السبت، 6 أغسطس 2011

تفريغ الدروس من 21 إلى 30

الدرس الواحد و العشرون


· بينا في الدرس السابع أن ثمة عقبات[1] تعترض طريق من يدعو إلى الاستغناء بالكتاب و السنة عن العقل و خلاصتها:
(1) إثبات حجية التواتر
(2) أن القرآن ليس مجملا بل له ظهور
(3) أن الظهور القرآني ليس مختصا بطبقة و هم (من خوطبوا بالقرآن)
(4) إثبات الحجية الأصولية لظهور القرآن
(5) إثبات الحجية المنطقية للظهور العرفي
(6) تحديد ما إذا كان الظهور الذي ثبتت حجيته هل هو الظهور الذاتي أم الظهور الموضوعي؟ و كيف نحدد ما إذا كان الظهور ذاتيا أم موضوعيا؟ (هل هذا هو معنى القرآن أم فهمنا للقرآن؟)
(7) إذا فرضنا إمكان الوصول للظهور الموضوعي ، فهل الظهور الموضوعي الذي هو حجة هو الظهور في زمن صدور النص أم في زمن وصول النص؟
(8) هل يفيد هذا الظهور القطع و اليقين و العلم أم أنه لا يفيد إلا ظنا؟ من الواضح أنه لا يفيد إلا ظنا و اطمئنانا

المحكم و المتشابه:

· قال تعالى (( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم . يقولون آمنا به كل من عند ربنا و ما يذكر إلا أولو الألباب )) هذه الآية صريحة في انقسام القرآن إلى محكم و متشابه ، و أن المتشابه لا يجوز العمل به إلا بإرجاعه إلى المحكم .

معنى المحكم و المتشابه:

· السيد العلامة الطباطبائي ص31-39 ج3 من تفسير الميزان له بحث تفصيلي في المحكم و المتشابه يذكر فيه 16 قولا في تفسير المحكم و المتشابه
· القرآن لا يعرف المحكم و المتشابه
· ص20 من ج3 تفسير الميزان (( مادة حكم تفيد معنى كون الشيء بحيث يمنع ورود ما يفسده أو يبعضه أو يخل أمره عليه و منه الإحكام و التحكيم و المراد هنا من إحكام المحكمات إتقان هذه الآيات من حيث عدم وجود التشابه فيها كالمتشابهات ، فإنه تعالى و إن وصف كتابه بإحكام الآيات )) في قوله تعالى "كتاب أحكمت آياته" فهذه موجبة كلية نقيضها سالبة جزئية (بعضه محكم و بعضه ليس بمحكم) و بما أنه لا تناقض في القرآن يجب تفسير الإحكام في هذه الآية بمعنى و الإحكام في الآية مورد الحديث بمعنى ، و هكذا قوله تعالى "كتابا متشابها مثاني" فهذه موجبة كلية و التشابه فيها معناه يختلف عن التشابه في الآية مورد الحديث ، وفي تفسير التشابه الذي في سورة آل عمران 16 قولا (( و بعبارة أخرى لما كان قوله "منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات" مشتملا إلى تقسيم آيات الكتاب إلى قسمي المحكم المتشابه علمنا به أن المراد بالإحكام غير الإحكام و أن .. و قد وصف المحكمات بانها أم الكتاب و الأم ما يرجع إليه الشيء ......................... فهذا ما يتحصل من معنى المحكم و المتشابه و يتلقاه الفهم الساذج من مجموع قوله تعالى ))

إشكال

· إشكال: الآية المذكورة من سورة آل عمران هل هي محكمة أم متشابهة؟ فهل يمكن أن نخضع بقية آيات القرآن لمعناها أم أنها متشابهة يجب أن نرجعها إلى آية أخرى محكمة؟
· توحيد الصدوق ص146 عن هشام بن سالم قال دخلت على أبي عبد الله الصادق (ع) فقال لي : أتنعت الله ، قلت : نعم . فقلت : هو السميع البصير . فقال لي : هذه صفة يشترك فيها المخلوقون . قلت: فكيف تنعته؟ فقال: هو نور لا ظلمة فيه و حياة لا موت فيه و علم لا جهل فيه و حق لا باطل فيه . فقال: فخرجت من عنده و أنا أعلم الناس بالتوحيد.
· تعليق على الرواية: الرواية السابقة تفيد (( ليس كمثله شيء و هو السميع البصير )) فهل تناقض هذه الآية نفسها فصدر الآية يقول ليس كمثله شيء و عجزها يقول أنه سميع بصير فكيف لأهل الحديث أن يحلوا هذه الإشكالية دون الرجوع للعقل
· قالوا في علم الأصول أن (الحكم لا يثبت موضوعه) فإذا قال الشارع (أكرم العالم) فهذا العلم لا يحدد مصاديق العالم و يميزها عن مصاديق الجاهل بل المخاطب بالحكم هو الذي يحدد المصداق ، و هكذا بالنسبة إلى تشخيص المحكم من المتشابه في هذا المقام فلا بد أن يكون هنالك ضابط سابق على القرآن يميز بين المحكم و المتشابه و هذا إما أن يكون (1) العقل أو (2) رواية أهل البيت (ع)
· هنا يتبين سر أمر الرسول (ص) بالتمسك بالثقلين معا لا الاكتفاء بأحدهما
· إلى هنا يتبين أن الدعوى إلى الاستغناء بالقرآن عن القواعد العقلي – المنتهية إلى القضايا البديهية – دعوى باطلة ، فإشكالية المحكم و المتشابه هذه فقط كفيلة بدحض هذه الدعوى ، فعزل القرآن عن العقل ينتهي إلى الشلل التام
· عندما طرح القرآن مطالبه طرحها مستدلا عليها بالعقل و ندب إلى استخدام العقل و التدبر و التأمل ، و بالتالي فهو لا يرى أن العقل معزول عن الكتاب و الكتاب محكم عليه بل يرى أن العقل جزء الكتاب ، و فرق كبير بين هاذين الأمرين نوضحه بمثال: لكي نفهم علم الفقه يجب أن نؤسس مجموعة من القواعد و هي علم الأصول و إلا فإن كثيرا من مباحث علم الأصول غير واردة في الروايات و الآيات و لكن عندما استعنا بهذه القواعد قلنا بأن الفقه لولا هذه القواعد لا يمكن أن يفهم و هذا ليس منهج الأصوليين فقط بل منهج الجميع إلا أن المحدثين خافوا من مسمى علم الأصول و عملوا بمضمونه فهم يقيمون قواعد لفهم الفقه لكن لا يسمونها علم الأصول ، و أما المتوسطون من المتحدثين الذين هم برزخ بين الأصوليين و الأخباريين كصاحب الحدائق الذي كتب في مقدمته قواعد أصولية لم يسمها بعلم الأصول و كالمحدث الاسترابادي الذي كتب كتاب "الفوائد المدنية" الذي وضع فيه قواعد لاستنباط الأحكام الشرعية و لكن لم يسمها باسم ، و كالبحراني و غيرهم ، و بالتالي نلاحظ أن هذه القواعد هي جزء من الفقه ندب إليه الأئمة (ع) ، و كذلك القرآن فهو نادب إلى العقل بل إنه أقام مبانيه على الدليل العقلي و لم يخاطبنا بأن نتخذ أوامره باعتباره قرآنا بل باعتباره يحاكي القواعد العقلية
· الطباطبائي في الميزان ج2 ص247 في قوله (( كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون )) يقول : (( و الألفاظ المستعملة في القرآن الكريم في أنواع الإدراك كثيرة ربما بلغت العشرين كالظن و الحسبان و الشعور و الذكر و العرفان و الفهم و الفقه و الدراية و اليقين و الذكر و الفكر و الرأي و الزعم و الفكر و الحكمة و الخبرة و الشهادة و العقل )) ثم يبين هذه العشرين جميعا إلى أن يقول (( و الألفاظ السابقة عما عرفت من معانيها لا تخلو عن ملابسة المادة و الحركة بخلاف الألفاظ الخمسة الأخيرة و هي الشهادة و الخبرة و الحكمة و الحفظ و العلم )) ثم يأتي بشواعد على أن الألفاظ الخمسة الأخيرة تطلق على الله تعالى لأنها خالية عن ملابسة المادة و الحركة ، و هذا شاهد على أن القرآن ندب إلى العقل و الاستدلال ، فنحن نقول أن العقل ليس شيئا وراء القرآن بل هو جزء القرآن

الاستغناء بالروايات لتفسير الآيات:

· هذا هو المقام الثاني من البحث ، فلماذا نرجع للعقل عند عدم وضوح آيات القرآن و قد أمرنا رسول الله (ص) بالرجوع إلى القرآن و العترة؟
· للرجوع إلى أهل البيت (ع) شرطان (1) أن يكون الشخص معاصرا للمعصوم (2) أن يكون المعصوم متواجدا جنبه ليسأله عن كل صغيرة و كبيرة ، و هذا لا يتحصل إلا للمقربين من الأئمة (ع) كجيرانهم و خدامهم
· كان أصحاب الأئمة (ع) يأخذون من الأئمة قواعد للإفتاء و لم يكونوا يأخذون منهم فتاوى جاهزة دائما
· نحن نسلم أن الأشخاص الذين يتحصل لهم الأمران المذكوران كخدام الأئمة و جيرانهم لا يحتاجون إلى العقل ولا إلى الفقه و الأصول فهؤلاء في حكم المعصومين (ع) و لكن هذا ليس متيسرا إلا للنزر القليل في زمن الحضور ، فما بالك بحالنا و نحن في زمن الغيبة
· إذن لا بد للرجوع إلى مرجع غير القرآن و هو إما (1) العقل أو (2) الروايات و هذا ما سنشرحه في الدرس القادم

[1] ملاحظة من مقرر الدروس: كثير من الإشكاليات الواردة حول القرآن تنطبق على مطلق النصوص الدينية و لعل هذا من مباحث الهرمنيوطيقيا ، و واضح أن بعض ما ذكر خاص بالقرآن

الدرس الثاني و العشرون


الرد على دعوى الاستغناء بالنص عن العقل بدليل من مبحث النبوة الخاصة و تحريف القرآن:

· استدل البعض على عدم تحريف القرآن بقوله تعالى (( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون )) و لكن المحققين من علمائنا قالوا بأن هذا الاستدلال دوري ، فصحة الاستدلال متوقفة على أن لا تكون الآية المستدل بها محرفة ، و عدم كون الآية محرفة متوقف على صحة الاستدلال ، قال السيد الخوئي في كتابه "البيان" ص209 : (( نعم هنا شبهة أخرى ترد على الاستدلال بالآية الكريمة على عدم التحريف و حاصل هذه الشبهة أن مدعي التحريف في القرآن يحتمل وجود التحريف في هذه الآية نفسها لأنها بعض آيات القرآن فلا يكون الاستدلال بها صحيحا حتى يثبت عدم التحريف فلو أردنا أن نثبت عدم التحريف بها كان ذلك من الدور الباطل )) و بالتالي و كما يرى السيد الخوئي أن إمضاء الأئمة و استدلالهم بالكتاب و تقرير أصحابهم عليه يكشف عن حجية الكتاب الموجود بأيدينا ، و لكننا نطرح على السيد الخوئي سؤال: ما الدليل على حجية قول الأئمة؟ إن قيل القرآن وقع في الدور لأنه أثبت حجية القرآن بالأئمة و أثبت حجية الأئمة بالقرآن ، و بالتالي فالاحتجاج بالقرآن يلزم الدور و الاستدلال بالرواية يستلزم دورا أوضح من سابقه ، و يبقى طريق العقل فقط و به نثبت عصمة المعصومين (ع) أيضا
· لم يدخل الشيخ الأستاذ جوادي آملي في مسألة التحريف دخولا نقليا و قال بأنه لا يمكن أن يستدل على عدم التحريف بالنقل فلا بد من الاستدلال على ذلك بالعقل
· نحن لا نستدل بقول المعصوم على حجية العقل بل قول المعصوم هو إمضاء لحجية العقل فقط ، و أما حجية العقل فذاتية ترجع إلى القضايا و التصورات البديهية التي لا دليل على منكرها سوى أن يكوى بالنار كما ذكر الشيخ الرئيس
· روايات المعصومين فيها استدلال بالعقل ، كما أن تقريرهم يدل على شرعية ذلك فأصحاب الأئمة كانوا يستدلون أمام الأئمة بالأدلة العقلية و لم يكن الأئمة ينهونهم عن ذلك (يراجع في هذا كتاب الاحتجاج للطبرسي مثلا)

الرد على دعاوى الارتباط بالمعصومين (ع):

· المعصوم لا يحتاج إلى استدلال عقلي لأن الواقع منكشف له
· هنالك ادعاءات لدى بعض الناس في زمان الغيبة بالارتباط بالحجة (ع) مباشرة أو عن طريق نوابه أو في المنامات و هذا ادعاء بكون الشخص بحكم المعصوم و أنه لا يحتاج إلى دليل عقلي و لا نقلي و أن الواقع منكشف له و أن على الناس أن يقبلوا منه كما يقبلون من الإمام (ع)
· يستدل بعض من يدعي الارتباط بالمعصوم بالكرامات و خوارق العادات التي يأتون بها و في الرد على هؤلاء فرضان
(1) أن لهم كرامات فعلا ، و هذا لا يدل على صحة ما يقولون به من عقائد و أفكار فهنا بحث في المعجزة هل هي دليل على صحة العقائد التي يأتي بها النبي أم أنها دليل على الارتباط بالعالم الغيبي فقط؟ قالوا في ذلك أنها دليل على الارتباط لا دليل على صحة العقائد التي يأتي بها النبي فالقرآن عندما جاء لإثبات التوحيد و المعاد و غيرها جاء بالأدلة العقلية و لو كانت المعجزة كافية لما جاء بالاستدلال العقلي و هذا ما ذهب إلى الطباطبائي في الميزان ج1 ص83 قال : (( القرآن يعد المعجزة برهانا على صحة الرسالة و هاهنا سؤال و هو أنه ما هي الرابطة بين المعجزة و بين حقية دعوى الرسالة مع أن العقل لا يرى تلازمنا بين صدق الرسول في دعوته و بين صدور أمر خارق للعادة ، و ربما أعطوا المعجزة في أول البعثة قبل أن تسألهم أممهم ........... و بالجملة فالعقل الصريح لا يرى تلاما بين حقية ما أتى به الأنبياء و الرسل من معارف المبدأ و المعاد و بين صدور أمر يخرق العادة عنه ، إلا أن قيام البراهين الساطعة على هذه الأصول الحقة يغني العالم البصير بها عن النظر في أمر الإعجاز )) و هكذا يتبين أن لا ملازمة بين المعجزة و بين حقية ما يقول الأنبياء من عقائد فما بالك بالكرامة
(2) أن ليس لهم كرامات واقعا ، و في هذا يرجع إلى أهل الفن الذين لا إشكال في أنهم من أهل المكاشفة الحقيقية كالسيد حيدر الآملي و محمود القيصري ، قال جلال الدين الاشتياني في "ِشرح مقدمة القيصري" على فصوص الحكم ، ص550 حيث يتحدث عن أحد قسمي الكشف و هما المكاشفة المعنوية و المكاشفة الصورة (( و أنواع الكشف الصوري إما أن تتعلق بالحوادث الدنيوية )) مثل طي الأرض و طي الزمان و إتيان طعام الصيف في الشتاء و بالعكس و هذا الأخير اليوم ليس من الكرامات ، و لا نريد أن نشكل عن هذه الأمثلة التي يذكرونها حيث أنها موجودة في إبليس (( أو أن تتعلق بالحوادث غير الدنوي ، فإن كانت متعلقة بها )) أي الدنيوية (( كمجيء زيد من السفر و إعطائه لعمرو ألفا من الدنانير فتسمى رهبانية )) باعتبار أنها تحتاج إلى فترة من الاعتزال و الرهبنة لحصولها (( لاطلاعهم على المغيبات الدنيوية بحسب رياضاتهم و مجاهداتهم ، و أهل السلوك لعدم وقوف هممهم العالية في الأمور الدنياوية لا يلتفتون إلى هذا القسم من الكشف لصرفهما في الأمور و يعدونها من قبيل الاستدراج و المكر بالعبد )) و هذا رد على ادعاءات الكرامات فغرض الرياضات قد لا يكون اليقين بل الدنيا ، و يقول السيد جلال الاشتياني الذي هو من حكماء هذا العصر في الكتاب المذكور بالفارسية ما ترجمته (( المكاشفة المرتبطة بالأمور الدنيوية لا تعد من المكاشفة الحقيقية و أولئك الذين يصرفون كل همومهم للوصول إلى هذا المقام منغمرون في الدنيا و معرضون عن الدار الآخرة و الحق فيجعلون من هذه المكاشفات مصائد للوصول إلى المناصب الدنيوية )) فتبين أن ليس كل خارق للعادة كرامة بل منه استدراج و مكر من الله تعالى لبعض عبيده ، و في هذا يروي السيد كمال الحيدري أنه كان في خدمة الشيخ حسن زاده آملي فسأله (سمعت أنك تعلم علم الحروف؟) فقال (نعم علمني علم الحروف ابن أستاذي ميرزا علي القاضي درست على يديه خمس سنوات مختصا بي لم يدرسه غيري) و الميرزا علي القاضي من كبار عرفاء الإمامية كما هو معروف ، سأله السيد كمال الحيدري (شيخنا تعلم؟) فأجاب (علمت البعض و أساؤوا الاستفادة منه و لهذا جزمت أن لا أعلمه أحدا) فمعروف أن لعلم الحروف آثار عظيمة
· ذكر علماؤنا أن الإخبار بما في النفس و الصرة ليس من معاجز الأئمة بل معاجز الأئمة و كراماتهم هي معارف ، و لهذا قسموا المعاجز إلى قسمين (1) معاجز لعموم الناس و هذه العقل العامي يتقبلها كالإخبار بما في الصرة فحقيقة أنها موجودة عند أبغض المخلوقات إلى الله و هو إبليس و هو إنما يسمى كرامة و معجزة جهلا (2) معاجز للخاصة و هي معارفهم (ع)
· ذكر السيد هنا وصية للشيخ جوادي آملي في درس الفصوص
· إنما يرجع الأنبياء إلى المعجزة إذا اضطروا إلى ذلك و إلا فالأصل معجزتهم هي معارفهم المبنية على القواعد العقلية الرصينة
الدرس الثالث و العشرون
في إكمال الرد على دعوى الاستغناء بالنقل عن العقل


· مصدر عقائدنا ما هو؟ إما العقائد من الكتاب أو أنها من الروايات أو أنها من العقل بمعزل عن الكتاب و الرواية
· لكي نرجع إلى الرواية لا بد أن نثبت "حجيتها المنطقية" أولا ، و الدليل على ذلك منحصر في العقل و هذا ما سنبينه مفصلا في مباحث أخرى
· حجية العقل المنطقية ذاتية ترجع إلى القضايا العقلية الأساسية كاستحالة اجتماع النقيضين حيث أنها قضية بديهية لا يمكن الاستدلال عليها و إنكارها ليس إلا مكابرة أو جنون
· يستدل أصحاب دعوى الاستغناء بالنقل عن العقل بالرواية (( دين الله لا يصاب بالعقول )) و هذه الرواية غير معلومة السند ولا يصح الاحتجاج بها و هي مقابلة بروايات كثيرة في إثبات حجية العقل
· ذكرنا مرارا أن استنادنا للروايات ليس استناد المستدل بها بل دليلنا هو العقل محضا و استشهادنا بالروايات للاسترشاد بها و الاستئناس
· أصحاب دعوى الاستغناء بالنقل عن العقل إما مغرضون و لنا قرائن في إثبات أنهم مغرضون يظهرون عند نهضة الإسلام لضربه من الداخل ، أو أنهم جهال جهلا مركبا
· أصحاب دعوى الارتباط بالحجة (ع) يظهرون عندما ينهض الإسلام لضربه من الداخل
· اعتقادي الشخصي أن أصحاب هذه الدعاوى أظلم الناس لأهل البيت (ع) لأنهم يأتون من طريق الرواية لتخدير العقل و الضحك على العامة
· افترضوا أنه ثبتت لنا عصمة أهل البيت (ع) بأي طريق كان فهل تكون مرجعية القرآن إلى القرآن أم إلى الرواية؟ ظهرت هنالك دعوى تقول أنه لا معنى لتفسير القرآن ولا بد أن نرجع في تفسيره إلى الرواية بشكل كلي وهؤلاء إما قالوا أن القرآن لا ظهور له أساسا أو قالوا بأن فهم ظهوره مقتصر على أهل البيت (ع) ، و الصحيح إرجاع القرآن إلى الرواية كما يقول السيد الطباطبائي لا كما يقول البحراني في تفسير "البرهان" و الذي يقول بأنه لا تعمل عقلك ولا فكرك و انظر فقط ماذا يقول المعصوم في تفسير الآية
· نلاحظ في روايات المعصومين (ع) أنهم لا يدعون دعوى في باب العقائد إلا و يرجعونها إلى القرآن و هذه إشارة إلى أن المرجعية لهما معا (( كتاب الله و عترتي )) و إلا كان المعصومون (ع) يستطيعون القول بأن كلامهم كاف في إثبات الدعوى ولا حاجة إلى الاستشهاد بالقرآن
· أهل البيت (ع) أشاروا إلى أن القرآن هو الثقل الأكبر و هو الأصل و أنهم هم الثقل الأصغر و الفرع و إليك بعض الروايات الواردة في المقام ، و قد جمعها السيد الشهيد في كتابه "تعارض الأدلة" ج7 ص315 ، و منها:
(1) ما ورد بلسان الاستنكار و التحاشي عن صدور ما يخالف الكتاب من المعصومين (ع) ، قال الرواي سمعت أبا عبد الله يقول : كل حديث مردود إلى الكتاب و السنة و كل شيء لا يوافق كتاب الله فهو زخرف
(2) ص318 ما دل على إناطة العمل بالرواية بأن يكون موافقا مع الكتاب و عليه شاهد من الكتاب – و هذه الرواية قرينتها معها أنها في العقائد لا في الفروع لأن الفروع لم تأت جميعها في القرآن بخلاف الأصول – قال سألت أبا عبد الله عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به و منهم من لا نثق به ، قال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله (ص) و إلا فالذي جاءكم به أولى به
(3) ص324 : ما يكون مفاده نفي حجية ما يخالف الكتاب الكريم من قبيل الرواية عن الصادق (ع) قال : قال رسول الله إن على كل حق حقيقة و إن على كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه و ما خالف كتاب الله فدعوه – خذوه و دعوه هنا لا تدل على العمل بل الاعتقاد لأنه لا معنى لأن نقول بالنسبة للعمل خذه – و الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة – و المراد من الشبهة ليس الأصولية بل العقائدية أي الشبهة في الحق – فما وافق كتاب الله فخذوه و ما خالف كتاب الله فدعوه
(4) غيرها من الروايات ذكرها سماحة السيد
لو تجاوزنا كل الإشكاليات السابقة على الاستغناء بالنقل تواجها إشكالية أخرى و هو أن أحاديث أهل البيت (ع) منها المحكم و منها المتشابه كما ذكروا هم (ع) ففي ج1 من الكافي ص62 عن سليم بن قيس الهلالي قال : قلت لأمير المؤمنين (ع) : إني سمعت من سلمان و المقداد و أبي ذر شيئا من تفسير القرآن و أحاديث عن نبي الله (ص) غير ما في أيدي الناس ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم – و هنا يتبين أن مشكلة الكذب في النقل موجودة في صدر الإسلام و قد ادعى البعض أن العرفاء نسبوا إلى سلمان روايات مكذوبة عليه – و رأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن و من الأحاديث عن نبي الله أنتم تخالفونهم فيها و تزعمون أن ذلك كله باطل أفترى الناس يكذبون على رسول الله متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم ؟ قال: فأقبل عليَّ فقال: قد سألت فافهم الجواب .إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعاماً وخاصاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً . انتهى ، و في رواية أخرى فإن أمر النبي (ص) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم ومتشابه، وقد كان يكون من رسول الله (ص) الكلام له وجهان، وكلام عام وكلام خاص مثل القرآن ...الخ». (الخصال ص255 ح131)
* إذن كلما ذكر من العقبات بالنسبة للقرآن يرد على الروايات أيضا بل تزيد عليه
 
الدرس الرابع و العشرون و الخامس و العشرون
العقبات التي تواجه ادعاء الاستغناء بالنص عن العقل


· سيأتي بحث لشرح مقصدنا من قولنا "العقل حجة" فأي عقل هو الحجة أهو العقل في عرض الكتاب و السنة أم في طولهما؟
· هنالك اتجاه يقول بأننا نحتاج إلى العقل إلى أن تثبت لنا الشريعة فإذا ثبتت لنا الشريعة استغنينا عن العقل ، فالعقل مفتاح الشريعة فما إن نفتح الشريعة بهذا المفتاح لا يهمنا ما إذا ضيعنا المفتاح أم أبقينا عليه ، فالبيت مفتوح و يمكننا الاستفادة منه سواء احتفظنا بالمفتاح أو وضعناه جانبا
· لهذا الاتجاه دعاة كثيرون في الزمان الحاضر ، يقولون بأننا إنما نحتاج إلى العقل لكي نثبت وجود الله و العدل و النبوة و عندئذ لا نحتاج إلى العقل ، و هذا الاتجاه الذي نريد أن نشكل عليه بالعقبات التي ستأتي في هذا الدرس

القرآن
· لكي نرجع إلى القرآن لا بد أن نثبت عدم وقوع التحريف فيه و هذه من العقبات التي تواجه من يريد أن يجعل من القرآن مرجعية له
· سند القرآن متواتر و لكن البحث في حجية التواتر و لكن بالنسبة للرواية فإن السند ليس متواترا غالبا بل هي روايات آحاد و المشكلة بهذا معقدة أكثر ، و لهذا قال البعض أننا "انسداديون" في باب الرواية بمعنى أنهم لا يقبلون الرواية فيما يتعلق بالعقائد دون القرآن الكريم لأن القرآن ثابت بالتواتر بخلاف الرواية ، جدير بالذكر أن علماءنا صرحوا بأن خبر الواحد ليس حجة في العقائد
· في الروايات محكم و متشابه كما هو حال القرآن ، و لكي نثبت أن الرواية ليست مجملة نحتاج إلى ضابط من خارج الرواية سواء قيل بأنه – أي هذا الضابط – هو العقل أو الكشف أو النور الموجود على الرواية أو الاتصال بالمعصوم (ع) أو غير ذلك ، فالمهم أننا نحتاج إلى ضابط لتمييز محكم الروايات من متشابهها و هذا الضابط ليس الروايات
· هنالك من ادعى أن فهم الروايات مقتصر على طبقة خاصة أو شخص خاصة (نظرية الباب) ، و هنا يطرح سؤال: ما هو الدليل على أن المخاطب بالرواية هو عموم الناس لا فئة أو شخص معين؟
· من العقبات التي تواجه المدعى المذكور هو الظهور الذاتي و الموضوعي الذي بيناه ، و مثال على ذلك ما ذكره صاحب اللمعة الدمشقية في باب الوقف حيث يقول (( والأقوى في المسألة ما دلت عليه صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السلام من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد، وعلله عليه السلام بأنه ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس وظاهره أن خوف أدائه إليهما ، أو إلى أحدهما ليس بشرط، بل هو مظنة لذلك ومن هذا الحديث اختلفت أفهامهم في الشرط المسوغ للبيع )) ففي مثل هذا الموضوع الذي اختلفت أفهام الفقهاء في فهم الرواية لا بد من وجود مرجح خارج عن الرواية لتحديد الفهم الصحيح لها
· من العقبات (هل المقصود بالظهور الموضوعي الظهور الموضوعي في زمن النزول أم زمن الوصول؟) فمع أن شريعة محمد (ص) صالحة لكل زمان و مكان إلى يوم القيامة إلا أنهم (ع) كانوا يشرعون تشريعات خاصة بأزمنتهم
· لو ثبت عندنا حجية ظهور الروايات يبقى أنها لا تفيد إلا الظن و الظن لا يغني عن الحق شيئا في العقائد و إن كان قد يفيد في باب الفروع بسبب إمضاء الأئمة (ع) لبعض الأدلة الظنية
· العقاب التي تواجه الرواية أشد تعقيدا من تلك التي تواجه القرآن الكريم

عقبات خاصة بالرواية دون القرآن الكريم:

· العقبة الأولى: ضياع كثير من الروايات و القرائن و المصادر الواردة عن أهل البيت (ع) ، و هذه المشكلة لا نواجهها في القرآن الكريم على فرض ثبوت عدم وقوع التحريف فيه زيادة ولا نقصانا
· ص41 ج7 من تقريرات بحث السيد الشهيد (( و ينبغي أن لا ننسى بعد كل ذلك أن جملة كثيرة من الأحاديث بل الأصول و الكتب التي صنفها أصحاب الأئمة )) هذه المصنفات الـ400 لأصحاب الأئمة (ع) و التي لم يصلنا منها إلا ما هو دون المائة ، هذا إذا ثبت أنها هي بعينها مصنفات أصحاب الأئمة (ع) ((
· العقبة الثانية: كما أنه ضاع كثير من الروايات فإنه تم الدس و التزوير في كثير من الروايات و الكتب في زمان النبي و الأئمة (ع) ، فقد وقعت الزيادة و النقصان كلاهما في الروايات
· روى الكشي بسنده عن محمد بن عيسى أنه قال : إن بعض أصحابنا سأل يونس بن عبد الرحمان « وأنا حاضر فقال له : يا أبا محمد ما أشدك في الحديث ، وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا فما الذي يحملك على رد الأحاديث؟ فقال : حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد اللّه ـ عليه السلام ـ يقول : لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة ، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة ، فان المغيرة بن سعيد ـ لعنه اللّه ـ قد دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي. فاتقوا اللّه ، ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى ، وسنّة نبينا (ص) ... قال يونس ... وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا ـ عليه السلام ـ فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد اللّه ـ عليه السلام ـ وقال لي : إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد اللّه ـ عليه السلام ـ لعن اللّه أبا الخطاب
· هنالك اختلاف في نسخ الكافي و التهذيب مما يشير إلى احتمال وقوع التزوير فيها مع أن هنالك اطمئنان بتواتر وصول الكافي و التهذيب إلينا
· هنالك من الكذابين من دس في كتب أصحاب الأئمة أحاديث لا أنه تقول عليهم الأحاديث لأنه معروف بالكذب
· العقبة الثالثة: ضياع القرائن المصاحبة للرواية ، فهنالك روايات جزأها رواتها ، و هنالك قرائن لم تذكر فيها ظروفها ، فصاحب الوسائل مثلا قطع بعض الروايات الطويلة بحسب المواضيع التي تتحدث عنها و لهذا يرجع علماؤنا في هذه الروايات إلى أصولها الموجودة في كتب أخرى
· مثال: وردت رواية (( إن الله خلق آدم على صورته )) و الإمام الرضا (ع) بين أن في هذه الرواية قرينة و أنها نقلت دون تلك القرينة لمن أشكل و سأل الإمام (ع) فأصل هذا الحديث كما بينه الإمام الرضا عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله رأى شخصاً يسب صاحبه ويقول له: (قبح الله وجهك) ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : (لاتقبح وجهه فإن الله خلق آدم على صورته) أي خلقه على صورة المشتوم ، فلا تلعن صورة أخيك التي اختارها الله لأبينا آدم وأولاده .
· من يريد أن يدخل إلى الرواية و يستنبط العقائد من الرواية لا بد أن يدخل إلى الرواية بعد معرفته لعلم أصول العقائد ، كالذي يدخل إلى الفقه لا بد له أن يعرف علم أصول الفقه ، و من أهم موارد علم أصول العقائد هو معرفة الموقف الصحيح عند تعارض الأدلة الروائية في المسألة العقائدية ، ولا بد من تأسيس هذا العلم (علم أصول العقائد) ، فعلى سبيل المثال مسألة "الحسن والقبح العقليان" من أصول العقائد
· العقبة الرابعة: تصرف الرواة و النقل بالمعنى ، و هذه العقبة ليست موجودة في القرآن لأننا نعتقد أن ألفاظ القرآن هي الألفاظ التي نزلت على قلب الرسول الأعظم (ص) ، و لكن يصعب إثبات أن ألفاظ الرواية هي بالضبط الألفاظ التي وردت عن الإمام المروية عنه الرواية
· العقبة الخامسة: مستويات الرواة حيث تتأكد الإشكالية السابقة عندما نعلم أن جملة ممن نقل روايات أهل البيت (ع) لم يكونوا عربا ، كما تتأكد الإشكالية عندما نعلم أن جملة ممن استمعوا كلام أهل البيت (ع) و نقلوه لنا لم يكونوا علماء بل كانوا من عامة الناس
· ص32 من تقريرات بحث السيد الشهيد (( و تصرف الرواة في ألفاظ النص و نقلهم له غير مكترثين بألفاظه و غير محافظين على حرفيته في أغلب الأحيان ))
· أصالة عدم التصرف بنحو يخل في المعنى أصل عقلائي يناقش في صحته و عدمها ، و هو مع صحته يفيد الظن و بالتالي لا يمكن تطبيقه في الأصول
· ورد (( نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس بقدر عقولهم )) و عدم مخاطبة المخاطب بما يفوق عقله ليس بخلا من الفاعل و إنما لنقص في القابل كما هو واضح
· ورد أن رسول الله (ص) لم يخاطب أحدا قط بكنه عقله – أي بكنه عقل رسول الله (ص) – و طبعا أهل البيت (ع) خارجون عن هذه القاعدة لأنهم نفس رسول الله (ص)
· هل الروايات الواردة على لسان المعصومين (ع) هي بدرجة واحدة أم أنها بدرجات متفاوتة؟ فالظاهر أن أهل البيت (ع) تحدثوا بمستويات متفاوتة بحسب عقل المخاطب – بفتح الطاء – .
· لكي ندخل في فهم الروايات لا بد أن نشخص المستوى الذي كانت الرواية تخاطبه ، فما هو توحيد عند طبقة معينة قد يكون شركا عند طبقة أخرى (( حسنات الأبرار سيئات المقربين ))
· يرى صاحب البحار إلى أن الأئمة يتكلمون بلسان واحد للجميع ، و السيد العلامة في حواشيه على البحار يقول بخلاف ذلك ، فهنالك خلاف بين علماء الطائفة في هذه المسألة ، البحار ج1 ص100 يقول السيد الطباطبائي في الحاشية (( الذي يذكره رحمه الله من معاني العقل بدعوى كونها مصطلحات معاني العقل لا ينطبق لا على ما اصطلح عليه أهل البحث و لا ما يراه عامة الناس من غيرهم )) أي أهل البحث (( على ما لا يخفى على الخبير الوارد في هذه الأبحاث ، و الذي أوقعه في ما وقع فيه أمران : الأمر الأول : سوء الظن بالباحثين في المعارف العقلية من طريق العقل و البرهان ، و ثانيهما: الطريق الذي سلكه في فهم معاني الأخبار حيث أخذ الجميع في مرتبة واحدة من البيان و هي التي ينالها عامة الأفهام و هي المنزلة التي نزل فيها معظم الأخبار المجيبة لأسئلة أكثر السائلين عنهم (ع) مع أن في الأخبار غررا تشير إلى حقائق لا ينالها إلا الأفهام العالية و العقول الخالصة فأوجب ذلك اختلاط المعارف الفائضة عنهم (ع) وفساد البيانات الساذجة أيضا لفقدها تميزها وتعينها ، فما كل سائل من الرواة في سطح واحد من الفهم ، وما كل حقيقة في سطح واحد من الدقة واللطافة : والكتاب والسنة مشحونان بأن معارف الدين ذوات مراتب مختلفة ، وأن لكل مرتبة أهلا ، وأن في إلغاء المراتب هلاك المعارف الحقيقية ))
· العقبة السادسة: عقبة التقية : و ستأتي في الدرس القادم
· لم تحقق مسألة هل أن التقية مختصة بفروع الدين أم أنها تشمل الفروع و الأصول معا؟ هذا مبحث لم يتطرق له أحد
· ذكر علماؤنا أن مناشئ التقية متعددة و أن منها أنهم (ع) كانوا يوقعون الخلاف بين شيعتهم لحفظهم
· ما هو الضابط الذي من خلاله يمكن تمييز ما ورد على سبيل التقية مما ورد في مورد غير التقية؟
· تقريرات دروس السيد الشهيد ج7 ص34 (( و لكنه ينبغي أن نشير إلى أن التقية التي كان يعملها الأئمة لم تكن تقية من حكام بني أمية و بني العباس فقط بل كانوا يواجهون ظروفا اضطرتهم إلى أن يتقوا أيضا من المسلمين و الرأي العام عندهم فلا يصدر منهم ما يتحدى معقتقدات العامة و يخالف مرتكزاتهم فإن المتتبع لحياة الأئمة يلاحظ أنهم كانوا حريصين كل الحرص على كسب الثقة و الاعتراف لهم بالمكانة العلمية و الدينية من مختلف الفئات و المذاهب التي نشأت داخل الأمة الإسلامية )) فلم يكونوا (ع) يرون المصلحة في بيان الحق و كانوا أحيانا يبينونه على نحو الفلتات التي لا يفهمها إلا الخبير و الفهيم (( و إن كلفهم ذلك بعض التنازلات و التحفظات لكي يستطيعوا بذلك أداء دورهم الصحيح و تمثيل ثقلهم التشريعي و المرجعي الذي تركه لهم النبي (ص) في الأمة في الوقت الذي يحفظون به أيضا على حياتهم و حياة أصحابهم المخلصين و هذا هو السبب فيما يلاحظ في أحاديثهم من الاعتراف في كثير من الأحيان بالمذاهب الأخرى و فتاوى علمائها ))
· سؤال: ذكرتم فيما سبق أن كلام المعصوم يمكن أن يجعل حدا أوسط في البرهان و هذا يدل على أن كلام المعصوم بنفسه بديهي قطعي جزمي ، و هذا خلاف ما قدمتموه من وجوب وجود الضوابط لقبول الرواية؟
· الجواب: هذا هو الخلط الأساسي الذي يقع فيه جملة ممن يذهب إلى هذا الاتجاه فهم يتكلمون في مقام الثبوت و يريدون أخذ النتيجة في مقام الإثبات ، فنحن نقول بأن قول المعصوم يمكن أن يجعل حدا أوسط في البرهان و لكن لا مطلق ما ينسب إلى المعصوم بل ما هو قول المعصوم (ع) جزما بحيث يكون قد تجاوز جميع العقبات السابقة التي شرحناها ، فنحن نقبل الرواية القطعية السند الصريحة المحكمة غير الصادرة تقية و غير المرتبطة بطبقة خاصة ، و بالتالي فإن البحث صغروي لا كبروي ، فليس الأمر هو أننا نرفض الرواية بل كلانا يقبل الرواية و لكن خلافنا في صحة نسبة الرواية و فهمها
· دون تجاوز العقبات السابقة خرق القتاد كما يقول السيد كمال الحيدري !!!!!!!!
· الروايات التي تحاول أن تغيب العقل كلها ضعيفة السند أو لا سند لها خصوصا الروايات التي يذكرها العرفاء ، فليس لهذه الروايات سند أبدا بل إنها ليست موجودة إلا في كتب العرفاء ، و إن وجدتها تجدها في مصنفات العامة و لو تتبعت مصدرها في كتبهم لوجدتها ناتجة من جهة تريد تغييب عقل الأمة
· ما هي العلاقة الحاكمة بين الوحي و العقل؟ هل هي علاقة الحاكمية و المحكومية أم علاقة المشاركة أم علاقة التابعية و المتبوعية؟ و قد يعبر عن هذا السؤال بتعبير آخر: ما هي العلاقة بين الفلسفة و الدين؟ هنا نظريات عديدة سنبينها لاحقا
 
الدرس السادس و العشرون
في المراد من العقل و الوحي


تمهيد:

· بعض العقبات المذكورة في الدرس السابق يمكن تجاوزها ، و لكن بعضها الآخر لا يمكن تجاوزها إلا بإعمال العقل كشبهة المحكم و المتشابه
· هنالك منهج يحصر الطريق في العقل لفهم العقائد ، و هنالك طريق آخر لنا عليه إشكالات يرى أن الكشف هو الحجة الأساس في المسائل العقائدية
· سؤال: ما العلاقة بين العقل و النص؟ و هل أحدهما مقدم على الآخر؟ لا يخفى أن تقديم أحدهما على الآخر فرع القول بوقوع التعارض بينهما

المراد من الوحي (الدين):


· القدر المتيقن أن كل الشرائع السماوية محتوية على بيان أصول و عقائد كالتوحيد و النبوة و المعاد التي هي مشتركة بين جميع الشرائع
· الدين هو مجموعة العقائد و الفروع و القوانين التي نحتاج إليها لإدارة مجتمع من المجتمعات
· يقول الأستاذ جوادي آملي في كتابه الجديد "شريعت در آينه معرفت" في ص93 تحت عنوان "حقيقة الدين" ما ترجمته (( المعنى اللغوي للدين هو الانقياد الخضوع الإطاعة التسليم الجزاء ، أما المعنى الاصطلاحي للدين فهو مجموعة العقائد و الأخلاق و القوانين التي نحتاج إليها في إدارة المجتمع الإنساني و تربية الإنسان للوصول إلى كمالاته المطلوبة له ))

المراد من العقل:

· العقل : هو قوة مدركة في الإنسان يستطيع أن يدرك بها الأمور الكلية سواء كانت تصورات كلية أو تصديقات كلية (مثال التصديقات الكلية "كل معلول يحتاج إلى علة" و "اجتماع النقيضين محال" في مقابل التصديقات الجزئية مثل "زيد قائم")
· هل القوة العاقلة موجودة قبل وجود المعلومات الجزئية أم ليست موجودة؟ الجواب المحقق في موضعه من علم النفس هو: هذه القوة غير موجودة و إنما الإنسان بواسطة كسبه للعلم يصل إلى هذه المرتبة و إلا إن لم يحصل العلم لا تحصل له القدرة على انتزاع المفاهيم الكلية سواء كانت تصورية أو تصديقية ، فالمولود من بني الإنسان له هذه القوة العاقلة بالقوة عند ولادته ثم و بعد إدراكه لجزئيات كثيرة تحصل عنده هذه القوة العاقلة بالفعل ، و قد أشارت الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) أن ليس كل البشر سواء في القوة العاقلة ، و إجمالا فالقوة العاقلة تماما كالقدرة على الكتابة لا بد للإنسان من أن يتعلم كي ينقلها من القوة إلى الفعل ، و هؤلاء الذين عندهم هذه القوة بالفعل يتفاوتون شدة و ضعفا في قدرتهم هذه
· غذاء العقل الذي ينقله من القوة إلى الفعل بل و يشد فعليته هو العلم
· أشارت الروايات إلى اختلاف العقول في الشدة و الضعف منها ما روي في الكافي عن الرضا (ع) : (( إنما يداق الله العباد الحساب بقدر ما آتاهم من العقول ))
· للعقل مراتب ، المرتبة الأولى: العقل الهيولاني و هي مرتبة كون النفس خالية عن جميع المعقولات أي أن في الإنسان استعداد بأن يتعقل فهو عاقل بالقوة لا الفعل ، ثم أول ما يتعقله الإنسان هو القضايا الأولية و البديهية في مصاديقها الجزئية ، ثم يبدأ بتجريد تلك القضايا البديهية عن مصاديقها ليتعقل مفاهيمها الكلية
· معنى قولنا أن العقل حجة هو أنه كاشف للواقع
· ليس العقل إلا القضايا العقلية الأولية و الأساسية و التي لا يمكن إقامة البرهان عليها ، و بالتالي فنحن نقول بأن العقل حجة بذاته
· استحالة اجتماع النقيضين قضية عقلية أساسية مقترنة مع كل قضية
· ترجع حجية العقل إلى القضايا العقلية الأولية و التي هي قضايا واضحة بذاتها ، و من هنا يتبين أن الكتاب و السنة ليست حجة في ذاتها لأنها ليست من قبيل القضايا العقلية الأولية
· قال العلامة الطباطبائي : (( تبين من جميع ما ذكرنا : أن المراد بالعقل في كلامه تعالى هو الإدراك الذي يتم للإنسان مع سلامة فطرته ، و به يظهر معنى قوله سبحانه "كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون" فبالبيان يتم العلم ، والعلم مقدمة للعقل ووسيلة إليه كما قال تعالى : " وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون " ))
 
الدرس السابع و العشرون
العلاقة بين العقل و الوحي


· انتهينا في البحث السابق إلى بيان (1) المراد من الدين و (2) المراد من العقل
· سؤال هذا الدرس: ما هي العلاقة بين الدين و الفلسفة؟ هل يغني أحدهما عن الآخر؟

عدة اتجاهات في علاقة الدين بالفلسفة:

· الاتجاه الأول (النظرية الوضعية): هو الاتجاه الذي أنكر الوحي و أنكر وجود واقعية له و فسره بتفسيرات أخرى كقولهم "الدين أفيون الشعوب" ، و هؤلاء يقولون بأن كل القضايا التي لا يمكن إثباتها بالتجربة و الحس لا معنى لها
· أشار القرآن الكريم إلى هذا الاتجاه في سورة الأنفال آية 31 قوله تعالى (( و إذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هي إلا أساطير الأولين )) و قوله في سورة هود (( يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول )) بمعنى أن كلامك يا شعيب لا معنى له لا أننا نحن ضعفاء فقولهم لشعيب قدح في الفاعل لا القابل
· للفلسفة دور الرد على هذه النظرية من خلال بيان أن الوجود ليس ماديا فقط بل هنالك وجودا وراء المادة و هذا بحث موكول لنظرية المعرفة
· الاتجاه الثاني: اعترف بالوحي و لكنه رفض المدعيات الدينية إن لم توافق العقل ، فهؤلاء جعلوا العقل هو الأصل و قاسوا عليه جميع مدعيات الدين من عقائد و أخلاق و قوانين و غير ذلك
· يشكل على الاتجاه الثاني: ما هو العقل الذي هو المدار هل هو العقل الناظر إلى مصالحه الفردية أم العقل الناظر إلى مصالحه القومية أم العقل الناظر إلى مصالحه الحزبية أم أي عقل ؟ نقول: الاتجاه الثاني جعل مدار العقل هو الهوى و المصلحة الفردية ، ولو توسعوا أكثر من ذلك لوجدتهم يجعلون مدار العقل المصلحة القومية ، و المذهب البراغماتي جعل مدار العقل هو المنفعة الدنيوية
· أشار القرآن الكريم إلى هذا الاتجاه بقوله تعالى : (( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم و فريقا تقتلون )) و في آية أخرى (( و قالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ))
· عندما نقول بأن حجية العقل ذاتية لا نقصد العقل الملوث بالهوى بل العقل الراجع إلى القضايا العقلية الأساسية الأولية البديهية
· تصور البعض أن وسائل الاستنباط الفقهي كافية و كفيلة باستنباط المسائل العقائدية فوقعوا في أخطاء من قبيل إنكار الولاية التكوينية بادعاء ضعف الأسانيد ، و هذا سببه عدم الاعتماد على القواعد العقلية و الاكتفاء بقواعد الاستنباط الفقهي ، و الخلط بين الاستنباط الفقهي و العقائدي هو سبب كثير من الأخطاء
· هنالك خلط آخر عند البعض و هو معاملة البحث التاريخي بالقواعد الاستنباط الفقهي ، و الصحيح أن منهجية البحث التاريخي مختلفة تماما ، فلو أردنا أن نحقق بأسانيد التاريخ لما ثبت لنا تاريخ أبدا
· على من يريد تطبيق قواعد الاستنباط الفقهي في التاريخ و العقائد أن يقيم الدليل على صحة ذلك
· من التفسيرات التي فسروا بها العقل هو العقل الطبعي البيئية الاجتماعي و الذي يعبر عنه الأمريكي "دورغايم" بـ"العقل الجمعي" و هو العقل المتأثر بالآباء و الأجداد و البيئة و المجتمع ، و ليس العقل الراجع إلى القضايا العقلية الأساسية و البرهان
· من الواضح أن هذا الاتجاه الثاني لا يبقي شيئا من الدين لأن الدين أساسه قائم على الغيب قال تعالى (( يؤمنون بالغيب ))
· الاتجاه الثالث: و يقول بأننا نحتاج إلى العقل إلى حد معين ثم لا نحتاج إليه بعد إثبات الوحي ، و يمثلهم الشيخ جوادي آملي بأنهم يرون العقل كالحذاء الذي نحتاجه حتى نصل إلى باب المنزل فبما أن نصل إلى باب المنزل (( اخلع نعليك إنك بالواد المقدس )) فبعد دخول حرم الشريعة لا يحتاج إلى العقل
· أصحاب الاتجاه الثالث غير ملتفتين إلى مدى صعوبة الوصول إلى حرم الشريعة عن طريق العقل ، فكثير من عقول الغرب عجزت عن الوصول إلى إثبات وجود الله و نحن نرفض أن يكون كل هؤلاء مغرضين ، أضف إلى مسألة إثبات وجود الله تعالى عشرات المسائل من إثبات واقعية الوجود و مباحث الصفات و مبحث النبوة العامة و غيرها من المباحث و كل من هذه المباحث منطو على عشرات المسائل العقلية
· هنا سؤال: هل تقبل القواعد العقلية التي نقحناها في مرحلة وصولنا إلى الشرع التخصيص؟ الجواب: قال الحكيم السبزواري (( و عقلية الأحكام لا تخصص )) فإذا ثبت أن اجتماع النقيضين محال في إثباتنا للنبوة العامة و الخاصة و التوحيد ، لا يمكننا أن نقول بأننا نوقف هذه القاعدة العقلية عند بحثنا للروايات أي بعد ثبوت الشرع
 
الدرس الثامن و العشرون


أمثلة لبيان حاجتنا إلى العقل حتى بعد دخول حرم الشريعة:

· سؤال : مدعانا أن القواعد العقلية تبقى معنا و نحتاجها حتى بعد إثبات الشريعة و الدخول في حرم الشريعة؟ الجواب: لو فرضنا أن الشارع جاء و قال "رفع ما لا يعلمون" فلو أردنا أن نطبق هذه القاعدة في حالة وجود إناءين نعلم بنجاسة أحدهما ففي هذه الحالة تعتبر نجاسة كل من الإناءين مجهولة فهل رفع عنها ما لا نعلم؟ لا ، لأن هنالك قيد عقلي لقاعدة "رفع ما لا يعلمون" و هو أن "الترخيص في مخالفة الله القطعية يقبح عقلا" و بالتالي فهذا الحكم العقلي (لا الرواية) مقيد للرواية السابقة
· مثال آخر: حجية خبر الثقة ثابتة في أصول الفقه ، فإذا جاء خبر ثقة بوجوب فعل الصلاة و جاء خبر آخر بحرمة الإتيان بها فعندئذ نحكم حكما عقليا بديهيا في إبطال أحدهما و هو استحالة اجتماع النقيضين
· القواعد العقلية التي نقيد بها النصوص بعضها بديهية و بعضها نظرية
· مثال: التفويض (و هو القول بأن الخلق بعد أن كان تكوينا مرتبطا بالله صار غير مرتبط به و لا صلة له به) باطل عقلا مع أن هنالك روايات نصت عليه ، و مرجع البطلان العقلي إلى اجتماع النقيضين لأن من يقول بالتفويض يقول بأن الخلق مرتبط بالله و غير مرتبط به (لا فصل ولا وصل ولا كيف)
· مثال آخر: ما الذي يحدد أيا من الآيتين الآتيتين محكمة و أيهما متشابهة (( الرحمن على العرش استوى )) و (( ليس كمثله شيء ))؟ إنه العقل من يحكم بأن الآية الأولى هي المتشابهة و الثانية هي المحكمة
· النتيجة: لا يمكن التفصيل في حجية الدليل العقلي بأن نقبله قبل إثبات الشرع و نرفضه بعد إثباته و لو قبلنا هذه الدعوى لنسفنا الأصل الذي ابتنى عليه الدين

بيان الاتجاه الرابع الذي يتباه شارح الدروس:

· الاتجاه الرابع: و هو الاتجاه الذي نختاره نحن في مسألة الدليل العقلي
· سؤال: ما العلاقة بين الشرع و العقل؟ الجواب: أي عقل هو المقصود هل العقل الذي يثبت الشريعة أم العقل السابق على إثبات الشريعة؟ الجواب: إن كان العقل المثبت للشريعة فكيف يعارضها و هو يثبتها ، و أما العقل الذي هو قبل إثبات الشريعة فالمسألة سالبة بانتفاء الموضوع لأن الشريعة لم تثبت عندئذ بعدُ.
· للعقل ثلاثة موارد العقل الذي هو (1) معيار (2) مصباح (3) مفتاح
· العقل سيد الميدان في الأمور الكلية أما الجزئيات كعدد ركعات الصلاة و مسائل أعضاء الميت و الطهارة و النجاسة فالعقل لا يقول فيها شيئا لا إثباتا ولا نفيا ، ولاحظ أن العقل لا يشك فيها بل لا يقول فيها شيئا و فرق بين الأمرين
· في المورد الأول الذي يكون العقل فيه معيار إذا جاء ما يخالف العقل من النص يجب تأويل النص
· في هذه الموارد يكون الدليل الرئيسي هو العقل و يأتي النص شاهدا عليه

روايات في فضل العقل و بيان عدم تعارضه مع الوحي:

· رواية في نوادر الأخبار للفيض الكاشاني عن روضة الكافي عن النبي (ص) قال : (( قوام المرء عقله ولا دين لمن لا عقل له ))
· رواية عن النبي (ص) قال : (( أساس الدين بني على العقل و فرضت الفرائض على العقل و ربنا يعرف بالعقل و يتوسل إليه بالعقل و العاقل أقرب إلى ربه من جميع المجتهدين بغير عقل و لمثقال ذرة من بر العاقل أفضل من جهاد الجاهل ألف عام ))
· تحف العقول ، في رواية (( إن العقل عقال من الجهل و النفس مثل أخبث الدواب فإن لم تعقل حارت )) إلى أن يقول (( فتشعب من العقل )) ثم يعدد الكمالات جميعا
· الكافي ج1 ص10 وحديث الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «قال: هبط جبرئيل على آدم (ع) فقال: يا آدم إني أمرت أن أخيرك واحدة من ثلاث فاخترها ودع اثنتين. فقال له آدم: يا جبرئيل وما الثلاث؟ فقال: العقل والحياء والدين. فقال آدم: إني قد اخترت العقل. فقال جبرئيل للحياء والدين: انصرفا ودعاه. فقالا: يا جبرئيل إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان. قال: فشأنكما. وعرج
· عن أبي عبد الله (ع) : (( من كان عاقلا كان له دين و من كان له دين دخل الجنة ))
· تراجع بقية الروايات في مظانها

المورد الثاني للعقل (العقل بما هو مصباح و سراج):

· العقل قبل الدخول إلى الشريعة معيار و ميزان و بعد أن يضع قدمه في أول باب الشريعة يصبح مصباحا و سراجا
· تعبيرنا بالسراج مأخوذ من الروايات حيث عبر أن منزلة العقل كمنزلة السراج في الدار
· الوظيفة الأولى التي يقوم بها العقل بعد دخول حرم الوحي هو التقييد و التخصيص للروايات إذا نافى العموم و الإطلاق الدليل العقلي
· الوظيفة الثانية للعقل الذي هو سراج و مصباح هي تمييز الحق من الباطل و الشبهات التي اختلط بالدين مع بعدنا عن الشارع المقدس (ع)
· تسمى الأمور الباطلة المشابهة للحق بالـ"شبهات" و هو تعبير روائي أساسا استعاره علم الأصول و قسمه ، و إلا فالمقصود بالشبهات في الروايات أساسا الشبهات العقائدية
· الوظيفة الثالثة: تمييز السبيل الأفضل إلى الله تعالى من بين السبل المتعددة التي كلها حق
· قال تعالى (( و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )) و قال عز من قائل (( قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين يهدي الله به من اتبع رضوانه سبل السلام )) يشير القرآن إلى تعدد السبل إلى الله تعالى أي إلى "تعدد الحق" ، نعم الصراط واحد ، و هنا سؤال: هل هذه السبل متواطئة أم أن بعضها أفضل من بعض؟ و هل بعضها أكمل من الآخر أم لا؟ و بعبارة أخرى هل توحيدنا مساو لتوحيد أهل البيت (ع) مثلا أم لا؟ طبعا هذه السبل بعضها أفضل من الآخر
· العلامة الطباطبائي في الميزان ج1 : (( أحدها: أن الطرق إلى الله مختلفة كمالا و نقصا و غلاء و رخصا ، في جهة قربها من منبع الحقيقة و الصراط المستقيم كالإسلام و الإيمان و العبادة و الإخلاص و الإخبات ، كما أن مقابلاتها من الكفر و الشرك و الجحود و الطغيان و المعصية كذلك ، قال سبحانه «و لكل درجات مما عملوا و ليوفيهم أعمالهم و هم لا يظلمون»: الأحقاف – 19 و هذا نظير المعارف الإلهية التي تتلقاها العقول من الله فإنها مختلفة باختلاف الاستعدادات و متلونة بألوان القابليات على ما يفيده المثل المضروب في قوله تعالى: «أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها» الآية ))
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق