ التي‌ جهّز بها الاءنسان‌ اقتضاءات‌ للقضايا العمليّة‌ المسمّاة‌ بالسنن‌ والقوانين‌، التي‌ بالعمل‌ بها يستقرّ الاءنسان‌ في‌ مقر كماله‌ مثل‌ السنن‌ والقوانين‌ الراجعة‌ إلي‌ التغذّي‌ المعتبرة‌ بما أنّ الاءنسان‌ مجهّز بجهاز التغذّي‌، والراجعة‌ إلي‌ النكاح‌ بما أنّ الاءنسان‌ مجهّز بجهاز التوالد والتناسل‌

الدرس الرابع و الثلاثون
أقسام الكمال


ملاحظة: هذا المبحث من مقدمات المقام الثاني من البحث (الحسن و القبح في أفعال الإنسان)

أولا: الكمال الاجتماعي

· أحد المسالك في علم الأخلاق هو الكمال الاجتماعي أي أن يكون مدح العقلاء و ذمهم هو المحرك للفعل ، و يقول السيد العلامة أن هذا المحرك هو ما ورثناه من اليونانيين و غيرهم في فلسفة الأخلاق ، ص355 ج1 من الميزان (( إذا عرفت ما ذكرناه علمت أن الطريق إلى تهذيب الأخلاق واكتساب الفاضلة منها أحد مسلكين:
المسلك الأول: تهذيبها بالغايات الصالحة الدنيوية، والعلوم والآراء المحمودة عند الناس كما يقال: إن العفة وقناعة الإنسان بما عنده والكف عما عند الناس توجب العزة والعظمة في أعين الناس والجاه عند العامة، وإن الشره يوجب الخصاصة والفقر، وإن الطمع يوجب ذلة النفس المنيعة، وإن العلم يوجب إقبال العامة والعزة والوجاهة والإنس عند الخاصة، وإن العلم بصرٌ يتقي به الإنسان كل مكروه، ويدرك كل محبوب وإن الجهل عمى، وإن العلم يحفظك وأنت تحفظ المال، وإن الشجاعة ثبات يمنع النفس عن التلون والحمد من الناس على أي تقدير سواء غلب الإنسان أو غلب عليه بخلاف الجبن والتهور، وإن العدالة راحة النفس عن الهمم المؤذية، وهي الحياة بعد الموت ببقاء الاسم وحسن الذكر وجميل الثناء والمحبة في القلوب.
وهذا هو المسلك المعهود الذي رتب عليه علم الأخلاق، والمأثور من بحث الأقدمين من يونان وغيرهم فيه. ولم يستعمل القرآن هذا المسلك الذي بنائه على انتخاب الممدوح عند عامة الناس عن المذموم عندهم، والأخذ بما يستحسنه الاجتماع وترك ما يستقبحه، نعم ربما جرى عليه كلامه تعالى فيما يرجع بالحقيقة إلى ثواب أخروي أو عقاب أخروي كقوله تعالى: (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة) البقرة/ 150. ))

· جملة من المباحات لا نقوم بها لكي لا نسقط في أعين الناس و بالتالي لا يمكن لإنسان أن يتخلص من المحرك الاجتماعي
· ليس إشكالنا على هذا المسلك هو أن يراعي الإنسان الناس في بعض الأمور بل في أن يكون المحرك الأخلاقي عنده في جميع الأمور هو طلب (الكمال الاجتماعي)
· بين الطباطبائي مراعاة القرآن للنظرة الاجتماعي ضاربا عدة أمثلة حيث يقول تكملة للنص السابق: (( ولم يستعمل القرآن هذا المسلك الذي بنائه على انتخاب الممدوح عند عامة الناس عن المذموم عندهم، والأخذ بما يستحسنه الاجتماع وترك ما يستقبحه، نعم ربما جرى عليه كلامه تعالى فيما يرجع بالحقيقة إلى ثواب أخروي أو عقاب أخروي كقوله تعالى: (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة) البقرة/ 150. دعا سبحانه إلى العزم والثبات، وعلله بقوله: (لئلا يكون)، وكقوله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا) الأنفال/ 46، دعا سبحانه إلى الصبر وعلله بأن تركه وايجاد النزاع يوجب الفشل وذهاب الريح وجرأة العدو، وقوله تعالى: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) الشورى/ 43، دعا إلى الصبر والعفو، وعلله بالعزم والإعظام. ))

ثانيا: الكمال الأخروي

· بينا أن هنالك من يعبد الله طمعا في جنته و هنالك من يعبد الله تعالى خوفا من ناره و هؤلاء هم طالبوا الكمال الأخروي ، و يقول عنهم الشيخ الرئيس : (( الذين يستحلون توسيط الحق )) أي يريدون الله تعالى لا لأنه الله بل لأنه يوصلهم إلى الجنة و يخلصهم من النار و إلا لما عبدوه
· يقول الطباطبائي : ((المسلك الثاني: الغايات الأخروية، وقد كثر ذكرها في كلامه تعالى كقوله سبحانه: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) التوبة/ 111، وقوله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر/ 10، وقوله تعالى: (إن الظالمين لهم عذاب أليم) إبراهيم/ 22، وقوله تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) البقرة/ 257، وأمثالها كثيرة على اختلاف فنونها. )) إلى أن يقول : ((وهذا المسلك أعني الطريقة الثانية في إصلاح الأخلاق طريقة الأنبياء، ومنه شيء كثير في القرآن، وفيما ينقل إلينا من الكتب السماوية. ))

ثالثا: الكمال الإلهي

· و يشرحه الطباطبائي قائلا : (( وههنا مسلك ثالث: مخصوص بالقرآن الكريم لا يوجد في شيء مما نقل إلينا من الكتب السماوية، وتعاليم الأنبياء الماضين سلام الله عليهم أجمعين، ولا في المعارف المأثورة من الحكماء الإلهيين، وهو تربية الإنسان وصفاً وعلماً باستعمال علوم ومعارف لا يبقى معها موضوع الرذائل، وبعبارة أخرى إزالة الأوصاف الرذيلة بالرفع لا بالدفع. وذلك كما أن كل فعل يراد به غير الله سبحانه فالغاية المطلوبة منه إما عزة في المطلوب يطمع فيها، أو قوة يخاف منها ويحذر عنها، لكن الله سبحانه يقول: (إن العزة لله جميعاً) يونس/ 65، ويقول: (إن القوة لله جميعاً) البقرة/ 165، والتحقق بهذا العلم الحق )) و التحقق يختلف عن مجرد العلم فهو إيمان حاصل عن العمل علاوة على العلم الحصولي (( لا يبقى موضوعاً لرياء، ولا سمعة، ولا خوف من غير الله، ولا رجاء لغيره، ولا ركون إلى غيره، فهاتان القضيتان إذا صارتا معلومتين للإنسان تغسلان كل ذميمة وصفاً أو فعلاً عن الانسان وتحليان نفسه بحلية ما يقابلها من الصفات الكريمة الإلهية من التقوى بالله ، والتعزز بالله وغيرهما من مناعة وكبرياء واستغناء وهيبة إلهية ربانية. وأيضاً قد تكرر في كلامه تعالى: (( أن الملك لله )) ، وأن له ملك السماوات والأرض وأن له ما في السماوات والأرض ، وحقيقة هذا الملك كما هو ظاهر لا تبقى لشيء من الموجودات استقلالاً دونه ، واستغناء عنه بوجه من الوجوه، فلا شيء إلا وهو سبحانه المالك لذاته ولكل ما لذاته، وإيمان الإنسان بهذا الملك وتحققه )) أي الإنسان (( به يوجب سقوط جميع الأشياء ذاتاً ووصفاً وفعلاً عنده عن درجة الاستقلال ، فهذا الإنسان لا يمكنه أن يريد غير وجهه تعالى ، ولا أن يخضع لشيء، أو يخاف أو يرجو شيئاً، أو يلتذ أو يبتهج بشيء، أو يركن إلى شيء أو يتوكل على شيء أو يسلم لشيء أو يفوض إلى شيء، غير وجهه تعالى، وبالجملة لا يريد ولا يطلب شيئاً إلا وجهه الحق الباقي بعد فناء كل شيء، ولا يعرض إعراضاً ولا يهرب إلا عن الباطل الذي هو غيره الذي لا يرى لوجوده وقعاً ولا يعبأ به قبال الحق الذي هو وجود باريه جل شأنه ))
· إذا اعتقد الإنسان بحقيقة أن (( كل شيء هالك إلا وجهه )) فلا معنى عندئذ عنده بأن يتوسل أو يستعين بالهالك
· ملخص: 3 مسالك (1) مبتني على مدح العقلاء و ذمهم و النظرة الاجتماعية (2) مبتني على الجزاء الأخروي (3) مبتني على طلب القرب من الله

تطبيقات

· تترتب على المسالك السابقة نتائج مهمة في علم الأخلاق
· مثال: للتخلص من رذيلة الجبن يقول الطباطبائي : (( مثاله أن يقال إن الجبن إنما يحصل من تمكن الخوف من النفس ، والخوف إنما يكون من أمر ممكن الوقوع وعدم الوقوع ، والمساوي الطرفين يقبح ترجيح أحد طرفيه على الآخر من غير مرجح والانسان العاقل لا ينبغي له ذلك فلا ينبغي للانسان أن يخاف فإذا لقن الانسان نفسه هذا القول ثم كرر الاقدام والورود في المخاوف والمهاول زالت عنه رذيلة الخوف ، وهكذا الامر في غيره من الرذائل والفضائل فهذا ما يقتضيه المسلك الاول على ما تقدم في البيان وخلاصته إصلاح النفس وتعديل ملكاتها لغرض الصفة المحمودة والثناء الجميل. ونظيره ما يقتضيه المسلك الثاني ، وهو مسلك الانبياء وأرباب الشرائع ، وإنما التفاوت من حيث الغرض والغاية ، فإن غاية الاستكمال الخلقي في المسلك الاول الفضيلة المحمودة عند الناس والثناء الجميل منهم ، وغايته في المسلك الثاني السعادة الحقيقية للانسان وهو استكمال الايمان بالله وآياته ، والخبر الاخروي وهي سعادة وكمال في الواقع لا عند الناس فقط ، ومع ذلك فالمسلكان يشتركان في أن الغاية القصوى والغرض فيها الفضيلة الانسانية من حيث العمل وأما المسلك الثالث المتقدم بيانه فيفارق الاولين بأن الغرض فيه ابتغاء وجه الله لا اقتناء الفضيلة الانسانية ولذلك ربما اختلف المقاصد التي فيه مع ما في المسلكين الاولين فربما كان الاعتدال الخلقي فيه غير الاعتدال الذي فيهما وعلى هذا القياس ، بيان ذلك أن العبد إذا أخذ إيمانه في الاشتداد والازدياد انجذبت نفسه إلى التفكير في ناحية ربه ، واستحضار أسمائه الحسنى ، وصفاتة الجميلة المنزهة عن النقص والشين ولا تزال تزيد نفسه انجذابا ، وتترقى مراقبة حتى صار يعبد الله كأنه يراه وأن ربه يراه ، ويتجلي له في مجالي الجذبة والمراقبة والحب فيأخذ الحب في الاشتداد لان الانسان مفطور على حب الجميل ، وقد قال تعالى : « والذين آمنوا أشد حبا لله » البقرة ـ 165 ، وصار يتبع الرسول في جميع حركاته وسكناته لان حب الشئ يوجب حب آثاره ، والرسول من آثاره وآياته كما أن العالم أيضا آثاره وآياته تعالى ، ولا يزال يشتد هذا الحب ثم يشتد حتى ينقطع إليه من كل شئ ، ولا يحب إلا ربه ، ولا يخضع قلبه إلا لوجهه فان هذا العبد لا يعثر بشئ ، ولا يقف على شئ وعنده شئ من الجمال والحسن إلا وجد أن ما عنده انموذج يحكي ما عنده من كمال لا ينفد وجمال لا يتناهى وحسن لا يحد ، فله الحسن والجمال والكمال والبهاء ، وكل ما كان لغيره فهو له ، لان كل ما سواه آية له ليس له إلا ذلك ، والآية لا نفسية لها ، وإنما هي حكاية تحكي صاحبها ، وهذا العبد قد استولى سلطان الحب على قلبه ، ولا يزال يستولي ، ولا ينظر إلى شئ إلا لانه آية من آيات ربه ، وبالجملة فينقطع حبه عن كل شئ إلى ربه ، فلا يحب شيئا إلا لله سبحانه وفي الله سبحانه. ))

اختلاف أحكام العقل عن أحكام الحب

· تختلف أحكام العقل عن الحب فكثير من أعمال الأولياء غير مقبولة عقلا ولكنها مقبولة بمنطق الحب ، و هذا سبب اختلاف نظرة العرفاء عن نظرة الحكماء في كثير من الموارد فالأول ينظر إلى الأشياء بنظرة الحب و الثاني بنظرة العقل ، و هل الدين إلا الحب ، ألا ترى الحسين (ع) يبكي عن قاتليه لأنهم يدخلون النار بسببه و العقل لا يرى هذا البكاء حسنا و لكن القلب يرى ذلك حسنا

الدرس الخامس و الثلاثون


الشريط تالف و ننقل كلام الطباطبائي الذي نظن أن السيد الحيدري اعتمد عليه في درسه و هو في مراتب التقوى:

مراتب التقوى

من الحقائق التياشار اليها القران الكريم ، ان التقوى لها مراتب متعددة ، قال تعالى : «اتقوا الله حق تقاته»(1) . وذلك معناه ان للتقوىمرتبة هي حق التقوى ، وان هناك مراتب دون هذه المرتبة ، قال في الميزان : « اذا اخذالتقوى حق التقوى ، كان محض العبودية التي لا تشوبها انية وغفلة ، وهي الطاعة منغير معصية ، والشكر من غير كفر ، والذكر من غير نسيان . وهذا المعنى غير ما يستفادمن قوله تعالى : «فاتقوا الله ما استطعتم»(2) . فان هذه الايةتعني ان لا تذروا التقوى في شيء مما تستطيعونه . غير ان الاستطاعة تختلف باختلافقوى الاشخاص وافهامهم وهممهم . ولا ريب ان حق التقوى بالمعنى الذي ذكرناه ، ليس فيوسع كثير من الناس ،

فان في هذا المسير الباطني مواقف ومعاهد ومخاطر لا يعقلها الا العالمون ، ودقائقولطائف لا يتنبه لها الا المخلصون . فرب مرحلة من مراحل التقوى لا يصدق الفهمالعامي بكونها مما تستطيعه النفس الانسانية ، فيجزم بكونها غير مستطاعة ، وان كاناهل التقوى الحقة خلفوها وراء ظهورهم ، واقبلوا بهممهم على ما هو اشق واصعب . فمحصل الايتين«اتقوا الله حق تقاته»و«فاتقوا الله ما استطعتم»انيندب جميع الناس ويدعوا الى حق التقوى ، ثم يؤمروا بالسير الى هذا المقصد ما قدرواواستطاعوا . وينتج ذلك ان يقع الجميع في صراط التقوى الا انهم في مراحل مختلفة ،وعلى درجات متفاوته ، على طبق ما عندهم من الافهام والهمم ، وعلى ما يفاض عليهم منتوفيق الله وتاييده وتسديده ، فهذا ما يعطيه التدبر في معنى الايتين ، حيث تدعوالاولى الى المقصد والثانية تبين كيفية السلوك » (1). مما تقدم يتضح انالتقوى ليست مقاما دينيا خاصا ، بل هي حالة روحية تجامع جميع المقامات المعنوية ،اي ان لكل مقام معنوي تقوى خاصة تختص به . وقد اشار القران الكريم الى بعض مراتبعبادة ، وذكر لكل مرتبة نوعا من العلم والمعرفة والعمل ، لا يوجد في المرتبة الاخرى . فمثلا ذكر الموقنين وخص بهم مشاهدة ملكوت السموات والارض ، حيث قال :«وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من

الموقنين»(1). وذكر المنيبين وخص بهمالتذكر ، قال تعالى : «وما يتذكر الا منينيب»(2) . وذكر العالمين ، وخص بهم انهم يعقلون الامثال القرانية ، قالتعالى :«وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الاالعالمون»(3)وكانهم هم اولوالالباب والمتدبرون ، لقوله تعالى :«افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها»(4). وأشار الى المطهرين ، وخص بهم العلم بتاويل القران وباطنه ، قالتعالى :«انه لقران كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه الاالمطهرون»(5) . وذكر الاولياء وهم اهل الوله والمحبة لله ، وخص بهم انهم لايلتفتون الى شيء الا الله سبحانه ، ولذلك لا يخافون شيئا ولا يحزنون لشيء ، قالتعالى : «الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هميحزنون»(6) . وهكذا بالنسبة الى المقربين والمخبتين والصديقين والصالحينوالمؤمنين ، حيث اشار الى خواصهم ومراتبهم . لذا قالامام المتقين علي امير المؤمنين (عليه السلام) بعد ان ذكر «ان

لكل ماموم اماما يقتدي به ويستضيء بنور علمه ، الا وان امامكم قد اكتفى من دنياهبطمريه ، ومن طعمه بقرصيه»قال : «الا وانكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن اعينوني بورع واجتهاد ، وعفة وسداد»(1) . وقد اشار بعض اهل المعرفة الى ان للتقوى عشر مراتب : الاولى :الاجتناب عن محارم الله تعالى ، والقيامبما اوجبه عليهم من التكاليف الشرعية . الثانية :الاجتناب المذكور مضافا الى المحللات الشرعية الا بقدر الضرورة . وهذا ما اشار اليهسيد العارفين علي امير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال : «ولو شئت لا هتديت الطريق الى مصفى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القز ، ولكن هيهات ان يغلبني هواي ، ويقودني جشعي الى تخير الاطعمة ، ولعل بالحجاز او اليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع ، او ابيت مبطانا وحولي بطون غرثى ، واكباد حرى ، او اكون كما قال القائل :
وحسبك داء ان تبيت ببطنة

وحولك اكباد تحن الى القد

ااقنع من نفسي بان يقال امير المؤمنين، ولا اشاركهم في مكارهالدهر ، او اكون اسوة لهم في جشوبة العيش ، فما خلقت ليشغلني اكل الطيبات كالبهيمةالمربوطة همها علفها ...»(2).


الثالثة :عن الرياء مع الاخلاص . الرابعة:عن الكثرة مع الوحدة . الخامسة :عن التفرقة مع الجمعة . السادسة :عن الشك مع اليقين . السابعة :عن الشرك معالتوحيد . الثامنة :عن الوقوف مع ظواهر القراندون بواطنه . التاسعة :عن رؤية النفس مع مشاهدةالرب . العاشرة :عن مشاهدات الوجودات المقيدة معالوجود المطلق ، اعني عن مشاهدة وجود الخلق مع وجود الحق» (1) . هذه المراتب العشر ،ترتبط بمقامات السلوك العشرة التي هي : البدايات ، والابواب ، والمعاملات ،والاخلاق ، والاصول ، والاودية ، والاحوال ، والولايات ، والحقائق ، والنهايات. وتفصيل الحديث عن هذه المراتب وتلك المقامات موكول الى دراسة اخرى اعمق واكثرتفصيلا ، ان شاء الله تعالى .

طبقاتالناس



الدرس السادس و الثلاثون


ملخص الدرس السابق

· درجات الإيمان متفاوتة و مختلفة شدة و ضعفا ، نقصانا و زيادة ، فالإيمان ليس بنحو التواطي بل على نحو التشكيك
· الدليل على ذلك أن الإيمان هو الذي يتركب من العلم و التقوى و حيث أن للعلم مراتب متعددة فبنتيجة الحال يكون الإيمان له مراتب متعددة ، فهذا دليل عقلي على المطلب كما أن هنالك العديد من الأدلة النقلية

بحث روائي في تفاوت مراتب الإيمان

· ج3 الكافي ص42: عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال: ان الله عز وجل وضع الإيمان على سبعة اسهم على البر والصدق واليقين والرضا والوفاء والعلم والحلم ثم قسم ذلك بين الناس فمن جعل فيه هذه السبعة أسهم فهو كامل محتمل وقسم لبعض الناس سهم ولبعض السهمين ولبعض الثلاثة حتى انتهوا إلى سبعة ثم قال لا تحملوا على صاحب السهم سهمين ولا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهضوهم ثم قال كذلك حتى ينتهي إلى السبعة
· تبهضوهم أي تثقلوا عليهم و توقعوهم في الشدة
· ص44 ج2 من الكافي ، قال سمعت أبا عبد الله الصادق (ع) يقول : لو علم الناس كيف خلق الله تبارك و تعالى هذا الخلق لم يلم أحد أحدا فقلت: أصلحك الله فكيف ذاك؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق أجزاء بلغ بها تسعه وأربعين جزء ا. ثم جعل الاجزاء أعشارا فجعل الجزء عشرة أعشار، ثم قسمه بين الخلق فجعل في رجل عشر جزء وفي آخر عشري جزء حتى بلغ به جزء ا تاما وفي آخر جزء ا وعشر جزء وآخر جزءا وعشري جزء وآخر جزءا وثلاثة أعشار جزء حتى بلغ به جزأين تامين ، ثم بحساب ذلك حتى بلغ بأرفعهم تسعة وأربعين جزءا ، فمن لم يجعل فيه إلا عشر جزء لم يقدر على أن يكون مثل صاحب العشرين وكذلك صاحب العشرين لا يكون مثل صاحب الثلاثة الأعشار وكذلك من تم له جزء لا يقدر على أن يكون مثل صاحب الجزأين ولو علم الناس أن الله عز وجل خلق هذا الخلق على هذا لم يلم أحد أحدا
· تعليق على الرواية: التفاوت بين الخلق ليس اعتباطيا كما سيأتي و ليس ترجيحا بلا مرجح
· بيان للرواية السابقة و أنه لو علم الناس كيف الخلق لما لام أحد أحدا برواية أخرى و هي ما روي عن سراج وكان خادما لأبي عبد الله (ع) قال : بعثني أبو عبد الله (ع) في حاجة وهو بالحيرة أنا وجماعة من مواليه ، فانطلقنا فيها ثمّ رجعنا مغتمين ، وكان فراشي في الحائر الّذي كنّا فيه نزولاً ، فجئت وأنا بحالٍ فرميت بنفسي ، فبينا أنا كذلك إذا أنا بأبي عبد الله قد أقبل ، فقال :قد أتيناك - أو قال : جئناك - فاستويت جالساً وجلس على صدر فراشي ، فسألني عمّا بعثني له ، فأخبرته فحمد الله ثمّ جرى ذكر قومٍ ، فقلت :جُعلت فداك !.. إنّا نبرأ منهم ، إنّهم لا يقولون ما نقول ، فقال:يتولّونا ولا يقولون ما تقولون ، تبرؤون منهم ؟.. قلت : نعم ، قال:فهو ذا عندنا ما ليس عندكم ، فينبغي لنا أن نبرأ منكم ؟.. قلت : لا ، جُعلت فداك !.. قال : وهو ذا عند الله ما ليس عندنا ؟.. أقتراه أطرحنا ؟.. قلت : لا والله ، جُعلت فداك !.. ما نفعل ، قال ::فتولّوهم ولا تبرؤا منهم .. إنّ من المسلمين مَن له سهمٌ ، ومنهم مَن له سهمان ومنهم مَن له ثلاثة أسهم ، ومنهم مَن له أربعة أسهم ، ومنهم مَن له خمسة أسهم ، ومنهم مَن له ستّة أسهم ، ومنهم مَن له سبعة أسهم .فلا ينبغي أن يحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين ، ولا صاحب السهمين على ما عليه صاحب الثلاثة ، ولا صاحب الثلاثة على ما عليه صاحب الأربعة ولا صاحب الأربعة على ما عليه صاحب الخمسة ، ولا صاحب الخمسة على ما عليه صاحب السّتة ، ولا صاحب الستّة على ما عليه صاحب السبّعة .
· استطاع صدر المتأهلين أن يبرهن على تفاوت مراتب الوجود من خلال بحثه عن الحركة الجوهرة و اتحاد العالم و المعلوم
· وروى عن محمد بن حماد الخزاز عن عبد العزيز القراطيسي انه قال: قال لي أبو عبد الله الصادق (ع) يا عبد العزيز، أن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست على شيء حتى ينتهي إلى العاشرة، ولا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره، فان من كسر مؤمناً فعليه جبره
· يتصور الإنسان أحيانا أنه بلغ مرتبة من زاد عنها غلا و من كان دونها قصر ، و الواقع أن (( و فوق كل ذي علم عليم )) فلا يجوز أن يبرأ الإنسان من غيره من الموالين لأن الولاء و التشيع عن نحو التشكيك لا التواطي
· لا ينبغي لأحد أن يتوقع أن جميع الناس بنفس درجته في العقائد
· مهما بلغ المعلول من الكمالات يبقى بدرجة دون علته (( وفوق كل ذي علم عليم ))
· النتيجة: الإيمان يكون تابعا للعلم فكلما كان العلم أقوى و أشد كان الإيمان بتبع ذلك أقوى و أشد و كلما كان العلم أضعف كان الإيمان بتبعه أضعف

العلم الكشفي[1]

· العلم الحضوري أكمل من الحصولي و بالتالي تكون أشرف مراتب العلم هي العلوم الكشفية الشهودية
· السيد العلامة في (( و ذلك كله لما أن ميز طبقتهم و أساسها المحبة الإلهية ))
· يوجد حد أدنى لا يختلف فيه أصحاب أي طبقة من طبقات المعرفة
· يشير السيد العلامة في مجموعة المقالات بأن ما يدرك بالمكاشفة لا يمكن أن يدرك بغيره كالعقل و الحواس ، فإذا جئنا مثلا إلى صبي غير بالغ لا يدرك لذة الجماع و شرحت له هذه اللذة أشهرا و سنينا فإنه لن يدرك أبدا هذه اللذة ، و كذلك لو أردت أن تشرح لمن ولد أعمى طبيعة المرئيات فإنه لن يدرك ذلك أبدا و لكنه قد يحفظ الاصطلاح ، لذا يبين العلامة الطباطبائي الفرق بين المرتبة الأولى و الثانية و الثالثة بقوله (( فالفرق بينها و بين الآخرين فرق في نحو العلم و الإدراك دون قوته و ضعفه و تأثيره و عدم تأثيره ))

من ثمرات هذا البحث

· لكل مرتبة من مراتب العلم و الإيمان و التقوى حكم يخصها ، و لكن هنالك حد أدنى مشترك بين جميع هذه المراتب
· مثال: الشخص قد يكون مسؤولا عن منزله ، و قد يضاف إلى هذه المسؤولية أن يكون مسؤولا عن مدرسة أو عن وزارة أو دولة ، فهذه مراتب متعددة من المسؤولية تشترك في الحد الأدنى فالمسؤول عن الدولة مسؤول عن أسرته أيضا
· (( إن الدين عند الله الإسلام )) هو مشترك لا خلاف فيه
· مثال للتفاوت في الإيمان هو قياسنا بعض فضائل أهل البيت (ع) عن أنفسنا
· من هنا يتبين أن الانبغاء و عدم الانبغاء بالنسبة إلى رسول الله (ص) و أهل البيت (ع) يتوافق مع رتبتهم و هو مختلف عنه عندنا (( حسنات الأبرار سيئات المقربين ))
· قد يكون شيء بالنسبة إلى طبقة حسن و بالنسبة إلى طبقة أخرى قبيحا[2]
· إلى هنا نحن انتهينا إلى مجموعة من المقدمات و القواعد التي ستساعدنا كثيرا في فهم الحسن و القبح ، و في البحث الآتي سنبين بأن هنالك أفعالا لا ينبغي للإنسان أن يفعلها و هي قبيحة ، فهنالك أفعال قبيحة و هي أمور وجودية ، و لكن كيف يمكننا أن نوفق بين ذلك و بين قوله تعالى (( الله خالق كل شيء الذي أحسن كل شيء خلقه )) فكيف خلق الله القبيح؟ فلو كان كل شيء حسن لماذا قال الشارع أن هذا و ذاك حرام؟ فالآية تثبت بنحو الموجبة الكلية أن كل شيء حسن ، و نحن قد أرجعنا الحسن في العقل العملي إلى الكمال في العقل النظري

[1] تحدث السيد في الدرس السابق التالف عن هذا الموضوع بالتفصيل

[2] لاحظ أن هذا التعبير للسيد يستبطن إنكارا لواقعية الحسن و القبح الفعليين و إثباتا للحسن و القبح الفاعليين

الدرس السابع و الثلاثون


الدرس السابق

· بينا بعض المقدمات اللازمة لبيان الأفعال التي ينبغي على الإنسان أن يفعلها و الأفعال التي لا ينبغي عليه أن يفعلها

القوى المتعددة في الإنسان

· هناك جملة من الأفعال في عين كونها "ينبغي أن تفعل" هي "لا ينبغي أن تفعل" و ليس هذا جمع بين النقيضين ، فهنالك أفعال جميلة كاملة إلا أنها في نفس الوقت قبيحة و حرام
· أحد الشبهات التي أوقعت الأشاعرة في الجبر و المعتزلة في التفويض هي أننا نرى بعض الأفعال "ينبغي أن تفعل" لأنها حسنة و كمال و نجدها مخلوقة لله تعالى لأن الله خالق كل شيء كما نرى أن الله تعالى نهى عنها فاجتمعت الإرادة التكوينية و عدم الإرادة التشريعية
· للإنسان – كما حقق في علم النفس الفلسفي – قوى متعددة و هي (1) الشهوية (2) الغضبية (3) النطقية أو الملكية
· هذه القوى جميعا موجودة بوجود واحد و ليس بعضها منعزل عن بعض ، فعلى سبيل المثال نجد النفس و البدن موجودين بوجود واحد فإذا احترق البدن تألمت النفس دون إمكان الفصل بينهما ، و إذا خجلت النفس مثلا بسبب تذكر موقف محرج نجد عرق الإنسان يتصبب ، و مثال آخر إذا رأينا زيدا القائم فإن وجود زيد و وجود القيام وجود واحد ، و هذه مجرد أمثلة قد تقرب من وجه و تبعد من آخر
· يقول النراقي في جامع السعادات ج1 : ((وله قوى أربع: قوة عقلية ملكية، وقوة غضبية سبعية، وقوة شهوية بهيمية، وقوة وهمية شيطانية. و(الأولى) شأنها إدراك حقائق الأمور، والتمييز بين الخيرات والشرور، والأمر بالأفعال الجميلة، والنهي عن الصفات الذميمة. و(الثانية) موجبة لصدور أفعال السباع من الغضب والبغضاء، والتوثب على الناس بأنواع الأذى. و(الثالثة) لا يصدر عنها إلا أفعال البهائم من عبودية الفرج والبطن، والحرص على الجماع والأكل. و(الرابعة) شأنها استنباط وجوه المكر والحيل، والتوصل إلى الأغراض بالتلبيس والخدع ))
· لاحظ إرجاع النراقي للتمييز بين الخيرات و الشرور و الانبغاء و عدمه إلى القوة العاقلة ، و المقصود بها العقل العملي كما بينا
· بين الفيض الكاشاني في بداية المحجة البيضاء أسباب تسمية النفوس
· سؤال: لماذا لم يخلق الله خلقا كله وجود عقلي ملكي؟
· الجواب: الله سبحانه خلق الملائكة و هم وجود كله عقلي ملكي
· سؤال: لماذا لم يخلقني الله ملكا؟ و لماذا جعل فيني تلك القوى؟ و هل هذا كمال أم نقص؟
· جواب: بينا أن الكامل لا يصدر عنه إلا الكامل (البرهان اللمي) و أننا أيضا استدللنا بالخلق على كماله (البرهان الإني)
· يكمل النراقي العبارة السابقة قائلا : (( والفائدة في وجود القوة الشهوية بقاء البدن الذي هو آلة تحصيل كمال النفس، وفي وجود الغضبية أن يكسر سورة الشهوية والشيطانية، ويقهرهما عند انغمارهما في الخداع والشهوات. واصرارهما عليهما، لأنهما لتمردهما لا تطيعان العاقلة بسهولة، بخلاف الغضبية فانهما تطيعانها وتتأدبان بتأديبها بسهولة ولذ قال أفلاطون في صفة السبعية والبهيمية: " أما هذه أي السبعية فهي بمنزلة الذهب في اللين والانعطاف، وأما تلك أي البهيمية فهي بمنزلة الحديد في الكثافة والامتناع " وقال أيضاً: " ما أصعب أن يصير الخائض في الشهوات فاضلا، فمن لا تطيعه الواهمة و الشهوية في إيثار الوسط فليستعن بالقوة الغضبية المهيجة للغيرة، والحمية حتى يقهرهما " فلو لم يمتثلا مع الاستعانة فان لم تحصل له ندامة بعد ارتكاب مقتضاهما دل على غلبتهما على العاقلة ومقهوريتها عنهما، وحينئذ لا يرجى صلاحه، وإلا فالإصلاح ممكن فليجتهد فيه ولا ييأس من روح الله ، فان سبل الخيرات مفتوحة، وأبواب الرحمة الإلهية غير مسدودة. ))
· القوة الشهوية و الشيطانية لا تأتمر في كثير من الأحيان بأوامر القوة العقلية بل بأوامر القوة الغضبية
· يبين صاحب جامع السعادات أن القوة الواهمة و الخيال و المتخيلة هي قوى أخرى موجودة عند الإنسان مختلفة عما ذكرناه من القوى
· يمثل لاجتماع القوى السابقة في الإنسان باجتماع كلب (السبعية) و خنزير (الشهوية) و شيطان (الشيطانية) و حكيم أو ملك (العقلية) و أن بين هذه الوجودات الأربعة منازعة دائمة و من صار غالبا منها صار الملك له ، قال النراقي ((ثم مثل اجتماع هذه القوى في الإنسان كمثل اجتماع ملك، أو حكيم وكلب وخنزير وشيطان في مربوط واحد، وكان بينها منازعة، وأيها صار غالباً كان الحكم له، ولم يظهر من الأفعال والصفات إلا ما تقتضيه جبلته فكان إهاب الإنسان وعاء اجتمع فيه هذه الأربع، فالملك أو الحكيم هو القوة العاقلة، والكلب هو القوة الغضبية، فان الكلب ليس كلباً ومذموماً للونه وصورته بل لروح معنى الكلبية والسبعية أعني الضراوة والتكلب على الناس بالعقر والجرح، والقوة الغضبية موجبة لذلك، فمن غلب فيه هذه القوة هو الكلب حقيقة، وان اطلق عليه اسم الإنسان مجازاً، والخنزير هو القوة الشهوية، والشيطان هو القوة الوهمية، والتقريب فيهما كما ذكر، والنفس لا تزال محل تنازع هذه القوى وتدافعها إلى أن يغلب احداها، فالغضبية تدعوه إلى الظلم والإيذاء، والعداوة والبغضاء، والبهيمية تدعوه إلى المنكر والفواحش، والحرص على المآكل والمناكح، والشيطانية تهيّج غضب السبعية وشهوة البهيمية، وتزيد[1][2] فعلهما، وتغري احداهما بالأخرى والعقل شأنه أن يدفع غيظ السبعية بتسليط الشهوية عليها، ويكسر سورة الشهوية بتسليط السبعية عليها، ويرد كيد الشيطان ومكره بالكشف عن تلبيسه ببصيرته النافذة، ونورانيته الباهرة، فان غلب على الكل بجعلها مقهورة تحت سياسته غير مقدمة على فعل إلا باشارته جرى الكل على المنهج الوسط، وظهر العدل في مملكة البدن، وإن لم يغلب عليها وعجز عن قهرها قهروه واستخدموه فلا يزال الكلب في العقر والإيذاء، والخنزير في المنكر والفحشاء، والشيطان في استنباط الحيل، وتدقيق الفكر في وجوه المكر والخدع، ليرضي الكلب ويشبع الخنزير، فلا يزال في عبادة كلب عقور أو خنزير هلوع أو شيطان عنود، فتدركه الهلاكة الأبدية، والشقاوة السرمدية، أن لم تغثه العناية الإلهية، والرحمة الأزلية. ))

مطلب: لكل واحدة من القوى الأربع ألم و لذة يخصها

· القوة الغضبية مثلا تقتضي الانتقام و كمالها و لذتها في الانتقام و لذا مجد أن الشارع أجاز القصاص من القاتل مع أنه حث على التسامح كقيمة إسلامية
· بعض الصوفية الجهلة ترك جانبا على حساب جناب و ليس منا من ترك دنياه لآخرته بل اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا
· يقول صاحب جامع السعادات ((لما عرفت أن القوى في الإنسان اربع: قوة نظرية عقلية، وقوة وهمية خيالية، وقوة سبعية غضبية، وقوة بهيمية شهوية ـ فاعلم انه بازاء كل واحدة منها لذة وألم، لأن اللذة ادراك الملائم، والألم ادرك غير الملائم، فلكل من الغرائز المدركة لذة هو نيله مقتضى طبعه الذي خلق لأجله، وألم هو ادراكه خلاف مقتضى طبعه: (فغريزة العقل) لما خلقت لمعرفة حقائق الأمور، فلذتها في المعرفة والعلم، وألمها في الجهل، و(غريزة الغضب) لما خلقت للتشفي والانتقام فلذتها في الغلبة التي يقتضيها طبعها وألمها في عدمها، و(غريزة الشهوة) لما خلقت لتحصيل الغذاء الذي به قوام البدن، فلذتها في نيل الغذاء، وألمها في عدم نيله، وهكذا في غيرها، فاللذات والآلام أيضاً على أربعة أقسام: العقلية والخيالية والغضبية والبهيمية. فاللذة العقلية كالانبساط[2][8] الحاصل من معرفة الأشياء الكلية وادراك الذوات المجردة النورية، والألم العقلي كالانقباض الحاصل من الجهل، واللذة الخيالية كالفرح الحاصل من ادراك الصور والمعاني الجزئية الملائمة، والألم الخيالي كاراك غير الملائمة منها. واللذة المتعلقة بالقوة الغضبية كالانبساط الحاصل من الغلبة ونيل المناصب والرياسات، والألم المتعلق بها كالانقباض الحاصل من المغلوبية والعزل والمرؤسية. واللذة البهيمية هي المدركة من الأكل والجماع وأمثالهما، والألم البهيمي ما يدرك من الجوع والعطش والحر والبرد وأشباهها. وهذه اللذات والآلام تصل إلى النفس وهي الملتذة والمتألمة حقيقة إلا أن كلاً منها يصل إليها بواسطة القوة التي تتعلق بها. والفرق بين الكل ظاهر. وربما يشتبه بين ما يتعلق بالوهم والخيال وما يتعلق بالقوة الغضبية من حيث اشتراكهما في الترتب على التخيل. ويدفع الاشتباه بأن ما يتعلق بالغضبية وإن توقف على التخيل إلا أن المتأثر بالالتذاذ والتألم بعد التخيل هو الغضبية وبواسطتها تتأثر النفس، ففي هذا النوع من اللذة والألم تتأثر الغضبية ثم تتاثر النفس. وأما ما يتعلق بالوهم والخيال فالمتأثر بالالتذاذ والتألم هاتان القوتان ويصل التأثر منهما إلى النفس من دون توسط القوة الغضبية. ومما يوضح الفرق أن الالتذاذ والتألم الخياليين لا يتوقفان على وجود غلبة ومغلوبية مثلا في الخارج، وأما الغضبيان فيتوقفان عليهما. ثم أقوى اللذات هي العقلية لكونها فعلية ذاتية غير زائلة باختلاف الأحوال، وغيرها من اللذات الحسية انفعالية عرضية منفعلة زائلة، وهي في مبدأ الحال مرغوبة عند الطبيعة، وتتزايد بتزايد القوة الحيوانية، وتتضعف بضعفها إلى أن تنتفى بالمرة، ويظهر قبحها عند العقل، وأما العقلية فهي في البداية منتفية، لأن ادراكها لا يحصل إلا للنفوس الزكية المتحلية بالأخلاق المرضية، وبعد حصولها يظهر حسنها وشرفها، وتتزايد بتزايد القوة العقلية إلى أن ينتهي إلى أقصى المراتب، ولا يكون نقص ولا زوال. والعجب ممن ظن انحصار اللذة في الحسية وجعلها غاية كمال الإنسان وسعادته القصوى. والمتشرعون منهم قصروا اللذات الآخرة على الجنة والحور والغلمان وأمثالها، وآلامها على النار والعقارب والحيات وأشباهها، وجعلوا الوصول إلى الأولى والخلاص عن الثانية غاية في زهدهم وعبادتهم وكأنهم لم يعلموا أن هذه عبادة الأجراء والعبيد تركوا قليل المشتهيات ليصلوا إلى كثيرها. وليت شعري أن ذلك كيف يدل على الكمال الحقيقي والقرب من الله سبحانه! ولا أدري أن الباكي خوفاً من النار وشوقاً إلى اللذات الجسمية المطلوبة للنفس البهيمية كيف يعد من أهل التقرب إلى الله سبحانه ويستحق التعظيم ويوصف بعلو الرتبة! وكأنهم لم يدركوا الابتهاجات الروحانية، ولا لذة المعرفة بالله وحبه وانسه ولم يسمعوا قول سيد الموحدين[3][9] (ص) " إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك ". وبالجملة لا ريب في أن الإنسان في اللذة الجسمية يشارك الخنافس والديدان والهمج من الحيوان، وإنما يشابه الملائكة في البصيرة الباطنة والأخلاق الفاضلة، وكيف يرتضي العاقل أن يجعل النفس الناطقة الشريفة خادمة للنفس البهيمية الخسيسة. والعجب من هؤلاء الجماعة[4][10] مع هذا الاعتقاد يعظمون من يتنزه عن الشهوات الحيوانية ويستهين باللذات الحسية ويتخضعون له ويعدون أنفسهم أشقياء بالنسبة اليه، ويذعنون أنه أقرب الناس إلى الله سبحانه وأعلى رتبة منهم بتنزهه عن الشهوات الطبيعية، وقد اتفق كلهم على تنزه مبدع الكل وتعاليه عنها مستدلين بلزوم النقص فيه لولاه، وكل ذلك يناقض رأيهم الأول. والسر فيه أنهم وإن ذهبوا إلى هذا الرأي الفاسد إلا أنه لما كانت غريزة العقل فيهم بعد موجودة، وإن كانت ضعيفة، فيرى ما هو كمال حقيقي لجوهرها كمالا، ويحكم بنورانيتها الذاتية، على كون ما هو فضيلة في الواقع فضيلة، وما هو رذيلة في نفس الأمر رذيلة، فيضطرهم إلى إكرام أهل التنزه عن الشهوات، والاستهانة بالمكبين عليها. ومما يدل على قبح اللذات الحيوانية أن أهلها يكتمونها ويخفون ارتكابها ويستحيون عن إظهارها، وإذا وصفوا بذلك تتغير وجوههم، كما هو ظاهر من وصف الرجل بكثرة الأكل والجماع، مع أن الجميل على الاطلاق يحسن إذاعته، وصاحبه يحب أن يظهره ويوصف به، هذا مع أن البديهة حاكمة بأن هذه اللذات ليست لذات حقيقية، بل هي دفع آلام حادثة للبدن[5][11] فان ما يتخيل لذة عند الأكل والجماع إنما هو راحة من ألم الجوع ولذع المني ولذا لا يلتذ الشبعان من الأكل، ومعلوم أن الراحة من الألم ليس كمالاً وخيراً، إذ الكمال الحقيقي والخير المطلق ما يكون كمالاً وخيراُ أبداً. ))
· مثال: كمال القوة الشهوية في الأكل و الجماع و لكنها لا تميز الأكل الحلال من الحرام و لا الزنا من النكاح المشروع ، و تحقيق اللذة للقوة الشهوية كمال لها سواء كان ذلك بالحرام أو الحلال.
· العدل في مملكة البدن هو أن تعطى كل من تلك القوى ما تستحقه فما يستحق المأكل يعطى المأكل و ما يستحق العلم يعطى العلم و ما يستحق المكر و الحيلة يعطى ذلك ، ولو حرم لكان ظلما ، وهذه هي العدالة المقصودة في علم الأخلاق و التي تسمى بـ"العدالة الكبرى" لأنها تعطي كل قوة ما تستحقها
· جاء الإسلام ليبين الفقه الأكبر (الأخلاق) ليعطي كل قوة ما تستحقه
· نجد كنتيجة تلك الأعمال المتطرفة التي نراها في من انحرف عن منهج أهل البيت (ع) كالامتناع عن الزواج و العزلة و لبس الصوف دائما و إهانة الذات
· لو قلنا أن الكمال في أعمال الصوفية لكان فعل رسول الله (ص) ناقصا لأنه كان يصوم و يفطر و ينكح النساء و يصلي و ينام
· السيد العلامة ج1 من الميزان ص371 قال : (( و حد الاعتدال في القوة الشهوية و هي استعمالها على ما ينبغي كما و كيفا )) لا عدم استعمالها (( يسمى عفة و الجانبان في الإفراط و التفريط الشره و الخمود ، و حد الاعتدال في القوة الغضبية هي الشجاعة و الجانبان التهور و الجبن ، و حد الاعتدال في القوة الفكرية تسمى الحكمة و الجانبان الجربزة و البلادة ، و تحصل في النفس من اجتماع هذه الملكات ملكة رابعة هي كالمزاج من الممتزج ، و هي التي تسمى عدالة ، و هي إعطاء كل ذي حق من القوى حقه ، ووضعه في موضعه الذي ينبغي له ، و الجانبان فيها الظلم و الانظلام فهذه أصول الأخلاق الفاضلة .. الخ )) ، و هنا نسأل : كيف نستطيع أن نشخص ما ينبغي وما لا ينبغي؟ الجواب: العقل يقول بأنه قاصر عن تشخيص ذلك و إن كان يدرك أنه يجب أن يستعمل هذه القوى و هذا خير دليل على احتياجنا إلى النبوة و الوحي
· من لا يستطيع أن يحقق العدالة في مملكة نفسه لا يستطيع أن يحققها في الخارج
· يجعل الفلاسفة الحكيم رئيسا للمدينة الفاضلة عندما يكتبون كتبهم عن المدينة الفاضلة ، و الحكيم في منطق الفلسفة و الحكماء هو الذي اجتمعت فيه جنبتا العلم و العمل و ليس هو من حفظ الاصطلاح ، قال تعالى : (( و من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا )) و في سورة لقمان يبين أن الحكمة لها جنبة عملية (( و لقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله )) و الشكر أمر عملي لا نظري
· من شروط الولي الفقيه العدالة الكبرى

الدرس الثامن و الثلاثون
العمل و الجزاء


الدرس السابق

· لا زال الكلام في المقام الثاني من البحث (الحسن و القبح في أفعال الإنسان)

النسبة بين العمل و الجزاء

· قال تعالى : (( و من يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره )) فلا إشكال عندنا في أن الإنسان سيجازى على أعماله ، و هذا ما يعرف في كلمات العلماء بـ"العلاقة بين العمل الإنساني و الجزاء الأخروي"
· الجزاء على أنواع :
(1) الجزاء المتعارف في الأنظمة الاجتماعية سواء ارتبط بدين أو لم يرتبط كقوانين الدول مثلا و في هذا القسم ليس هنالك أية علاقة بين العمل و الجزاء و إنما الارتباط بين العمل و الجزاء اعتباري ، و الشاهد على ذلك أن عملا معينا قد يعاقب عليه الإنسان في بلد و يكافأ عليه في بلد آخر ، فهذه الروابط بين العمل و الجزاء من وضع الإنسان
(2) الجزاء الذي يرتبط بالعمل برابطة تكوينية وجودية و ليست اعتبارية و هذه الرابطة من السنن الإلهية في الكون ، مثل الرابطة بين الالتزام بأخذ دواء الكوليسترول و انضباط معدل الدهون في الدم ، و مثل الارتباط بين قذف النفس من شاهق و تلف النفس ، و لا يجب أن يقع الجزاء في هذا القسم مباشرة بل قد يقع بعد برهة من الزمن ، فكثرة الأكل مثلا قد لا تسبب الأمراض إلا بعد مرور السنوات و الأمراض الناجمة عن التدخين قد لا تحصل إلا بعد سنوات من الإدمان عليه
(3) أن تكون الرابطة تكوينية وجودية و لكن ليس هنالك فاصلة بين العمل و الجزاء فأحدهما مقترن بالآخر ، فمثلا من يضع يده على الحديدة المحماة تحترق يده مباشره و من دون وجود فاصلة بين الأثر و المؤثر
· لو قلنا أن الرابطة بين الأعمال التي أمر بها الشارع أو نهى عنها و بين جزائها اعتبارية لوردت الكثير من الإشكالات منها أن معاقبة من يموت كافرا بالعقاب الأبدي (( خالدين فيها )) ليس معاقبة مناسبة للذنب
· النظرية المشهورة ترى أن العلاقة بين الأعمال التي أمر أو نهى عنها الشارع و بين الجزاء هي من النوع الثاني و ليس الثالث
· النسبة بين الأعمال التي أمر بها الشرع و ما يترتب عليها من الجزاء كالصلاة و أكل مال اليتيم هي من النوع الثالث و لكن الفارق أنك ما دمت في دار الدنيا فأنت لا تلتفت إلى أن فعلك الحسن هو الجنة و فعلك السيء هو النار و لا تلتفت إلى ذلك حتى تموت ، و هذه هي النظرية المعبر عنها بنظرية تجسد الأعمال و عليها شواهد بمجموعة من الآيات و الروايات منها قوله تعالى : (( و إن جهنم لمحيطة بالكافرين )) فالآية تتكلم عن الحال لا الاستقبال ففرق بين الآية و بين أن تقول "و إن جهنم ستحيط بالكافرين" ، و أيضا يستشهد بقوله تعالى (( الذين يأكلون أموال اليتامى إنما يأكلون في بطونهم نارا )) ، و قوله تعالى : (( فأما إن كان من المقربين فروح و ريحان و جنة نعيم )) و ليس "سيدخل روحا و ريحانا"
· على أساس النظرية الثالثة يكون المؤمنون في الدنيا منعمين في وقتهم هذا بالجنة و كذلك الكافرون معذبين بالنار و هم في الدنيا لأن نفس أعمالهم
· قد يصل الإنسان إلى مرحلة يعلم باطن الأعمال فيرى أكل مال اليتيم نارا فيكون عنده زاجر عظيم عن المعصية و دافع إلى الحسنات كما أشار أمير المؤمنين (ع) إلى هذه الحالة في حديث همام عن صفات المتقين ، فحالهم كمن يرى السم المادي منا و لا يأكله و يرى النار ولا يمسها
· من يقول بالنظرية الثانية لا يرى قبحا للعمل في ذاته و لكن من يقول بالنظرية الثالثة يرى القبح في ذات العمل ، و بالتالي على أساس النظرية الثانية يكون للعمل جزاء ما قد يعفو الله سبحانه بفضله و لكن على أساس النظرية الثالثة نفس العمل هو الجزاء
· ما يريده منا الإسلام هو الإيمان لا العقل فقط و العقل موصل إلى الإيمان الذي هو مقام الحب و له أحكام تختلف عن أحكام العقل في بعض الموارد كما أشار العلامة الطباطبائي (رحمه الله)

روايات في أن العمل نفس الجزاء و أن الأعمال تتجسد:


· قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم فقال لي اغتسل بماء وسدر ففعلت ثم عدت إليه فقلت يا رسول الله عظنا عظة ننتفع بها فقال يا قيس إن مع العز ذلا وإن مع الحياة موتا وإن مع الدنيا آخرة وإن لكل شيء حسيبا وعلى كل شيء رقيبا وإن لكل حسنة ثوابا وإن لكل سيئة عقابا ولكل أجل كتاب وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وهو ميت فإن كان كريما أكرمك وإن كان لئيما أسلمك ثم لا يحشر إلا معك ولا تبعث إلا معه ولا تسأل إلا عنه فلا تجعله إلا صالحا فإنه إن كان صالحا لم تأنس إلا به وإن كان فاحشا لم تستوحش إلا منه ألا وهو فعلك
· في الرواية: (( إن الجنة قيعان و غراسها سبحان الله و الحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر ))

الدرس التاسع و الثلاثون


أهمية العلم و العمل و العلاقة بين العامل و العمل:

· النتيجة: العلم لا يكون نافعا إلا إذا استتبع عملا صالحا و إلا فالعلم جهل و هذا ما تؤكد عليه البراهين الفلسفية و النصوص الدينية كقوله تعالى : (( إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه )) إذن لكي يصعد إليه الكلم الطيب لا بد من وجود عمل صالح ، و بقرينة المقابلة من الواضح أن المراد بالكلم الطيب الاعتقادات الحقة المطابقة للواقع ، و قال تعالى : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) ، و أيضا روي أن العلم يهتف بالعلم فإن أجابه و إلا ارتحل ، و رواية أخرى تقول من علم بما يعلم علمه الله علم ما لم يعلم ، و في الجهة السلبية روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (( وآخر قد تسمّى عالماً وليس به ، فاقتبس جهائل من جُهّال، وأضاليل من ضُلاّل، ونصب للنَّاس شركاً من حبائل غُرور وقول زور. قد حمل الكتاب على آرائه، وعطف الحقّ على أهوائه، يؤمن النَّاس من العظائم، ويهون كبير الجرائم. يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع، وأعتزل البِدَع وبينها اضطجع، فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان ))
· (( إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه )) سؤال: هل المعتقد – بالكسر – أيضا يصعد مع صعود الاعتقاد أم أن المعتقد أيضا يصعد مع الاعتقاد؟ الجواب: طبعا المعتقد يصعد مع الاعتقاد ففي بعد العلم يصعد العالم و في بعد العمل أيضا يصعد العامل ، قال الطباطبائي (( و صعود الكلم الطيب إليه تعالى هو تقربه منه تعالى اعتلاء و هو العلي الأعلى رفيع الدرجات و إذ كان اعتقادات قائما بمعتقده فتقرب الاعتقاد منه تعالى تقرب المعتقد منه تعالى و قد فسروا صعود الكلم الطيب .. الخ )) إلى أن يقول (( ثم إن الاعتقاد و الإيمان إذا كان حق الاعتقاد صادقا إلى نفسه صدقه العمل و لم يكذبه أي يصدر عنه العمل على طبقه فالعمل من فروع العلم و آثاره التي لا تنفك عنه ))
· سؤال: هل يجب أن يكون العمل ملكة كي يصعد به العالم العامل أم يكفي أن يقوم بالعمل مرة واحدة أو مرات دون أن تكون ملكة؟ فمتى يصعد العالم مع علمه؟
· الجواب: إذا كان ملكة فقط يصعد العامل و أما إذا كان حالا يصعد العمل فقد دون العامل ، لأن العمل و العامل شيئان غير متحدين ، و إنما يكونان شيئا متحدا إذا كان العمل ملكة لدى العامل فيصير العمل و العامل شيئا واحدا ، و هذا ما ذكرناه في بحوث أخرى من أن العلاقة بين العمل و العامل قد تكون (1) حال (2) ملكة (3) اتحاد (4) تحقق ، و إنما يصيران شيئا واحدا بالمداومة و التكرار و التوجه و الإخلاص
· الارتباط بين العامل و العمل و العالم و العلم قد يكون ضعيفا بحيث ينسى بضغطة القبر أو قبل ضغطة القبر ، و لذا تجد أن من شروط مرجع التقليد هو الضبط ، فهنالك من ينسى معارفه أواخر عمره
· يكون العامل أولا حالا ثم ملكة ثم اتحادا ثم يصير العامل و العمل هو هو
· ما يصعد إلى الله تعالى هو الاعتقاد و الذي يدفعه إلى الصعود هو العمل الصالح (( و العمل الصالح يرفعه ))

تلخيص للمقدمات التي ذكرناها للدخول في البحث:

(1) الإنسان يحب كماله الذي خلق لأجله و يهرب من نقصه ، و الكمال النهائي الذي يطلبه الإنسان هو القرب الإلهي
(2) يوجد الإنسان وهو فاقد لكل الكمالات العلمية و العملية (( الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا )) ، نعم رأس مال الإنسان الذي زود به هو الفطرة و هي حب الكمال
(3) للإنسان مجموعة من القوى و هي الملكية و الشيطانية و الغضبية و الشهوية
(4) كل واحدة من تلك القوى لها كمالها الخاص بها و لها ألمها و لذتها و غيرها من الخصائص
(5) كلما كان العلم أشد كان العمل أفضل و كلما كان العلم أضعف كان العمل أضعف
(6) الرابطة بين العمل و الجزاء و ما يترتب عليها

الانبغاء و عدم الانبغاء في فعل الإنسان

· مرجع الانبغاء و عدمه في فعل الله تعالى: هو الكمال و النقص ، و مرجع الكمال و النقص إلى الوجود و العدم (إما عدم بنحو ليس التامة أو ليس الناقصة)
· مرجع الانبغاء و عدمه في فعل الإنسان: إلى نفس المرجع في فعل الله تعالى ، و لكن الكمال بالنسبة إلى الإنسان يتجلى في القرب الإلهي و النقص يتجلى في البعد عن الساحة الإلهية
· توضيح الفارق: الله سبحانه يفعل لأنه كمال و اقتضاء كماله أن يفعل ، و أما الإنسان فهو يفعل بحثا عن كمال مفقود ، فالكمال الموجود في الله تعالى هو منشأ الفعل و لكن الكمال المفقود في الإنسان هو منشأ الفعل
· الفطرة الأصلية تقول للإنسان "اطلب الكمال" و الفطرة التبعية تقول له "اهرب من النقص" ، و السؤال هنا: هل يستطيع العقل أن يحدد كمال الإنسان و نقصه خاصة و أننا بينا أن الاعتقاد في ذاته لا يوصل الإنسان إلى شيء إذا لم يكن له محرك وهو العمل فهل يستطيع العقل أن يشخص الأعمال التي توصله إلى الكمال؟
· يستطيع الإنسان أن يدرك بأن العدل حسن و الظلم قبيح و لكن هل يستطيع العقل أن يشخص مصاديق ذلك؟
· نتيجة: هنا تتبين أهمية الوحي ليبين أقرب الطرق إلى الله تعالى ، فالفلسفة و العلوم النظرية غير كافية للوصول إلى الله تعالى ، و كذلك علم الفقه و الأخلاق و سائر العلوم المتعلقة بالعمل غير كافية لأنها لا تبين الحق في العقيدة
· ورد في الروايات أن من سار على غير هدى لم تزده سرعة المشي إلا بعدا
· الطرق الأخرى أيضا قد تنتهي بالإنسان إلى القرب الإلهي و لكنه قد يضل بخلاف الطريق المستقيم الذي وعد الله سبحانه بأن يوصل من يتبعه إلى الهدف
· إذن أقرب الطرق إلى الله تعالى هو طريقنا أي الشريعة و المذهب الحق
· هنا تبرز أهمية فلسفة الفقه و أنه لا معنى للفقه بلا فلسفة و اعتقاد ولا معنى للفلسفة بلا فقه
· هنالك تلازم بين الفقه الأكبر و الفقه الأصغر ، أي بين الحكمة و الفقه فلا يمكن لأحدهما أن يؤدي دوره من دون الآخر


· بينا أن للإنسان قوى أربع لكل منها كمالها و نقصها لذتها و ألمها .. الخ ، و كل من هذه القوى تطلب لذتها مما يؤدي إلى التزاحم فيما بينها ، مثال: القوة الشهوية تريد الزنا و لكن العقل يرى أن الزنا فاحشة
· يقول الشارع بأنه لا بد من إعطاء كل ذي حقه حقه من تلك القوى ، و هذا يلزم وجود رئيس و حاكم و هذا الحاكم هو القوة الملكية العقلية
· ما يقرب إلى الله تعالى ليس الشهوة ولا الغضب ولا الشيطنة بل العقل
· لا بد أن يعطى العقل زمام الأمور ، و لكن العقل يقر على نفسه بالعجز عن إعطاء القوى الأخرى حقوقها ، فلا يمكن للعقل أن يدرك شروط ذبح الذبيحة لكي يكون مأكلها محللا و يعطي الشهوية حقها و هكذا
· النتيجة: الوحي هو الكفيل بتبيان الطريق

الدرس الأربعون


الدرس السابق :

· انتهينا في الدرس السابق إلى أن القوى التي تشتمل عليها النفس الإنسانية تتزاحم في مقتضياتها

من مصاديق هذه التزاحمات:

(أ) التزاحم بين القوة الشهوية للأكل و الدخول في عالم الملكوت

· ذكروا أمورا أربعة أو خمسة للسالك عندما يريد أن يبدأ السلوك منها قلة الطعام و قلة النوم و كثير الذكر و غير ذلك
· الروايات كثيرة في بيان فضيلة الجوع و ذم الشبع منها ما روي عن رسول الله (ص) : (( لا يدخل ملكوت السماوات قلب من شبع بطنه )) و عن النبي (ص) : (( الفكر نصف العبادة و قلة الطعام هي العبادة ))
· الشهوية تريد كمالها الذي يؤدي إلى نقص في العاقلة ، و العاقلة تريد كمالها الذي يؤدي إلى نقص في الشهوية و هكذا ، فالعقل مثلا يطالب الشهوية بأن لا تزني ولا تأكل الحرام و هكذا ، فالشبع من الأكل و الجماع من كمالات القوة الشهوية و لكنها نقائص (سواء كانت بالحلال المفرط أو الحرام) في القوة العاقلة
· إذن الشبع "ينبغي" بالنظر إلى القوة الشهوية فقط ، و أما بالنظر إلى القوة العاقلة أيضا فهو "لا ينبغي"
· في رواية (( لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام و الشراب فإن القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء )) فليس الطعام و الشراب مذموم في نفسه بل هو مذموم من حيث أنه يؤدي إلى موت القلب ، و من هنا يتبين جواب شبهة و هو: كيف أحسن الله كل شيء خلقه و لكنه حرم علينا بعض الأشياء
· ذكر الشارح نصوصا أخرى في فضل الجوع
· فوائد الجوع كما بينها الفيض الكاشاني:
(1) صفاء القلب و إيقاد القريحة و إنفاذ البصيرة ، فالشبع يورث البلادة و يعمي القلب
(2) رقة القلب الذي يتهيأ به من إدراك لذة المناجاة بالذكر
(3) الانكسار و الذل و زوال الفرح و البطر و بالتالي الخشوع لله تعالى
(4) أن لا ينسى بلاء الله
(5) كسر شهوات المعاصي كلها خصوصا شهوة الفرج
(6) دفع النوم و دوام السهر
(7) المواظبة على العبادة
(8) قلة الأمراض

(ب) الصمت

· كمال حاسة اللسان في أن تتكلم لا أن تسكت ، و لكن من كثر كلامه كثر خطؤه

(ج) العزلة

· و العزلة تحقق كمالات كثيرة من جانب ولكن الإنسان يفقد من ناحية أخرى كمالات أخرى ، فمثلا خلوص العبادة من الرياء و جهاد النفس الناتج عن ذلك لا يتحقق إلا إذا كان الإنسان بين الناس ، فثواب الإخلاص لا يتحقق للمعتزلين ، و كذلك الأمر بالنسبة إلى عدم الغيبة و غير ذلك
· الفيض الكاشاني ج4 ص11 من المحجة ذكر أدلة و آراء المؤيدين للعزلة و المعارضين

(د) الغضب

· و يرجع إليه في المحجة البيضاء للفيض لمزيد من القراءة

النتيجة:

· أهم وظيفة للشرع هي بيان كيفية التوفيق بين هذه القوى و إعطاء كل قوة ما تستحقه من الكمال المطلوب لها
· هذا البرهان من أفضل براهين إثبات النبوة العامة
· في كل قوة من القوى السابقة دائرة "ينبغي" و دائرة "لا ينبغي" بعبارة أخرى يوجد تزاحم بين كمال قوة و نقص قوة أخرى و بعبارة فقهية في كل قوة هنالك مباح و حرام و مكروه و واجب و مستحب
· الشبع كمال للشهوية و لكنه بالنظر إلى العاقلة فهو يؤدي إلى نقص لا أنه نقص ، لأن النقص يرجع إلى العدم و الشبع ليس أمرا عدميا بل وجوديا ، فهو يؤدي إلى نقص و ليس هو نقصا
· لو نظرنا إلى العقرب بما هو عقرب فهو حسن و لكن من حيث أنه يزاحم وجود الإنسان بلسعه و تعريضه للخطر يكون قبيحا ، و هذا الفهم يؤدي إلى حل إشكالية الشرور ، فليس عندنا شر مطلق و لكن شر نسبي
· ليس هنالك فرق من الناحية التكوينية بين النكاح و الزنا ، و ليس هنالك فرق بين أكل الطعام العادي و الطعام المغصوب من الناحية التكوينية ، فإذا نظرنا إلى الفعل بما هو فعل فكل من هذه الأفعال حسن ، و لكن إذا نظرنا إليها من دائرة قوة أخرى هي العاقلة نحكم بحسن بعضها و قبح الآخر ، فالقبح هنا نسبي بمعنى أن الفعل إذا نسب للقوة العاقلة يكون قبيحا و إلا فهو حسن
· فعل الزنا أمر وجودي و هو شيء و الله تعالى خالق كل شيء و في آية أخرى يقول (( الذي أحسن كل شيء خلقه )) فالنتيجة أن الزنا ليس حسنا فقط بل "أحسن" ، و هذا بالنظر إلى الزنا بما هو زنا من دون النظر إلى القوة العاقلة و إلا فهو قبيح
· نفس المثال السابق يجري على خلق الله تعالى للشياطين و إبليس
· السيد العلامة الميزان ج1 ص101 : ((وفي شرح العقائد للمفيد قال: وقد روى عن أبي الحسن الثالث عليه السلام إنه سئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة لله تعالى ؟ فقال عليه السلام: لو كان خالقا لها لما تبرأ منها وقد قال سبحانه: إن الله بريء من المشركين ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم. أقول للأفعال جهتان: جهة ثبوت ووجود، وجهة الانتساب إلى الفاعل، وهذه الجهة الثانية هي التي تتصف بها الأفعال بأنها طاعة أو معصية أو حسنه أو سيئة فإن النكاح والزنا لا فرق بينهما من جهة الثبوت والتحقق، وإنما الفرق الفارق هو أن النكاح موافق لأمر الله تعالى، والزنا فاقد للموافقة المذكورة، وكذا قتل النفس بالنفس وقتل النفس بغير نفس، وضرب اليتيم تأديبا وضربه ظلما، فالمعاصي فاقدة لجهة من جهات الصلاح أو لموافقة الأمر أو الغاية الاجتماعية بخلاف غيرها، وقد قال تعالى: (الله خالق كل شيء) الزمر - 62، والفعل شيء بثبوته ووجوده، وقد قال عليه السلام: (كل ما وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله الحديث) ثم قال تعالى: (الذي أحسن كل شيء خلقه) السجدة - 7، فتبين أن كل شيء كما أنه مخلوق فهو في أنه مخلوق حسن، فالخلقة والحسن متلازمان متصاحبان لا ينفك أحدهما عن الآخر أصلا، ثم إنه تعالى سمى بعض الأفعال سيئة فقال: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) الأنعام - 160، وهي المعاصي التي يفعلها الإنسان بدليل المجازاة، وعلمنا بذلك أنها من حيث أنها معاص عدمية غير مخلوقة وإلا كانت حسنة، وقال تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) الحديد - 22، وقال: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه) التغابن - 11، وقال: (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) الشورى - 30، وقال: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) النساء - 79، وقال: (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك، قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) النساء - 78، علمنا بذلك أن هذه المصائب إنما هي سيئات نسبية بمعنى أن الإنسان المنعم بنعمة من نعم الله كالأمن والسلامة والصحة والغنى يعد واجدا فإذا فقدها لنزول نازلة وإصابة مصيبة كانت النازلة بالنسبة إليه سيئة لأنها مقارنة لفقد ما وعدم ما، فكل نازلة فهي من الله وليست من هذه الجهة سيئة وإنما هي سيئة نسبية بالنسبة إلى الإنسان وهو واجد، فكل سيئة فهي أمر عدمي غير منسوب من هذه الجهة إلى الله سبحانه البتة وإن كانت من جهة أخرى منسوبة إليه تعالى بالإذن فيه ونحو ذلك ))
لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله ، فاننا اذا نظرنا نظر التدبر الى خصوصيات الشريعةالاسلامية ، بل جميع الملل الالهية ، وجدنا ان


المقصود فيها ، هو صرف وجه الانسان الى ما وراء هذه النشاة الطبيعية والمادية . والناس من حيث درجات الانقطاع الى الله سبحانه وتعالى ، والاعراض عن هذه النشاةالدنيوية ، على ثلاث طبقات : «الطبقة الاولى : انسان تامالاستعداد ، يمكنه الانقطاع قلبا عن هذه النشاة ، مع تمام الايقان باللازم منالمعارف الالهية ، والتخلص الى الحق سبحانه وهذا هو الذي يمكنه شهود ما وراء هذهالنشاة المادية ، والاشراف على الانواع الالهية ، كالانبياء عليهم السلام» (1). وهؤلاء همالذين عبر عنهم القران الكريم بقوله تعالى : «كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عناليقين»(2) . والظاهر ان المرادرؤيتها قبل يوم القيامة ، رؤية البصيرة ، وهي رؤية القلب ، على ما يشير اليه قولهتعالى :«وكذلك نري ابرهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين»(3) . وهذه هي طبقةالمقربين . « الطبقة الثانية : انسان تام الايقان ،غيرتام الانقطاع من جهة ورود هيئات نفسانية واذعانات قاصرة ، تؤيسه ان يذعن بامكانالتخلص الى ما وراء هذه النشاة المادية ، وهو فيها . فهذه طبقة تعبد الله كانهاتراه ، فهي تعبد عن صدق من غير لعب ، لكن من وراء حجاب ايمان بالغيب ، وهم

المحسنون في عملهم . وقد سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الاحسان ، فقال : «ان تعبد الله كانك تراه ، فان لم تكن تراه فانه يراك»(1) . والفرق بين هذه الطبقةوسابقتها ، فرق ما بين «ان» و «كان» . وهذا مقام الخلص من اصحاب رسول الله (صلىالله عليه وآله) . عن اسحاق بن عمار ، قال : سمعت ابا عبد الله الصادق (عليهالسلام) يقول: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى بالناس الصبح ، فنظر الى شاب في المسجد وهو يخفق براسه (2)مصفرا لونه ، قد نحف جسمه وغارت عيناه في راسه . فقالله رسول الله (صلى الله عليه وآله) : كيف اصبحت يا فلان ؟ قال : اصبحت يا رسول الله مؤمنا موقنا . فعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قوله (فقد اخبربشيء نادر الوقوع) وقال : ان لكل يقين حقيقة فما هي حقيقة يقينك ؟ فقال : ان يقيني يا رسول الله هو الذي احزنني واسهر ليلي واظماهواجري ، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها ، حتى كاني انظر الى عرش ربي وقد نصبللحساب ، وحشر الخلائق لذلك ، وانا فيهم ، وكاني انظر الى اهل الجنة يتنعمون فيالجنة ويتعارفون ، وعلى الارائك متكئون ، وكاني انظر الى اهل النار ، وهم فيهامعذبون مصطرخون ، وكاني الان اسمع زفير النار ، يدور في مسامعي .

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاصحابه ، هذا عبد نور الله قلبه بالايمان، ثم قال له : الزم ما انت عليه . فقال الشاب : ادع الله لي يا رسول الله ان ارزق الشهادة معك . فدعا له رسول الله (صلى الله عليهوآله) فلم يلبث ان خرج في بعض غزوات النبي (صلى الله عليه وآله) فاستشهد بعد تسعةنفر ، وكان هو العاشر» (1) . وهذه الطبقة هم الذي وصفهم امير المؤمنين (عليه السلام) في خطبتهالمعروفة بخطبه همام ، حيث قال: «فالمتقون فيها هم اهل الفضائل ، منطقهم الصواب ، وملبسهم الاقتصاد ، ومشيهم التواضع ، غضوا ابصارهم عما حرم الله عليهم ، ووقفوا اسماعهم على العلم النافع لهم ، نزلت انفسهم منهم في البلاء ، كالتي نزلت في الرخاء . ولولا الاجل الذي كتب الله عليهم ، لم تستقر ارواحهم في اجسادهم طرفة عين ، شوقا الى الثواب وخوفا من العقاب . عظم الخالق في انفسهم فصغر ما دونه في اعينهم ، فهم والجنة كمن قد راها فهم فيها منعمون ، وهم والنار كمن قد راها ، فهم فيها معذبون . قلوبهم محزونة ، وشرورهم مامونة ، واجسادهمنحيفة ، وحاجاتهم خفيفة ، وانفسهم عفيفة . صبروا اياما قصيرة ، اعقبتهم راحة طويلة،تجارة مربحة ، يسرها لهم ربهم ، ارادتهم الدنيا فلم يريدوها ، واسرتهم ففدوا انفسهممنها .

اما الليل فصافون اقدامهم ، تالين لاجزاء القران يرتلونها ترتيلا ، يحزنون بهانفسهم ، ويستثيرون به دواء دائهم» (1) .
«
الطبقة الثالثة :غير اهل الطبقتين الاوليين منسائر الناس وعامتهم . وهذه الطائفة باستثناء المعاند والمكابر والجاحد ، طائفةيمكنها الاعتقاد بالعقائد الحقة الراجعة الى المبدا والمعاد ، والجريان عملا علىطبقها في الجملة لا بالجملة . وذلك من جهة الاخلاد الى الارض واتباع الهوى وحبالدنيا ، فان حب الدنيا وزخارفها يوجب الاشتغال بها ، وكونها هي المقصودة من حركاتالانسان وسكناته . وذلك يوجب انصراف النفس اليها ، وقصر الهمة عليها ، والغفلة عماوراءها ، وعما توجبه الاعتقادات الحقة من الاحوال والاعمال ، وذلك يوجب ركودهاووقوفها ـ اعني الاعتقادات الحقة ـ على حالها ، من غير تاثير لها وفعلية للوازمها ،وجمود الاعمال والمجاهدات البدنية على ظاهر نفسها واجسادها ، من غير سريان احوالهاواحكامها الى القلب ، وفعلية لوازمها ، وهذا من الوضوح بمكان . مثال ذلك : اننا لو حضرنا عند ملك من الملوك ، وجدنا من تغيرحالنا وسراية ذلك الى اعمالنا البدنية ، من حضور القلب والخشوع والخضوع ما لا نجدهفي الصلاة البتة ، وقد حضرنا فيها عند رب العالمين . ولو اشرف على شخصنا ملك منالملوك ، وجدنا ما لا نجده في انفسنا ، ونحن نعتقد ان الله سبحانه يرى ويسمع ، وانهاقر الينا من حبل الوريد ، ونعتمد على

الاسباب العادية التي تخطئ وتصيب ، اعتمادا لا نجد شيئا منه في انفسنا ، ونحن نعتقدان الامر بيد الله سبحانه ، يفعل ما يشاء ويحكم مايريد . ونركن الى وعد انسان اوعمل سبب ، ما لا نركن جزئا من الف جزء منه الى مواعيد الله سبحانه ، فيما بعد الموتوالحشر والنشر ، وامثال هذه التناقضات لا تحصى في اعتقاداتنا واعمالنا ، وكل ذلك منجهة الركون الى الدنيا . وهذه الطائفة لا يمكنهاالانقطاع الى الله سبحانه ، ازيد من الاعتقادات الحقة الاجمالية ، ونفس اجسادالاعمال البدنية التي توجب توجها ما وقصدا ما في الجملة الى المبدا سبحانه فيالعبادات . ومن هنا يتبين ان تربية الطبقات الثلاثة ،ليس على حد سواء ، بل هناك امور مشتركة ومختصة ، فالمشتركة هي الاحكام النظريةوالعملية العامة ، التي لا يمكن اهمالها بالنسبة الى طبقة من الطبقات ، من الواجباتوالمحرمات . اما المختصة ، فهي التي توجد في الاولى مثلا ، ولا توجد في الثالثة ،فرب مباح او مستحب او مكروه بالنسبة الى الثالثة ، هو واجب او محرم بالنسبة الىالاولى ، فحسنات الابرار سيئات المقربين . من هنا فان هذه الطبقة تختص بامور واحكامغير موجودة في الثانية والثالثة ، ولا غير هذه الطبقة تكاد تفهم شيئا من تلكالمختصات ولا تهتدي الى طريق تعليمها . وذلك كله لمكان ميز طبقتهم واساسها المحبةالالهية دون محبةالنفس ، فالفرق بينها وبين الاخرين في نحو العلم والادراك ، دونقوته وضعفه وتاثيره وعدمه» (1) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق