السبت، 6 أغسطس 2011

تفريغ الدروس من 11 إلى 20

الدرس الحادي عشر


· في هذا الدرس سندخل في أصل بحث العدل الإلهي ، و لا بد أن نقسم البحث أولا إلى مقامين (1) البحث في فعل الله تعالى (2) البحث في فعل الإنسان

المقام الأول من البحث: البحث في فعل الله تعالى

هل يوجد حسن و قبح ذاتي في أفعال الله تعالى؟ و هل للعقل القدرة على إدراكهما إن وجدا؟

· عندما نقول "ينبغي أن يفعل الله كذا" فهل نقصد أن ذلك واجب على الله ، و عندما نقول "لا ينبغي أن يفعل الله كذا" فهل نقصد أن ذلك ممتنع على الله تعالى ، بعبارة أخرى هل يتصف فعل الله تعالى بالضرورة بحيث يجب عليه فعله أو يمتنع أم لا يمكن وصفه بالضرورة؟ هذه من المسائل التي اختلف فيها المتكلمون مع الفلاسفة ، فقال المتكلمون بأننا لا يجوز أن نصف فعل الله تعالى بالضرورة و من هنا فهم يتهمون الفلاسفة بأنهم يقولون بأن الله تعالى مجبور على أفعاله و غير مختار في بعض ما يفعله ، و بالتالي قال المتكلمون بأن صدور الأفعال من الله تعالى على نحو الإمكان ، و معنى الإمكان هو أنه يجوز أن يفعل و يجوز أن يترك
· أشكل الفلاسفة على المتكلمين بأن واجب الوجود لا يمكن أن تكون فيه جهة إمكانية و إلا يلزم الخلف لأن جهة الإمكان تلازم الماهية و الماهيات مختصة بالموجودات الحادثة ، فواجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات و هذه قاعدة فلسفية برهن عليها في محلها
· أدى الخلاف السابق بين المتكلمين و الفلاسفة ببعض علمائنا كالميرزا و تبعه السيد الشهيد إلى استحداث مفهوم ثالث و هو مفهوم (السلطنة) فالله يفعل الفعل بإعمال السلطنة لا بالضرورة و لا بالإمكان لأن الضرورة تساوق الاضطرار وهو ينافي الاختيار ولأن الإمكان لا معنى له في واجب الوجود سبحانه و تعالى
· قاعدة السلطة تقول بأن : الشيء ما لم يجب و لم يعمل الفاعل السلطنة لم يوجد
· قاعدة (الشيء ما لم يجب لم يوجد) قاعدة عقلية عند الفلاسفة لا تقبل الاخترام سواء كان الفعل فعلا إلهيا أو بشريا ، و قد أنكرها السيد الخوئي في الفواعل الاختيارية و قال بأنها خاصة بالفواعل الطبيعية كالنار ، و أما الفواعل الاختيارية فما لم تجب و ما لم يعمل الفاعل السلطنة لما وجد الفعل.
· هذا الهروب (القول بفكرة السلطنة) منشؤه أنهم فهموا الوجوب أنه (وجوب على) و من هنا قالوا هذا الوجوب هو الجبر ، و لهذا فالسيد الشهيد في ج2 من تقريرات بحثه يقول (( و فرق بين حالة له أن يفعل و حالة عليه أن يفعل )) فليس هنالك أمر ثالث فإما له أو عليه أن يفعل (( و حيث أن الضرورة تساوق الاضطرار و الاضطرار يقابل الاختيار فالضرورة تقابل الاختيار )) فلو كان الله مضطرا لكان غير مختار (موجبا) و فعله من قبيل حركة المرتعش التي هي حركة ضرورية
· الشيخ الرئيس و تبعه صدر المتألهين في الأسفار قالوا بأن الوجوب هنا ليس المقصود به (الوجوب على) لأنه قبل أن يخلق الله العالم لم يكن هنالك موجود لكي يوجب على الله تعالى شيئا ، فـ(الوجوب على) يستلزم وجود موجود يوجب على موجود آخر شيئا ، و بالتالي فالله تعالى هو من فرض على نفسه فعل الحسن و ترك القبيح و هذا لا يصدق عليه الاضطرار بل إنه مؤكد للاختيار لأنها ضرورة صدرت عنه
· معنى (الوجوب عن) أن هذا الموجود بهذه المواصفات التي نعرفها يقول العقل أنا أجزم أنه يفعل كذا و يترك كذا ، فأنا أجزم أن الله تعالى عادل لا يخلف الميعاد ، و هذا مثال لـ(الوجوب عن) ، فمثلا أنا أعلم أن فلانا يستطيع أن يخرج إلى الشارع عاريا و لكنني أجزم أنه لا يفعل ذلك و هذا لا يتنافى مع اختياره ، و كذلك الأمر بالنسبة إلى ارتكاب المعصية من قبل المعصومين فإننا نجزم أنهم لا يفعلون المعصية ولا يتركون الطاعة دون أن يتنافى ذلك مع اختيارهم (ع)
· إذن نحن لا نعين وظيفة لله تعالى بمقولة (الوجوب عن و الامتناع عن) بخلاف مقولة (الوجوب على و الامتناع على)
· (الوجوب عن) يقع في طول السلطنة
· إن كان مراد السيد الشهيد من مفهوم السلطنة (الضرورة عن) فلا خلاف في المقام
· عبر السيد كمال الحيدري بالضرورة و الوجوب و كأنهما مترادفين
· شبهة الجبر أدت بعلماء العامة إلى القول بأن العالم حادث زماني لأنهم قالوا لو كان قديما زمانيا لكان مع الله و لو كان مع الله لكان الله مجبرا و مضطرا إلى فعل الحسن و ترك القبيح لأن الموجودات كانت موجودة منذ الأزل و بالتالي فهي توجب منذ الأزل على الله تعالى فعل الحسن و ترك القبيح ، فلكي يثبت أن الله تعالى قادر لا بد أن يخرج الموجودات من العدم إلى الوجود ، و لكي يثبت أن الله قادر لا بد أن يترك ثم يفعل و أما إذا لم يترك فأوجد أزلا و أبدا فلا دليل على أنه قادر على الترك و لكي يثبت أنه قادر على إدخال الأنبياء إلى النار فلا بد أن يفعل ذلك لكي يثبت ذلك ، فالقدرة لا تتحقق إلى بفعلية الطرفين فالعدم يكون فعليا و الوجود يكون فعليا.
· قال الفلاسفة بأن الفيض متصل و دائم وقديم و بالتالي يتحقق طرف واحد هو الوجود دون العدم ، و اتهمهم الفلاسفة بالقول بأن الله تعالى ليس بمختار لأنهم لا يقولون بالحدوث الزماني فبما أن الموجودات لم تكن معدومة فلا دليل على قدرة الله على إعدامها
· منشأ قول المتكلمين بأنه لا بد أن يتحقق كلا الطرفين لكي تثبت قدرة القادر أنه لو كان الوجود سرمديا دائميا لكان ضروريا و إذا كان ضروريا فهو مناف للاختيار ، و الحق أن الضرورة لا تنافي الاختيار .
· نتيجة: لا نريد من قولنا (ينبغي أن يفعل الله كذا ولا ينبغي كذا) هو مقولة (الوجوب عن) لا (الوجوب على)
· معنى قوله "ينبغي على الله كذا" أننا متيقنون يقينا مانعا من النقيض بأن الله تعالى سيفعل كذا ، فمن كان مستعدا لوجود أو لكمال وجود فلا بد أن يفيض الله تعالى عليه وجوده (كان التامة) و كمال وجوده (كان الناقصة) و ليس ذلك واجبا على الله تعالى بل قضى على نفسه ذلك
· قول المتكلمين بأن الله لكي يثبت أنه قادر لا بد أن يترك و يفعل الشيء و بالتالي لا بد أن يكون العالم حادثا زمانيا ، هذا القول قول باطل فالله تعالى إن شاء فعل و إن شاء ترك ، و هو شاء دائما أن يفعل و يفيض الوجود فالوجود قديم زماني
· يقول السيد الشهيد (( نحن نتعقل سلطنة في طول الاختيار )) و بالتالي يبدو أنه فهم من مقولة الفلاسفة أنهم يقولون بـ(الوجوب على) و إلا فعبارته السابقة في تقريرات السيد الحائري تفيد أنه يوافقهم في مقولة (الوجوب عن)
· اتهم علماء الأصول الفلاسفة بأنهم يقولون بأن الإنسان مسير لا مخير لأنهم قالوا بأن قاعدة (الشيء إذا لم يجب لم يوجد) لا تستثني الإنسان ، و بالتالي إذا لم يجب فعل الإنسان لم يوجد
· منشأ اتهام الأصوليين نفس منشأ إشكال المتكلمين على الفلاسفة و هو أنهم فهموا أن المقصود هو (الوجوب عن) بدل (الوجوب على)

هل يتصف الفعل بما هو فعل بالحسن و القبح؟

· الفرق بين المصدر و اسم المصدر أن الفعل إذا أخذ منسوبا إلى فاعله فهو اسم المصدر فيؤخذ الضرب مثلا منسوبا إلى الضارب فيعتبر اسم المصدر ، و أما إذا أخذ الفعل بما هو هو فهو المصدر فمثلا الإيجاد هو اسم المصدر و الوجود هو المصدر ، مع ملاحظة أن الإيجاد هو عين الوجود و أن الفرق بينهما إنما هو راجع لتحليل العقل ، و بحثنا هنا في الفعل بما هو فعل بقطع النظر عن الفاعل ، فهل يتصف الفعل بما هو فعل بالحسن أو القبح؟
· ظاهر عبارات المعتزلة و الإمامية الذين تابعوهم أن الفعل بما هو فعل له حسن و قبح ذاتي كالزوجية بالنسبة إلى الأربعة فلا يمكن فك الزوجية عن الأربعة لأن ذلك ممتنع و القدرة الإلهية لا تنال العدم (الممتنع) كفك الزوجية عن الأربعة و اجتماع النقيضين و خلق واجب الوجود لأن واجب الوجود ممتنع ، و بالتالي فالله قادر على كل شيء و لكن شريك الباري ليس بشيء و النقيضين المجتمعين ليسا بشيء ، فلا تتعلق بها القدرة الإلهية ، و من هنا عندما سأل إبليس نبي الله عيسى (ع) : يا عيسى هل يقدر ربك على أن يدخل الأرض في بيضة و البيضة كهيئتها؟ فقال: (( إن الله تعالى لا يوصف بعجز و الذي قلت لا يكون ))[1] ، و بالتالي فإن حسن العدل و قبح الظلم أمران واقعيان على حد واقعية مدركات العقل النظري و من أمثلة مدركات العقل النظري عدم اجتماع النقيضين و أن الكل أكبر من الجزء
· لا معنى لوصف الفعل بالحسن و القبح بقطع النظر عن الفاعل لأن الفعل دون فاعل لا وجود له أصلا فيكون قولك (الفعل حسن) إذا قطع النظر عن الفاعل سالبة بانتفاء الموضوع ، فقولك العدل حسن يعني أنه ينبغي أن يفعل ، و الانبغاء يترتب على الفاعل لا الفعل فلو أدخل الله الأنبياء جميعا إلى النار فإن الفعل بما هو فعل لا يتصف بالقبح ما لم يكن صادرا عن فاعل ، فإنما يتصف بالقبح إذا صدر عن فاعل ، فالحسن و القبح قد ينسبان للفاعل أو الفعل ، ففي مبحث التجري في علم الأصول مثلا هنالك حسن و قبح فاعلي لا فعلي ، و أحيانا يكون هنالك حسن و قبح فعلي و فاعلي معا كما في المعصية ، قال السيد الشهيد (ره) في ج4 من تقريرات بحثه ص39 : (( أن يقصد – أي الميرزا – تصور نحوين من القبح ثبوتا أحدهما مركزه ذات الفعل في نفسه بقطع النظر عن إضافته إلى فاعله ،و يقابله الحسن كذلك و هذا هو الحسن و القبح الفعليان و الآخر مركزه الفعل بما هو مضاف إلى فاعله و صادر منه و يقابله الحسن كذلك و هما الحسن و القبح الفاعليان فكنس الشارع مثلا حسن في نفسه و لكن صدوره من العالم قبيح بخلاف ضرب اليتيم ، و في باب المعصية الفعل في نفسه قبيح و أما في بحث التجري فصدوره من القاطع قبيح لا في نفسه )) و يقول السيد الشهيد بأنه لا معنى لهذا التقسم منهجيا لأن القبيح و الحسن إنما يؤخذان بلحاظ الفاعل لا بلحاظ الفعل بما هو فعل ، مع أنه قال في مبحث العدل و الظلم بأن الحسن و القبح أمران واقعيان كما تبين و هنا تهافت في كلامه إلا أن نقول بأن ما ذكره هنا قرينة على ما ذكره هناك ، فيكون المعنى أن الأفعال بما هي هي في ذاتها تتصف بالمصالح و المفاسد ، و هذا ما لا يقبله السيد كمال الحيدري فهو يرى بأن الفعل بالإضافة إلى الفاعل لا بما هو هو يتصف بالمصلحة و المفسدة
· الشاهد على أن الفعل بما هو فعل لا يتصف بحسن ولا قبح هو أن ذلك الفعل لو وقع بدون فاعل لما وصف بالمدح أو الذم ، فلو دخل الأنبياء جميعا النار دون أن يكون هنالك من أدخلهم النار فهذا الفعل لا يتصف بالحسن ولا القبح لعدم وجود الفاعل ، و يشترط في هذا الفاعل أن يكون مختارا و إلا لما وصف فعله بحسن ولا قبح إذا كان مجبورا و مضطرا عليه
· التفاصيل المذكورة في هذا البحث من الحسن و القبح الفعلي و الفاعل ليس موجودا في كلمات الأشاعرة لا المتقدمين و لا المتأخرين منهم
· لو كان إنكار الأشاعرة للحسن و القبح الفعليين لا الفاعليين فإن الحق معهم ، و لو كان إيمان المعتزلة بأن الأفعال منقسمة ذاتا إلى حسن و قبيح منصبا على الحسن و القبح الفعليين لكانوا مخطئين و أما لو كان مرادهم الحسن و القبح الفاعليين لكان الحق معهم – أي المعتزلة – و من هنا يتبين أنه لا الإثبات المعتزلي تام برمته ولا الإنكار الأشعري تام برمته
· ما معنى الذاتي في تعبيرنا (الحسن و القبح الذاتيين) ؟ فهنالك معان متعددة للذاتي ، و ليس مرادنا من الذاتي هنا "الذاتي الذي لا يعلل" بل نريد منه "الذاتي المعلل" الذي هو ناشئ عن الإرادة و الاختيار و الذي عبرنا عنه بـ(الوجوب عن)

[1] بحار الأنوار ج14 ص271
 
 
الدرس الثاني عشر




بينا في الدرس السابق:
-معنى الانبغاء و عدم الانبغاء و رجوعهما إلى (الوجوب عن)
-عدم تعقل معنى للحسن و القبح الفعليين بل الصحيح أن الأفعال إنما تتصف بالحسن و القبح نسبة إلى فاعلها

هل تتصف أفعال الله تعالى بأنها حسنة ذاتا أو قبيحة ذاتا؟ و هل توجد أفعال لو صدرت من الله تعالى لكانت حسنة أو قبيحة؟ و هل هنالك أفعال ينبغي صدورها عن الله تعالى و أفعال لا ينبغي صدورها عنه أم أنه لا يوجد هذا الشيء في أفعال الله تعالى؟

·قال الأشاعرة بأن قولنا (ينبغي على الله أو لا ينبغي عليه) لا يصح لأنه (1) تعيين لوظيفته تعالى من قبل الإنسان الناقص ، كما أنه (2) قياس لأفعال الله تعالى على أفعالنا مع الفارق
·نحن هنا نتكلم عن مقام الثبوت (هل يتصف فعل الله بالحسن و القبح أم لا؟) و لسنا بصدد بحث مقام الإثبات (هل يمكن لعقلنا أن يستكشف حسن و قبح الأفعال الإلهية؟)
·رأينا في هذه المسألة هو رأي المعتزلة فنحن نقول بأن هنالك أفعال ينبغي أن يفعلها الله تعالى مثل العدل و أفعال لا ينبغي أن يفعلها مثل الظلم ، و لكن طريقنا يختلف في هذا عما ذهبت إليه المعتزلة و بعض من تبعهم من الإمامية (العدلية) ، و إنما لنا طريق آخر هو طريق الحكماء (الفلاسفة)
·تذكر معنى العدل الذي ذكرناه في الدروس الأولى (العدل بالمعنى الرابع) و طبقه على الانبغاء
·هنالك ضابطان لتحديد ما إذا كانت الصفة صفة ذات أو صفة فعل الأول ضابط الشيخ الكليني (كل صفة اتصف الله بها و بضدها فهي صفة فعل مثل خالق و ليس بخالق ، رازق و ليس برازق) ، و الضابط الثاني ما ذكره صدر الدين الشيرازي (أن كل صفة كفت الذات لانتزاعها فهي صفة الذات و أما الصفات التي لا بد أن يوجد فعل حتى تنتزع تلك الصفات فهي صفات فعل) و بناء على الضابط الأول يكون العدل صفة ذات و بناء على الضابط الثاني يكون صفة فعل ، و الواقع أنها صفة مرتبطة بفعل الله تعالى و هذا نقض على الضابط الأول ، و هنالك نقض آخر أيضا على ضابط الشيخ الكليني . فإذا لم يوجد لله تعالى فعل فلا معنى أن يوصف بأنه عدل أو ظلم أو يوصف بأنه حسن أو قبيح لأن الحسن و القبح صفتان للفعل الصادر من فاعل معين لا صفتان للفاعل بما هو فاعل من غير أن يفعل فعلا و إنما يتصف بذلك بعد صدور الفعل (راجع تعريف أفعال الذات و أفعال الصفات من كتاب التوحيد)
·مرجع فعل القبيح إما إلى (1) الجهل بقبح القبيح (2) الحاجة إلى فعل القبيح (3) الاضطرار بأن يفعل القبيح (4) اللهو و العبث و اللعب و كل ذلك لا يصدق على الله تعالى لأنها نقص ، و العدل يصدر عن الله تعالى لأنه كمال و حيث أن العدل كمال فهو حسن
·قال المعتزلة بأن العدل حسن فينبغي على الله تعالى أن يفعله ، و لكننا نقول بأن العدل – بمعنى إعطاء كل ذي استعداد ما هو مستعد له – كمال و بالتالي يجب أن نصف به الله تعالى ، و لسنا نقصد هنا أن الفعل بما هو فعل ينقسم إلى كمال و نقص و لكننا نقول بأن الفعل منسوبا إلى فاعله ينقسم إلى كمال و نقص ، و الكمال لا بد أن صدر من الله تعالى ، فالعدل لا بد أن يصدر من الله تعالى ، و هذه اللابدية ليست لابدية على بل لابديه عن .
·نحن ننتزع الحسن و القبح من فعل الله تعالى لا أننا نقول كما تقول المعتزلة بأنه بما أن العدل حسن فهو واجب على الله تعالى ، فالحسن عندنا تابع لفعل الله تعالى ، و هنا قد يشكل أحدهم علينا بأن مدعانا معتزلي و نتائجنا أشعرية و إليك الجواب:
·نحن قلنا أن الفاعل هو الله تعالى و لكن هذا الفاعل عالم قادر غني متصف بجميع صفات الكمال ، فلا يصدر عن هذا الفاعل ما هو مخالف لمقتضى ذاته ، و عدم صدور ما هو مخالف لمقتضى ذاته هو بإرادته و ليس رغما عن إرادته ، فلا يصدر عن الكامل إلا الكامل ، و هذا معنى ما ذكرناه في بحث التوحيد من أن هنالك سنخية بين العلة و المعلول ، فليس هنالك سنخية بين الله و الظلم لأن الظلم نقص ، و لكن هنالك سنخية بين الله و العدل لأن الله كامل و العدل كمال ، إذن هنا نحن انتزعنا الحسن و القبح من الفعل بما هو منسوب إلى الفاعل لا من الفعل بما هو هو ، و هنا موضع تميزنا عن الأشاعرة و المعتزلة فالفعل كالعدل حسن في ذاته لأنه صادر عن الفاعل الكامل و لو لم يصدر عنه هذا الفعل لكان الفعل قبيحا ، فالحسن و القبح منتزعان من فعل الله تعالى ، و لكن هذا لا يؤدي إلى النتائج التي يريدها الأشعري لأن الأشعري يقول بما أن الحسن و القبح منتزعان من فعله فما فعله حسن و ما لم يفعله قبيح ، و لكننا نقول أن ما فعله مقتضى ذاته يكون حسنا و ما فعله مخالفا لمقتضى ذاته يكون قبيحا ، و هنا فرق دقيق بين قولنا و قول الأشاعرة فجملة ممن لا فهم لهم لكلمات الحكماء يتهمون الحكماء بالجبر لعدم فهمهم لهذا المطلب ، فهل الحسن و القبح حاكم على فعل الله أم أن فعله حاكم على الحسن و القبح؟ فعله هو الحاكم و لكن عندما نأتي إلى الفاعل فإنه لا يصدر عنه إلا العدل لأن ذاته تقتضي ذلك ، فإذا قلنا بأن فعله للحسن و تركه للقبيح مقتضى ذاته نكون لم نعين له الوظيفة و لم نفرض على الله تعالى فعل الحسن و ترك القبيح و لكن ذاته الكاملة تقتضي أنه لا يفعل ذلك ، و بالتالي لو أراد الله أن يدخل الأنبياء جميعا إلى النار لكان قادرا على ذلك و لكن ذاته تقتضي عدم ذلك ، و من هنا نلاحظ تعبير الله تعالى في القرآن بـ (( و ما كنا )) إشارة إلى اقتضاء ذاته كقوله تعالى : (( و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )) ، فالأشعري يقول بأن الفعل لا يوصف بالانبغاء و عدم الانبغاء ، و نحن نقول بأنه يوصف بذلك على الوجه المذكور ، فإدخال الله تعالى الأنبياء النار قبيح و لكننا لا نعين وظيفته لأن ذاته تقتضي أنه لا يفعل ذلك.
·أنكر الأشاعرة أن الفعل له حسن و قبح ذاتي و نحن أيدناهم في ذلك ، و لكن أخذوا نتائج ذلك مرتبطة بالفاعل لا بالفعل و هذه هي المغالطة ، و المعتزلة اعتقدوا بالحسن و القبح الذاتيين و لكنهم سحبوا ذلك على الفاعل الذي هو الله تعالى
·مناط الانبغاء وعدم الانبغاء هو الكمال و النقص
·من هنا نحن نجزم – كما يبحث في علم الكلام - بأن الله تعالى إذا وعد لا يخلف وعده ، قال تعالى : (( كتب على نفسه الرحمة ))
 
الدرس الثالث عشر


تابع الدرس السابق و قاعدة السنخية بين العلة و المعلول:

· نحن عندنا حسن و قبح ذاتيان و لكن لا بمعنى الحسن و القبح الفعليين بل الفاعليين
· قال الله تعالى في القرآن الكريم بأن السنن الإلهية لا تبدل ولا تحول (( لن تجد لسنة الله تبديلا )) (( لن تجد لسنة الله تحويلا )) و من هنا يتبين أنه لا يترك الحسن و لا يفعل القبيح إلى الأبد
· لماذا أوجد الله الخلق؟ أوجد الله تعالى الخلق لأن الإيجاد مسانخ له و العدم ليس مسانخا له فالعالم متساوي النسبة إلى الوجود و العدم و قد رجح الله تعالى وجوده على عدمه لأن الوجود مسانخ لله ، فقاعدة السنخية هي أساس الوجود و الكون و لو لم توجد قاعدة السنخية لما استقر شيء على شيء و لما ثبت شيء على شيء ، فقاعدة السنخية هي التي تجعلنا نأتي بالنار عندما نريد الحرارة لا أن نأتي بالثلج مع أن انبثاق الحرارة من الثلج ممكن و لكن إرادة الله تعالى رجحت أن يكون المعلول الخاص صادرا عن علة خاصة و إلا لكان كل شيء علة لكل شيء و لانهدم نظام العالم ، و لذا فإن قانون العلية هو النظام العام الذي يحكم العالم و حتى المعجزة فهي ليست خرقا لهذا القانون و إنما هي خرق للعادة فقط لا قانون العلية
· قاعدة السنخية تقتضي أن القبائح و النواقص لا يمكن أن تصدر عن الله تعالى و من هنا تحل قاعدة الشرور حيث يتبين أن الشرور نسبية و أنها حسنة في مفهومها العام كما سيأتي

مقالة المعتزلة في إثبات الحسن و القبح الذاتي:

· قال المعتزلة بأن العقل البشري يدرك بالوجدان – لا بالبرهان لأن مدركات العقل العملي وجدانية – أن العدل حسن في ذاته و أن الظلم قبيح في ذاته ، و يستتبع ذلك إدراكا آخر هو حسن العدل و قبح الظلم في نفسيها لا بملاحظة فاعل معين سواء كان الفاعل عالما أو جاهلا خالقا أو مخلوقا قادرا أو عاجزا .. الخ
· قال المعتزلة بأن فعل الله تعالى محكوم بما يدركه العقل البشري من التحسين و التقبيح لا أن الحسن و القبح مستخرجان من صفات ذات الله تعالى
· إشكال (1) على مقولة المعتزلة: كيف يمكن أن نتعقل أن الفعل الذي صدر من الله - و هو الإنسان - يعين لله وظيفة؟
· إشكال (2) على مقولة المعتزلة: الحسن و القبح مدركات للإنسان فتجري على فعل الإنسان ولا دليل أنها تجري على أفعال الله تعالى
· لا يشكل على منهجنا بالإشكالات السابقة لأننا لم ننشئ الانبغاء و عدم الانبغاء و إنما قلنا بأنها معلولات لذاته مسانخة لها و بالتالي فكل ما تفعله الذات الإلهية حسن و كمال لاقتضاء السنخية لذلك
· أحيانا يتصور الإنسان شيئا بأنه كمال و حسن و لكنه في الواقع نقص فمثلا إذا كان ابنك عاصيا فهل تعاقبه بأن تحرقه بالنار؟ عادة أن مقتضى رحمة الأب أن لا يحرق ابنه بالنار و لكن الله تعالى يعاقب مثل هذا الشخص العاصي و لو كان بنت محمد (ص) كما في الرواية و هو كمال بالنسبة له لأن الرحمة في هذا الموضع بسبب الانفعال العاطفي و هو نقص ، و كذلك طلب العلم فهو كمال بالنسبة إلى الناقص و لكنه لا ينبغي على الله تعالى ، و جملة من إشكالات الأشاعرة ناشئة من ملاحظتهم أن مجموعة من الكمالات بالنسبة إلى الإنسان ليست كمالات بالنسبة إلى الله تعالى ، و من هنا يتبين أن تخليد الكافرين في النار و مدى توافق هذه العقوبة مع المعصية تسهل إجابته بالنسبة إلى الأشاعرة ، و لكن المعتزلة يتتعتعون في جواب هذه الإشكالية لأنهم يقيسون حسن و قبح أفعال الله تعالى على ما يرونه حسنا و قبحا في أفعالهم فهم يبدؤون من الأدنى إلى الأعلى ، و الصحيح أن تبدأ من التوحيد لتنتهي بالعدل
· الطريقة المتعارفة في إثبات وجود الله تعالى هو أن تبطل التسلسل أولا ثم تثبت واجب الوجود و بالتالي لو جاء شخص و أنكر بطلان التسلسل لم يمكن لك إثبات واجب الوجود ، و لكن هنالك طريق ثان هو أن تثبت واجب الوجود ثم تبطل التسلسل ، قس هذه القضية على مسألة الحسن و القبح فنحن في منهجنا جعلنا كمال الذات منشأ لحسن أفعال الله تعالى و عدم فعله القبيح ، و أما المعتزلة فأثبتوا حسنا و قبحا ذاتيا و عقليا في أفعال الإنسان ثم أجروا هذه الأحكام على الله تعالى .
· عندما تسأل المعتزلي: هل يفعل الله الظلم؟ يقول: لا . لماذا؟ لأنه قبيح . و من يقول أنه قبيح؟ عقلي يقول أنه قبيح . و لكن عندما تسأل السيد كمال الحيدري : هل يفعل الله الظلم؟ يقول: لا . لماذا؟ لأنه نقص و النقص لا يجوز على الله تعالى.
· يلاحظ أن المعتزلة أنهم يعتمدون الوجدان و إجماع العقلاء في تحديد الحسن من القبيح ، و الواقع أنهم لو سئلوا فرضا : لو خلق الله إنسانا معلقا في الفضاء موجودا بمفرده فهل سيدرك الحسن و القبح؟ يقولون نعم ، و لكنهم واقعا لم يجربوا ذلك و لا دليل لهم عليه ، و بالتالي فمنهجنا يقول بأن الله لا يفعل الظلم لأنه نقص لا لأنه قبيح و أدلة التوحيد قالت بأن الله كامل ، و في رتبة لاحقة قلنا أنه لا يفعله لأنه قبيح ، و لكن المعتزلي يجعل قبح الفعل علة لترك الله له فهو يجعل عقل الإنسان هو الحاكم ، و نحن لا نعلل عدم فعل الله تعالى بإدراكات عقولنا
· هل تقبل مدركات العقل العملي التعليل أم لا فمثلا تسأل لماذا الظلم قبيح؟ سيأتي هذا البحث
· كل من الأشاعرة و المعتزلة و الحكماء يقولون بأن الله لا يفعل الظلم و لكن كل منهم يعلل ذلك بتعليل فالحكيم يقول لأنه نقص ، و المعتزلي يقول لأنه قبيح و عقلي يحكم بقبحه ، والأشعري يقول لأن الظلم ليس موجود و أن كل ما هو فعل لله هو عدل و حسن
· بهذا نكون أثبتنا الحسن و القبح الذاتيين بملاحظة الفاعل لا الفعل على طريقة الحكماء

مقالة الأشاعرة في إثبات الحسن و القبح الذاتي:

· ج1 ص317 من دلائل الصدق للشيخ المظفر (( قالت الإمامية و متابعوهم من المعتزلة إن الحسن و القبح عقليان مستندان إلى صفات قائمة بالأفعال )) و بينا أن الأفعال بما هي هي لا تنقسم إلى حسنة و قبيح فهذا الكلام غير تام (( أو وجوه و اعتبارات تقع عليها ، و قالت الأشاعرة إن العقل لا يحكم بحسن شيء البتة قطعا و لا بقبحه بل كل ما يقع في الوجود من أنواع الشرور كالظلم و العدوان و القتل و الظلم و الإلحاد و سب الله تعالى و سب أوليائه فإنه حسن )) (( مناقشة الفضل : الحسن و القبح يقال لمعان ثلاثة : المعنى الأول : الكمال و النقص يقال العلم حسن و الجهل قبيح و لا نزاع في أن هذا ثابت للصفات في أنفسها و أن مدركه العقل ولا تعلق له بالشرع )) نحن لا نقبل مقولة الأشاعرة بان الأفعال في نفسها تتصف بالكمال و النقص و إنما نقول بأنها نسبة إلى الفاعل تتصف بذلك

الحسن و القبح بمعنى الانبغاء و عدم الانبغاء و وقوعه في عرض المعاني الأخرى:

· المظفر و جملة من العلماء قالوا بإطلاق الحسن و القبح على معان ثلاثة ، وقال السيد الشهيد و السبحاني بأنهما يطلقان على معان أربع (1) الكمال و النقص (2) الملاءمة للطبع و المنافرة للطبع (3) المصلحة و المفسدة (4) الانبغاء و عدم الانبغاء
· الحسن و القبح بالمعنى الرابع في عرض المعاني الأخرى لا في طولها فقد لا يكون في الفعل مصلحة ولا مفسدة و ليس فيه ملاءمة للطبع أو عدم ملاءمة و لا يوجد فيه كمال ولا نقص و يبقى العقل يقول بأنه ينبغي أو لا ينبغي فمثلا قتل إنسان لإنقاذ إنسانين فيه مصلحة و لكنه لا ينبغي فقد يوجد كمال و يوجد انبغاء و قد لا يوجد ذلك و قد توجد ملاءمة و يوجد انبغاء و قد لا يوجد ذلك ، انظر السبحاني الإلهيات ج1 (( فهذه الملاكات الثلاثة على فرض كونها ملاكات للاتصاف بالحسن و القبح خارجة عن حريم البحث و إنما البحث بين العدلية و غيرهم في الملاك الرابع و هو فما استحق من الأفعال مدح فاعله عد عند العقلاء حسنا و ما استحق ذما عد عندهم قبيحا و ذلك بملاحظة الفعل نفسه من حيث هو هو من دون ضم شيء إليه و من دون ملاحظة أنه مشتمل على نفع شخصي أو نوعي و من دون أن تلحظ فيه مصلحة أو مفسدة أو كمال أو نقص فإن العقل يستقل بوصفه بالحسن أو القبح ))
 
الدرس الرابع عشر


هل هنالك بابان أحدهما باب العقل النظري و الآخر باب العقل العملي أم لا يوجد؟ فهل هنالك قوتان إحداهما تدرك الأمور النظرية و الأخرى العملية أم أن هنالك قوة واحدة تدرك ذلك؟

· ظاهر عبارة البعض أن هنالك قوتين إحداهما تدرك الأمور العملية و الأخرى تدرك الأمور النظرية
· العقل النظري هي مدركات العقل المتعلقة بالأمور النظرية التي ينبغي أن تعلم
· معقولات العقل النظري على قسمين (1) يقينيات (2) نظريات ، و القسم الأول هو رأس مال الإنسان ، و القسم الثاني هو تلك القضايا التي تستنتج من قضايا القسم الأول ، و بعبارة أخرى تنقسم القضايا إلى (1) نظرية و معنى النظري هنا غير النظري في قولنا عقل نظري بل (2) ضرورية بديهية
· القضايا الضرورية (الأوليات ، الحدسيات ، الحسيات ، الفطريات ، المشاهدات ، المجربات) هي قضايا يقينية يكفي فيها أن تتصور المحمول و الموضوع لكي تصدق بثبوت المحمول للموضوع من دون الحاجة إلى استدلال ، و هذه القضايا هي أساس العلوم و رأس مال الإنسان
· القضايا الضرورية الست المذكورة كما درسناها في المنطق بعضها في عرض البعض الآخر ، و لكن عند التأمل فيها نجد أن خمسا من هذه القضايا هي في طول القسم السادس و هو الأوليات ، فالأوليات هي التي لا تحتاج إلى استدلال دون غيرها
· قد يقال بأن الفطريات لا تحتاج إلى استدلال أيضا كقولك (الكل أكبر من الجزء) ، و لكننا نقول بأنه من الممكن أن نقيم الاستدلال على بعض القضايا اليقينية بينما لا يمكن أن نستدل على بعضها الآخر بل لا يمكن إقامة الدليل عليها ، و الفطريات لوضوحها قد لا تحتاج إلى الاستدلال و لكن يمكن الاستدلال عليها ، فمثلا قولك (الكل أكبر من الجزء) فلو كان الكل مركبا من جزئين و الجزء مركب من جزء واحد ، فإما أن الكل أكبر من الجزء فيثبت المطلب ، أو أن الكل مساو للجزء فيكون وجود الجزء الثاني في الكل و عدمه سواء و هذا يلزم اجتماع النقيضين فيثبت أن الكل ليس مساو للجزء و لكنه أكبر من الجزء ، و يمكن إقامة الدليل على المجربات أيضا فعندما نقول بأننا استقرأنا عشرة تجارب بأن الحديد يتمدد بالحرارة ، و المنطق الأرسطي يقول بأن الصدفة لا تكون دائمية و لا أكثرية بخلاف منطق الاحتمال الذي يقول يخالف ذلك (لا يشترط القياس الخفي) ، فتكون النتيجة قائمة على أساس استدلال صغراه مأخوذة من التجربة و الاستقراء و كبراه مأخوذة من المنطق ، و لكن سرعة الاستدلال السابق قد توهم المستدل بأن نفسه قبلتها بلا دليل مع أن المجربات من القضايا التي قياساتها معها بمعنى أن القياس لا يغيب عن النفس فتتصور بأنها قبلتها بلا استدلال ولا قياس ، و الخلاصة أن الفرق بين الأقسام السابقة و الأوليات هو أن الأوليات لا يمكن أن يقام الدليل عليها و عندما نقول أوليات ففي تعبيرنا مسامحة لأن الأوليات ما هي إلا القول باستحالة اجتماع النقيضين ، فلو أنكر أحدهم استحالة اجتماع النقيضين لم يمكن إقامة الدليل عليه لأن كل دليل لا يصح إلا أن يكون نقيضه باطل و بالتالي فإثبات استحالة اجتماع النقيضين يلزم الدور دائما
· القضية الأولية هي القضية التي لا يمكن إقامة الدليل عليها إثباتا ولا نفيا ولا يمكن الشك فيه أيضا
· هل توجد عندنا قضية مدركة بالعقل العملي يستحيل إقامة الدليل عليها؟ بلى يوجد ، من هنا يتبين أن باب العقل العملي باب مختلف عن باب العقل النظري ، فلكل منهما قضاياه البديهية و الأولية
· السبحاني ج1 ص236 الإلهيات (( فالقائلون بالتحسين و التقبيح العقليين يقولون إن كل عاقل مميز يجد في صميم ذاته حسن بعض الأفعال و قبح بعضها الآخر و أن هذه الأحكام نابعة من صميم القوة العاقلة و الهوية الإنسانية المثالية )) إذن فهي غير مستدل عليها (( و أول من قام بتحرير محل النزاع على الوجه الذي قررناه هو المحقق اللاهيجي في تآليفه الكلامية و أوضح دليل على صواب تحريره هو أن الغرض من هذه المسألة هو التوصل إلى التعرف على أفعاله سبحانه و أن العقل هل يستطيع أن يستكشف وصف أفعاله أو لا ؟ )) و معنى استكشاف العقل هو (( و أن ما هو حسن عند العقل أو قبيح عند العقل هل هو كذلك عند الله تعالى أولا ؟ )) إذن الله يفعل العدل لأنه حسن و العدل حسن لأن العقل يقول ذلك و لماذا يقول العقل ذلك؟ لأنه يدركه ذاتا كما يدرك اجتماع النقيضين ذاتا ، و من توضيحاته أيضا قوله (( إن الحكماء قسموا العقل إلى نظري و عملي فقال المعلم الثاني .. )) ثم يبين الفرق بين العملي و النظري (( ثم كما أن في الحكمة النظرية قضايا نظرية تنتهي إلى قضايا بديهية )) و مراده منها القضايا الست اليقينية المذكورة لا ما بيناه من القضايا البديهية الخمس (( و لولا ذلك لعقمت القياسات و صارت غير منتجة فهكذا في الحكمة العملية قضايا غير معلومة لا تعرف إلا بالانتهاء إلى قضايا ضرورية ، فكما أن العقل يدرك القضايا البديهية في الحكمة النظرية من صميم ذاتها فهكذا يدرك بديهيات القضايا في الحكمة العملية من صميم ذاتها بلا حاجة إلى تصور شيء آخر )) ثم يضرب مثالا (( إن تطبيق كل القضايا النظرية يجب أن ينتهي إلى قضية امتناع اجتماع النقيضين و ارتفاعهما بحيث إذا ارتفع التصديق بهما لما أمكن التصديق بشيء من القضايا و لهذا تسمى بأم القضايا و على ضوء هذا البيان نقول إن للقضايا النظرية في العقل النظري قضايا بديهية أو قضايا أولية تنتهي إليه فهكذا القضايا غير الواضحة في العقل العملي )) مثل قولك الصدق حسن و الذي بينا أنه إن انطبق عليه عنوان العدل كان حسنا و إن انطبق عليه عنوان الظلم كان قبيحا فهو من المدركات العملية النظرية لا البديهية بخلاف قولك العدل حسن و الظلم قبيح فهما مدركات بديهية للعقل العملي (( يجب أن تنتهي إلى قضايا أولية وواضحة عند العقل العملي بحيث لو ارتفع التصديق بهذه القضايا في الحكمة العملية لما صح التصديق بقضية من القضايا في الحكمة العملية .. الخ )) و لهذا قلنا أن المحقق الأصفهاني ذكر بأن كل مدركات العقل العملي مرجعها إلى حسن العدل و قبح الظلم كما أن كل مدركات العقل النظري مرجعها إلى استحالة اجتماع النقيضين
· إلى هنا تبين استقلا باب العقل العملي عن باب العقل النظري
· لا يمكن حل النزاع الأشعري المعتزلي لأن المعتزلي في النهاية يقول ببديهية بعض القضايا التي يحكم بها العقل العملي بينما ينكر الأشعري بداهة هذه القضايا و بما أن الوجدان هو الحاكم في المقام فلا يمكن أن يحل النزاع تماما كما لو كنت تناقش من ينكر استحالة اجتماع النقيضين
· مناقشة (1) وجداننا يدل على أن قولنا (العدل حسن) يختلف عن قولنا (النقيضان لا يجتمعان) فالقضية الأولى مستحكمة في النفوس منذ مئات السنين كما أن الأشاعرة و هم أصحاب عقول سألوا مثل هذا السؤال ، فالسيد كمال الحيدري يرى بأن (العدل حسن) و (الظلم قبيح) ليست بديهيات بل نظريات ، و قبل السيد كمال الحيدري ذهب السيد الشهيد إلى أن (قبح العقاب بلا بيان) ليست قضية بديهية خلافا لما كان يقوله الأصوليون و بين حيثيات القضية و بين أنه ليس فقط لا يوجد دليل عليها بل هنالك دليل على عدمها
· مناقشة (2) لا يمكن إقامة الدليل على استحالة اجتماع النقيضين كما تبين و لكن يمكن إقامة الدليل على أن العدل حسن ، و قد بينا الدليل عندما قلنا بأن الفاعل الذي هو الذات الإلهية تقتضي أن لا يصدر منها إلا العدل وفق قاعدة السنخية
· إقامة الدليل من قبل كل من المعتزلة و الأشاعرة على الحسن و القبح العقليين اعتراف ضمني من الطرفين بعدم بديهية حسن و قبح الأفعال
· النتيجة: ليست مدركات العقل العملي مستقلة عن مدركات العقل النظري ، فالكمال و النقص و المصلحة و المفسدة و الملاءمة و المنافرة كلها مدركات للعقل النظري و هذه المدركات هي ملاكات الانبغاء و عدم الانبغاء أي العقل العملي – و ليست ملاكات مدركات العقل العملي لأن العقل العملي هو قوة عاملة و الذي يدرك هو العقل النظري ، و لعل التعبير بإدراك العقل العملي أوهم البعض باختلاف إدراكات العقل العملي عن إدراكات العقل النظري فكأن كل منهما من سنخ يختلف عن سنخ الآخر –
 
الدرس الخامس عشر


· هنالك اتجاهات ثلاث في جواب هذا السؤال:
(1) اتجاه آمن بأن حسن العدل و قبح الظلم أمران واقعيان دور العقل فيهما دور الكاشف و هما على حد استحالة اجتماع النقيضين فكما أن هذا لا يمكن إقامة الدليل عليه فذاك لا يمكن إقامة الدليل عليه أيضا فسواء وجد نظام اجتماعي أو لم يوجد وسواء وجد عقل أم لم يوجد فإن العدل يبقى حسنا و الظلم يبقى قبيحا تماما كما نقول بأن الله واجب الوجود أي يستحيل عليه العدم فهذه القضية واقعية سواء أدركتها أم لم تدركها ، و قد ذكرنا سابقا تفصيل كلام السيد الشهيد في واقعية الحسن و القبح و هو أيضا يصرح بهذا المعنى في ج4 من تقريرات بحث السيد الهاشمي ص40 : (( هناك نزاعان في باب الحسن و القبح النزاع الأول النزاع الأشعري المعروف و هو نزاع في كون الحكم بالحسن أو القبح عقليا أو شرعيا )) و هذا خارج عن محل الكلام (( النزاع الثاني بين عموم الفلاسفة و المحققين )) أي محققي علم الأصول (( بعد الفراغ عن أن مسألة التحسين و التقبيح عقلية لا شرعية ، فهو نزاع في هوية تشخيص هذه القضايا و نوعها في قائمة الصناعات الخمس )) أي الصناعات الخمس المذكورة في المنطق فهل هي من صناعة البرهان أم الجدل؟ فصناعة البرهان هي تلك الأمور اليقينية التي لها واقعية و التي يستحيل فيها نقيضها و أما صناعة الجدل فهي التي تبتني على المشهورات و هي ما تطابق عليها آراء العقلاء ولا واقع لها وراء تطابق أقوال العقلاء (( قول بأن الحسن و القبح قضيتان مرتبطتان بصناعة الجدل و قول يقول قضيتان مرتبطتان بصناعة البرهان و نحن من أولئك )) أي من الذين يقولون أنهما مرتبطان بصناعة البرهان و أن لها واقعية وراء تطابق الآراء عليها ، و أيضا للسيد الشهيد تصريح آخر في الحلقة الثالثة من الأصول .
(2) الاتجاه الثاني منسوب للحكماء – بغض النظر عن صحة هذه النسبة – و بالخصوص إلى الشيخ الرئيس هو أن هذه قضايا مشهورة و ليست أوليات فلا هي بمجربات و لا يقينيات ولا مشاهدات ولا حدسيات .. الخ ، و بالتالي لا تكون قضايا يقينية
(3) الاتجاه الثالث هو الذي يتبناه السيد كمال الحيدري و سيفصل الكلام فيه ، و هو مسلك ثالث بخلاف ما ذكره السيد الشهيد من أن هنالك فقط اتجاهان في المسألة ، و هذا الاتجاه لعله أول مرة يطرح على لسان السيد كمال الحيدري ، فقد آمن من قال بالاتجاه الأول بواقعية الحسن و القبح كالسيد الشهيد و الخوئي ، فقد ذكر السيد الشهيد في ص41 من ج4 من تقريرات السيد الهاشمي بأن قول العدلية (العدل حسن و الظلم قبيح) فيها خطأ منطقي فعندما نسأل (هل العدل حسن؟ و هل الظلم قبيح؟) لا بد أن يكون العدل شيء و الحسن شيء آخر و إلا إذا رجعت القضية إلى (القضية بشرط المحمول) لا يكون لها معنى ، و (القضية بشرط المحمول) هي كقولك (هل زيد القائم قائم؟) فلا معنى لمثل هذه القضية و تسمى (القضية بشرط المحمول) حيث جعل المحمول جزءا من الموضوع ، و السيد الشهيد يقول بأن قولك (الظلم قبيح) (العدل حسن) قضايا بشرط المحمول ، فالمراد من القبح عدم الانبغاء و الظلم هو سلب ذي الحق حقه ، و سلب ذي الحق حقه لا ينبغي و القبح لا ينبغي فقولك (الظلم قبيح) كقولك (الذي لا ينبغي لا ينبغي) ، و إشكال السيد الشهيد هذا غير تام فليس من المتسالم عند الجميع بأن سلب ذي الحق حقه لا ينبغي .
· لو سألنا السيد الشهيد عن الدليل على واقعية الحسن و القبح؟ لقال بأنه الوجدان لا البرهان ولا غيره
· قاعدة الحسن و القبح العقلي مبنى لجميع العقائد اللاحقة
· ج1 مباحث الأصول تقريرات السيد الحائري ص552 تحت عنوان "العقل العملي لا يخضع للبرهان" : (( و الواقع أن أصل الحسن و القبح لا يمكن البرهنة عليهما لا بعقل التجربة )) أي لا بالتجربة (( ولا بعقل البرهان ولا بالبداهة )) إذن نقبل هذين القضيتين قبولا أوليا كقبولنا لاستحالة اجتماع النقيضين (( أما الأول فلوضوح عدم ارتباط قضايا العقل العملي بباب التجربة و التجريبيات )) فنحن لا نريد أن نعرف صفة أفعال البشر من الحسن و القبح فقط لكي نستقرئ أفعال البشر بل نريد أن نعمم الحكم على الخالق و استقراؤنا لا يمكن أن ينال الله تعالى ، و هذه واحدة من إشكاليات المنهج التجريبي فباب علم الأخلاق مسدود في المنهج التجريبي كما أن الإيمان بالشرائع مسدود أيضا وفق هذا المنهج لأنه قائم على الحسن و القبح العقليين ، و قد سد التجريبيون باب علم الأخلاق فعلا وقالوا بأنها متغيرة لا ثابتة ، و قد شاعت هذه الأيام مسألة (فلسفة الأخلاق) لتناقش واقعية الحسن و القبح (( و أما الثاني )) أي البرهنة (( فلأن البرهنة على شيء عبارة عن تشكيل القياس و الحد الأوسط لا بد أن )) فقولك (الصدق حسن) لماذا؟ (لأنه عدل) و العدل حسن لماذا (لا جواب هنا) فلا يمكن إذن أن نستدل على هذه القضايا (( و أما الثالث فلأنه فلوضوح أنه لا يمكن البرهنة على أي أمر بديهي ببداهتة للزوم الدور )) و هنا نسأله ما هو الدليل على حسن العدل و قبح الظلم؟
· هل من يدرك حسن شيء أو قبح شيء يمكن أن يعرف أنه ناشئ من حاق النفس العاقلة أم أنه ناشئ من التربية و المجتمع؟ قيل الأول كما ذهب إليه السيد الشهيد ، و قال الحكماء بالثاني ، و كلا الفريقين متفقان على أن الناس تحكم بحسن بعض الأفعال و قبح بعضها ، فالخروج عاريا في الشارع قبيح نجزم بعدم فعله إلا أنه في مجتمعات أخرى أمر مستساغ
· دليل السيد الشهيد لإثبات القضية هو الوجدان ولا يمكن مناقشة هذا الدليل ، و يقول السيد الشهيد أن العقل العملي على قسمين (1) عقل أول مضمون الحقانية يدرك أصل الحسن و القبح فنحكم به بحسن العدل و قبح الظلم (2) عقل ثان يكثر فيه الخطأ و هو الذي عندما تتزاحم المصالح و المفاسد
· شاهد آخر من أتباع الاتجاه الأول: السيد الخوئي في كتاب (مباني الاستنباط) للكواكبي ص58 : (( ضرورة ثبوت حسن بعض الأمور و قبح بعضها الآخر مع قطع النظر عن الشرع و حكم الشرع و من هنا نرى ثبوت حسن بعض الأمور و قبح بعضها الآخر عند الملل حتى عند من ينكر الشرع و الشريعة فلو كان الحسن و القبح من قبيل الأحكام الشرعية لما كانا ثابتين عند منكري الشرع و الشريعة بل الحسن و القبح من أحكام العقل و مدركاته ضرورة استقلال العقل بحسن العدل و قبح الظلم ، كيف و استقلاله بذلك أساس جملة من أصول الدين مما يرجع إلى أسماء الله الحسنى و صفاته العليا و إلى النبوة و صفات النبي و إلى غير ذلك ، فإنه لولا حكمه بحسن هداية الناس من الله سبحانه و قبح تركهم في الضلال لصعب إثبات النبوة العامة كما أنه لولا حكمه بقبح إظهار المعجزة بيد الكاذب على الله لبطل دليل النبوة الخاصة ، كما أنه لولا حكمه بلزوم العصمة على الأنبياء لما حصل التصديق بما جاء به الأنبياء و أن جميع ما جاؤوا به من عند الله سبحانه إلى غير ذلك من مسائل أصول الدين فالحاكم بالحسن و القبح إنما هو العقل و من هنا يسمى عقلا عمليا )) إذن فعندنا عقلان لأحدهما مدركات أولية تختلف عن المدركات الأولية للعقل الآخر .
· نلاحظ أن الأعلام السابقين كالخوئي و الصدر لم يجدوا دليلا فتمسكوا بالوجدان كما يعبر السيد كمال الحيدري
· في الاتجاه الأول أمران (1) أن الحسن و القبح أمران واقعيان (2) أن الدليل على ذلك هو الوجدان فقط
· الاتجاه الثاني: أشار الشيخ الرئيس في ج1 من الإشارات ص219 إلى أن الحسن و القبح من المشهورات حيث يقول : (( فأما المشهورات و منها الآراء المسماة بالمحمودة و ربما خصصناها باسم المشهورة إذ لا عمدة لها إلا الشهرة و هي آراء لو خلي الإنسان و عقله المجرد ووهمه و حسه و لم يؤدب بقبول قضاياها و الاعتراف بها و لم يمل الاستقراء ، لم يستدع إليها ما في طبيعة الإنسان )) فلو لم يكن (( لم يقض بها الإنسان طاعة لعقله أو وهمه أو حسه )) فالإنسان لا بعقله يحكم ولا بحسه ولا بوهمه كحكمنا بأن سلب مال الإنسان قبيح (( و ليس شيء من هذا يوجبه العقل الساذج ولو توهم نفسه )) أي الإنسان (( و أنه خلق دفعة تامة و لم يسمع أدبا و لم يطع انفعالا نفسانيا أو خلقيا لم يقبل بأمثال هذه القضايا بشيء بل أمكنه أن يجهلها )) فلا يحكم بحسن العدل ولا بقبح الظلم ، و بغض النظر عما إذا صحت نسبة هذا الكلام للشيخ الرئيس أو لا فإن ما يهم ما قيل لا من قال.
· على أساس الاتجاه الثاني: عندما نرجع إلى اليقينيات الأرسطية (الأوليات ، الحدسيات .. الخ) لا نجد فيها موضع قدم لقضيتي (العدل حسن) و (الظلم قبيح) و بالتالي فهي خارجة حتما عن دائرة اليقينيات ، و بالتالي بالاستدلالات المبنية على هاتين القضيتين ليس استدلالا برهانيا بل جدليا
· س: هل أقام الشيخ الرئيس برهانا على إنكار واقعية الحسن و القبح؟ لا و إنما استدل بالوجدان أيضا ، قال السيد الشهيد : (( و قد حاول السيد الأستاذ )) أي الخوئي (( النقض على هذه الدعوى )) أي دعوى أن الحسن و القبح من القضايا مشهورة (( بأنها لو كانت قضايا مجعولة من قبل العقلاء فما شأن العاقل الأول )) أي أول عاقل وجد على الكرة الأرضية فهل كان يعقل حسن العدل و قبح الظلم ((
· نلاحظ أن كلام السيد الأستاذ مقابل تماما لكلام الشيخ الرئيس فهذا يقول بأن العاقل الأول لا يدرك الحسن و القبح وجدانا و ذاك يقول بنفس التعبير أن الإنسان لو خلق دفعة تامة لما أدرك الحسن و القبح وجدانا
 
الدرس السادس عشر


· لا يستطيع الأصوليون قبول قول الحكماء في أن الحسن و القبح من الأمور المشهورة لأن ذلك لا يتناسب مع ما ورد في النصوص الشرعية ،
· في مباحث الأصول للسيد الشهيد ج1 ص549 ينقل عبارة عن المحقق الأصفهاني : (( ذكر رحمه الله أن البديهيات منحصرة في ستة أقسام الأوليات و الفطريات و الحسيات و التجريبيات و الحدسيات و المتواترات و قضايا العقل العملي لا تدخل في شيء من هذه الأقسام الستة أما عدم دخولها في الأربعة الأخيرة فواضح ، و أما الفطريات فلا علاقة لقضايا العقل العملي بها إذ القضايا الفطرية دائما تكون منطوية على قياس كما في قولنا الأربعة زوج ، و أما الأوليات فهي التي يكفي تصور طرفيها للجزم بالحكم و ليس في باب العقل العملي ذلك و إلا لما وقع خلاف ، إذن خرجت عن دائرة اليقينيات ))
· الاتجاه الثالث: قلنا في المقدمة بأننا لو قطعنا النظر عن الفاعل بما هو فاعل فلا معنى للكلام عن الحسن و القبح لأن الفعل بما هو فعل لا معنى لأن نسأل عنه بأنه هل هو حسن أم قبيح ، فالسؤال نفسه خاطئ (العدل بما هو عدل حسن أم قبيح؟) ففهي هذا السؤال ماذا لو كان الفاعل عالما أم جاهلا؟ خالقا أم مخلوقا؟ حكيما أم لاهيا؟ ، فالسؤال خطأ لأنه غير ناظر للفاعل ، و الجواب أن الفعل بما هو فعل لا حسن و لا قبيح ، و الشاهد على ذلك أنه لو فرض أن الجاهل كان جاهلا بوجوب العدل مع أن المستحق موجود فهل عندما يمنع هذا الجاهل يكون المنع قبيحا أم لا؟ العقلاء لا يذمونه ، مثال آخر: شخص يملك درها و هو محتاج له و وجد متسولا و لم يعطه الدرهم هل يكون فعل قبيحا؟ لا لأنه محتاج لذلك الدرهم و لكنه لم يفعل حسن بطبيعة الحال ، إذن لا يمكننا قطع النظر عن الفاعل عندما نحكم بحسن فعل أو قبحه ، و لكننا لو سئلنا هل الفعل بما هو هو حسن أم قبيح؟ فجوابنا أنه ليس حسنا ولا قبيحا بل سالبة بانتفاء الموضوع
· على أساس الاتجاه الثالث ينقسم البحث إلى البحث في أفعال الله تعالى و البحث في أفعال الخلق
· في التجريد بحث الفعل بما هو فعل أولا و أثبت الحسن و القبح العقليين ثم جاء و بحث أن الله تعالى لا يفعل القبيح مع كونه قادرا عليه ، و هذا مبني على أساس الاتجاه الأول و الثاني اللذين قالا بأن الفعل بما هو فعل يمكن أن يبحث و يوصف بالحسن أو القبح
· الفعل بما هو فعل لا يصدق إلا إذا صدر من فاعل و إلا لم تكن له واقعية أصلا
· دل الدليل على أن العدل حسن و الظلم قبيح و بالتالي فالله تعالى يفعل العدل ولا يفعل الظلم لأن الأول حسن و الثاني قبيح ، و لكن و على أساس الاتجاه الثالث يمكن الاستدلال على حسن العدل عندما يرتبط بفاعل معين لا بما هو هو ، وهكذا بالنسبة إلى الظلم ، و الدليل على حسنه و قبحه هو أن الأول كمال و الثاني نقص و بما أن الله تعالى عين الكمال تقتضي ذاته أن يفعل الكمال و أن يترك النقص ، فالفاعل إذا كان حكيما عليما رؤوفا رحيما .. الخ فإنه لا يفعل الظلم ولا يترك العدل
· إشكال: صحيح أن العدل كمال و لكن ما الدليل أن كل كمال مطلوب؟ الجواب: مرجع الكمال إلى الوجود و مرجع النقص إلى العدم و الوجود مطلوب لذاته و العدم منفور عنه ، فالوجود خير محض و العدم شر محض ، ففي "توضيح المراد" ص21 : (( إن الخير حقيقي و إضافي و كذلك الشر ، أما الحقيقيان )) أي الخير الحقيقي و الشر الحقيقي (( فالخير هو ما تطلبه الأشياء من حيث هي أشياء و الشر ما تنفر عنه الأشياء من حيث هي أشياء ، لذلك نقول أن الوجود خير حقيقي لأن كل شيء فرضته يطلب وجوده فالوجود مطلوب و الكمال مرجعه إلى الوجود و النقص شر لأن مرجعه إلى العدم ))
· إذن مرجع الكمال و النقص إلى الوجود و العدم
· تذكر: أن للانبغاء و عدم الانبغاء ملاكات متعددة فمرة نقصد بهما الكمال و النقص و مرة الملاءمة و عدمها و مرة المصلحة و المفسدة ، و هنا سؤال: أي هذه الملاكات هي ما نقصده عندما نتحدث عن أفعال الله تعالى؟ الجواب: الملاءمة للطبع و المنافرة للطبع لا يجوزان في الله سبحانه لأنه لا طبع له ولا مزاج ، كما أن الملاءمة و المنافرة أمران اعتباريان كما تبين قبلا ، و لكن يمكن تأويل الملاءمة و المنافرة بحيث نقصد بهما المسانخة فينبغي أن يفعل الله تعالى العدل لأن العدل مسانخ له ولا ينبغي أن يفعل الظلم لأن الظلم ليس مسانخ له ، و يمكن التعبير بأن نقول العدل ليس لائقا به سبحانه و الظلم ليس لائقا به ، و هكذا يكون مرجع الملائم و المنافر إلى الكمال و النقص و بالتالي فإن هذا الملاك بعد تلطيفه و تأويله يمكن إطلاقه على الله تعالى ، و أما ملاك المصلحة و المفسدة بحيث نقصد أن الله ينبغي أن يفعل ذلك لأن مصلحته في ذلك و يترك فعلا لأن مفسدته في ذلك و هذا لا يجوز على الله تعالى فالمصالح و المفاسد لا ترتبط بالفاعل و لكن يمكن أن ترتبط بالفعل فيكون فعل الله تعالى لمصلحة الخلق و تركه لمفسدتهم ، فالله تعالى لا يفعل فعلا يستكمل به بل هو كمال مطلق أزلا و أبدا ، مثال: عندما نقول "الله خلق" فهل الخلق في مصلحة الله أم في مصلحة المخلوق؟ إن قلنا أن الخلق في مصلحته يكون الله تعالى ناقصا يطلب الكمال ، فمصلحة الخلق إلى الفعل لا الفاعل قال تعالى (( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون )) فالعبادة مصلحة الفعل لا الفاعل (( اللهم هذه صلاتي صليتا لا لحاجة منك إليها )) ، و مرجع ملاك المصلحة و المفسدة إلى الكمال و النقص أيضا ولكن لا في الفاعل بل في الفعل و ربما – و الله العالم – أن تسميتهما بالمصلحة و المفسدة للتمييز بين رجوعهما للفعل عن رجوع الكمال و النقص إلى الفاعل
· عندما يفعل الله تعالى الحسن و يترك القبيح فلأن الله تعالى كمال مطلق تقتضي ذاته أن يفعل ما هو كمال ، بينما الخلق عندما يفعلون الحسن و يتركون القبيح يفعلونه لأنهم يريدون الوصول إلى الكمال لا لأنهم كاملون ، مثال: أحيانا يكون الإنسان فاقدا لملكة الجود و السخاء فيعطي يمنة و يسرة حتى توجد عنده هذه الملكة ، و أحيانا يكون الجود و السخاء مترسخين في نفس الإنسان فيعطي لأن ذلك اقتضاء كمال نفسه
· الإنسان عندما يفعل الحسن فإنه يطلب كماله بالذات و يطلب الفعل الحسن بالعرض لأنه وسيلة الكمال و كلما زادت أفعاله الحسنة زاد كماله ، و لكن الله تعالى فإنه كمال مطلق لا يفعل للوصول إلى كمال بل لأنه عين الكمال و بالتالي لا بد أن نعتقد بأنه فاعل لكل حسن لم يترك فعلا حسنا ، و أن غاية فعله هو ذاته لا غيرها ، فعندما نسأل هل أفعال الله معللة بالأغراض؟ الجواب: هل المقصود بالأغراض أغراض الفعل أم الفاعل ، فإن كان المقصود غرض الفعل فهذا موجود و أفعال الله تعالى معللة به ، و إن كان غرض الفاعل فالله تعالى كمال مطلق غايته نفسه (ذاته)
 
الدرس السابع عشر و الثامن عشر


· في الدرس السابق بينا أن الله تعالى عادل لأن العدل كمال و ليس بظالم لأن الظلم نقص لا لأن العدل حسن و أن الظلم قبيح ، فالملاك في فعل الله تعالى هو الكمال و النقص ، و بالتالي فالعقل النظري هو الكفيل بإدراك الكمال و النقص فيكون ما سبق من مدركات العقل النظري لا العملي
· الكمال و النقص هما الملاك في فعل الله و الإنسان و لكن بفارق بيناه في المحاضرة السابقة ، فالمحرك للفعل هو الكمال و لكن تارة يكون علة الفعل هو الكمال و ذلك في الله تعالى فاقتضاء كماله يقتضي فعل الفعل (الكمال الموجود هو علة الفعل) ، و تارة تكون الرغبة في تحصيل الكمال و الهروب من النقص هو المحرك نحو الفعل و ذلك في المخلوق (الكمال المفقود هو علة الفعل)
· كل موجود طالب لكماله و لكنه قد يوفق في تشخيص المصداق و قد يخطئ في تشخيصه ، و من هنا احتجنا إلى الأنبياء (ص) لبيان كيفية الوصول إلى الكمال ، و هذا تمهيد لبيان قاعدة اللطف التي ستأتي في مبحث النبوة العامة لإجابة سؤال (لماذا يجب أن يبعث الرسل؟)

نتائج:

· قول المعتزلة بأن الفعل بما هو هو يتصف بالحسن و القبح في ذاته بمعزل عن التحقيق ، و الصحيح أن الفعل في نفسه لا يتصف بهما ذاتا في الواقع
· الفعل إذا أسند إلى فاعل معين فإنه يتصف بأنه حسن أو قبيح ذاتا ، و معنى "ذاتا" هنا أنه يجب صدور الفعل عنه أو يمتنع صدور الفعل عنه ، و لا نعني بـ"ذاتا" ما يستحيل انفكاكه عن الشيء كالزوجية بالنسبة إلى الأربعة
· الملاك لوجوب الفعل أو الترك هو الكمال و النقص و هما من مدركات العقل النظري ، و هما يرجعان إلى الوجود و العدم فالوجود هو المطلوب بالذات و العدم هو المنفور عنه بالذات ، و حيث أنه تعالى محض الوجود و مبرأ عن كل نقص و عدم فهو يفعل العدل لأنه كمال و لا يفعل الظلم لأنه نقص بل يمتنع أن يفعل الظلم ، و وجوب العدل و امتناع الظلم هما (وجوب عنه) و (امتناع عنه) أي بإرادته و اختياره
إلى هنا تمام الكلام في البحث العقلي لإثبات المطلب

الأدلة النقلية على المطلب:

أ- الأدلة القرآنية:

· نستغني ببحث الأسانيد في هذه المطالب بتطابق النقل مع دليل العقل كما فعلنا في بحث التوحيد
· قوله تعالى : (( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم و آمنتم و كان الله شاكرا عليما )) أي أن الله غني عن عذاب خلقه إن شكروا و في هذه الآية دلالة على انبغاء أن يشكر الله سبحانه من يشكره
· قال تعالى : (( فما كان الله ليظلمهم و لكن كانوا أنفسهم يظلمون )) ، تعبير (( فما كان الله )) (( فما كنا )) (( فما كنت )) تكرر في القرآن الكريم ، و فيه بحث:
- أنه تارة ينفي القرآن صدور مادة الشيء أساسا كقوله تعالى (( و ما ظلمناهم )) فمادة الظلم لا يناسب أن تصدر عن ذاته سبحانه أساسا ، و لا يدل ذلك على نفي الشأنية
- و أما إذا قال (( فما كان الله ليظلمهم )) فيدل ذلك على نفي الشأنية ، و بيانه: كان لا تدل على زمان لأن الزمان لا يحيط بالله سبحانه فمفاد "كان" هنا أن هذا (الظلم) لا ينبغي أن يصدر عني و ليس هو من شؤوني فـ"كان" هنا منسلخة عن الزمان ، و التعبير (( فما كان )) ...... ، و لن نأتي لهذا المعنى بشواهد من كلمات الفلاسفة أو العرفاء ليقال بأنهم يستندون إلى قاعدة السنخية بل من كلام أصولي متضلع و هو السيد الخوئي في "مصباح الأصول" ج2 ص256: (( و ثانيا أن جملة ما كان أو ما كنا و أمثالهما من هذه المادة مستعملة في أن الفعل غير لائق به تعالى و لا يناسبه صدوره منه جل شأنه و يظهر ذلك من استقراء موارد استعمالها في القرآن كقوله تعالى "ما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم" و قوله تعالى "ما كان الله ليذر المؤمنين" و قوله تعالى "ما كان الله معذبهم و أنت فيهم" و قوله تعالى "و ما كنت متخذ المضلين عضدا" إلى غير ذلك ، فجمل الفعل الماضي من هذه المادة منسلخة عن الزمان في هذه الموارد )) لأن البحث في الله و هو مجرد عن الزمان ، و جدير بالذكر أن السيد الخوئي ليس قائلا بقاعدة السنخية ، و شاهد آخر من كلمات السيد الصدر (ره) فيما كتب عنه في مجلس الدرس حيث يقول : (( لأن المتكلم إذا فرض أنه نفى صدور فعل منه فقال "لا أعذب" "لا أدرس" "ما أعذب" "ما عذبت" فحينئذ [هذه التراكيب] ظاهرة في نفي فعلية هذه المادة و لا يستفاد منها نفي الشأنية ، و أما إذا كان النفي يتركيب "ما كنا معذبي" و "ما كنت لأخون صديقي" و "ما كنا لنعصي الله طرفة عين" )) و هذه من كلمات المعصومين التي تدل على أن شأنهم العصمة كما قال تعالى "و ما علمناه الشعر و ما ينبغي له" فهو سنخ وجود لا ينبغي أن يصدر عنه هذا الفعل (( فيستفاد منه نفي شأنية المادة ، يعني و أن هذه الذات سنخ ذات لا يناسب شأنها صدور هذه المادة ، و في موارد استعمال هذا التركيب في القرآن الكريم تشهد بأنها أريد منها نفي الشأنية زائدا على نفي الفعلية ، و النكتة في انعقاد مثل هذا الظهور العرفي هو العدول عن نفي المادة إلى نفي كونه بحيث يصدر منه المادة .. الخ ))
· إذن قوله سبحانه (( فما كان الله ليظلمهم )) أي أنه ليس من شأني أن أظلمهم لأني سنخ وجود لا ينبغي أن يصدر عنه ظلم و يقتضي صدور العدل

ب- دليل روائي:

توحيد الصدوق و البحار ج5 ص4 عن الرضا (ع) قال : خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق (ع) فاستقبله موسى بن جعفر (ع) فقال له : يا غلام ممن المعصية؟ فقال: (( لا تخلو من ثلاثة إما أن تكون من الله عز و جل و ليست منه فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لم يكتسبه ، و إما أن تكون المعصية من الله عز و جل و من العبد فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف ، و إما أن تكون من العبد و هي منه ، فإن عاقبه فبذنبه و إن عفا عنه فبكرمه و جوده ))

تعليق على الرواية:

- (( لا تخلو من ثلاثة )) بالحصر العقلي
- (( فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لم يكتسبه )) و ظاهر هذه العبارة تؤيد منهج الحكماء لا المتكملين لأن الإمام (ع) لم يقل بأن الظلم قبيح عقلا بل قال بأن الله سبحانه لا ينبغي أن يعذب عبده و هذه العبارة بمنهج الحكماء أليق كما هو ظاهر
- (( إما أن تكون المعصية من الله عز و جل و من العبد )) بحيث يكون كل منهما جزء العلة ، فالله أقدرني و أنا فعلت فينسب نصف المعصية إلى الله و النصف الآخر إلى العبد
- (( فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف )) و هنا أرجع عدم الانبغاء إلى القوة بخلاف الجملة السابقة حيث أرجعها إلى الكمال ، و مرجع القوة واقعا إلى الكمال
- (( إما أن تكون من العبد و هي منه )) و هذا هو الصحيح من دون جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين كما سيتبين
- (( إن عفا عنه فبكرمه و جوده )) و في هذه دلالة أخرى على أن الحد الأوسط هو الكمال الإلهي لا أن العدل حسن عقلا و الظلم قبيح عقلا


قبح العقاب بلا بيان:

· آمن بهذه القاعدة جملة الأصوليين و أكابرهم و أنكرها الشهيد الصدر ، وقد أيدنا آنفا السيد الشهيد
· موضع بحث هذه القاعدة علم الكلام لا الأصول
· يقول السيد الشهيد (( المعروف بين محققي العصر الثالث )) وهذا على أساس تقسيم السيد الشهيد لعلم الأصول إلى ثلاثة عصور ، و العصر الثالث هو الذي بدأ على يد الوحيد البهباني إلى يومنا الحالي أو إلى ما قبل السيد الشهيد الصدر كما يعتقد بعض تلامذته ، و أوج العصر الثالث تحقق على يدي الشيخ الأنصاري ، و يعتقد البعض أن العصر الرابع بدأ مع السيد الشهيد الصدر لأنه أنكر قاعدة قبح العقاب بلا بيان (( عدم الخلاف في حكم العقل )) أي العقل العملي لا النظري (( ما هو المعروف بالبراءة و هي قاعدة قبح العقاب بلا بيان و ذلك أنهم يدعون البداهة في حكم العقل بقبح العقاب من المولى للعبد على تكليف غير مبين و هذه القاعدة التي فرضت أصلا موضوعيا نتج منها قاعدة أخرى و هي قبح العقاب بلا بيان و حسن العقاب مع البيان )) و حسن العقاب مع البيان هو ما يعبرون عنه بالقطع الذي حجيته ذاتية (( و هذه القاعدة مع قاعدة أخرى تضايفها و هي حسن العقاب مع البيان هما الركنان الأساسيان اللذان قام عليهما الفكر الأصولي الحديث الذي وضع أسسه الوحيد البهبهاني في مباحث الأدلة العقلية )) فعلم الأصول كله مبني على هاتين القاعدتين و أصل القاعدتين غير مبرهن مع الأسف و الدليل عليهما هو الوجدان ، و من المهم برهنة هذه المسائل الأساسية لأن الغرب و بعض المفكرين العرب كفؤاد زكريا و أركون يستهدفون هذه القواعد الأساسية ليضربوا البناء من أساسه و الاحتجاج بسيرة العقلاء غير كاف لأنه لا دليل على وجوب أن يعمل الله تعالى وفق سيرة العقلاء
· لو سألنا القائلين بالقاعدة (ما الدليل على قبح العقاب بلا بيان واصل؟) لأجابوا (لأنه ظلم و الظلم قبيح) ، و لو سألناهم (ما الدليل على قبح الظلم؟) لأجابوا (العقل يدل على ذلك بالبداهة) ، و لو شككنا بهذه البداهة لانهار الاستدلال ، فالدليل على الكبرى هو العقل العملي بالبداهة في مدعى من يتبنى هذه القاعدة
· قال السيد الشهيد في الحلقة الثالثة ج2 ص30 : (( من أن كل أحكام العقل العملي مردها إلى حكمه الرئيسي الأولي بقبح الظلم و حسن العدل و نحن نلاحظ أن مخالفة ما قامت عليه الحجة خروج عن رسم العبودية و هو ظلم من العبد لمولاه فيستحق العبد من المولى الذم و العقاب و أن مخالفة ما لم تقم عليه الحجة ليست من أفراد الظلم إذ ليس من زي العبودية أن لا يخالف العبد مولاه في الواقع و في نفس الأمر فلا يكون ذلك ظلما للمولى و عليه فلو عاقب في مورد لا حق للمولى يكون ظلما و عليه لا موجب للعقاب بل يقبح و بذلك يثبت قبح العقاب بلا بيان ))
· عندما نقول "قبح العقاب بلا بيان" نقصد العقاب الأخروي لا الدنيوي ، و البيان إما صادر أو واصل ، فتارة نقول أن العقل يقبح العقاب بلا بيان صادر عن الله تعالى بحيث لم ينزل الله تعالى أي شريعة و لم يبعث نبيا و أمكن للإنسان أن يتوصل بعقله إلى وجود الله سبحانه ، و تارة نقول أن العقل يقبح العقاب بلا بيان واصل كما لو علمنا بأن الله بعث شرائع و أنبياء و لكنني لم أستطع أن أستوصل إلى حكم الشرع في مسألة ما
· مثال: هل يجوز شرب هذا الماء إذا لم يكن مالكه راضيا؟ مسلكان في الجواب: أحدهما يقول لا يجوز لاحتمال أن يكون مالكه ليس راض ، و مسلك يقول ما دام مالكه لم يقل بعدم رضاه فلا بأس ، و هذا المسلك الثاني هو ما يذهب إليه مشهور الأصوليين
· محل النزاع: قبح العقاب بلا بيان واصل لا قبح العقاب بلا بيان صادر ، فليس المراد بقبح العقاب بلا بيان في كلمات الأصوليين البيان الصادر بل المراد قبح العقاب بلا بيان واصل
· السيد الشهيد لم ينكر قبح العقاب بلا بيان مطلقا بل قال بحق الطاعة في المقام الثاني و قبح العقاب بلا بيان في المقام الأول (بلا بيان صادر) ، بينما المشهور بين الأصوليين قبح العقاب بلا بيان فيهما معا
· قد يقال: يمكن إثبات قبح العقاب بلا بيان واصل من العقل و لكن العقل قد يحتاج إلى تنبيه الشرع في ذلك ، فقد يكون الشيء ينبغي أو لا ينبغي و لكن العقل قاصر عن إدراك ذلك بمفرده ، و افترضوا أن من الموارد التي يقصر العقل عن الإدراك هو هذا المورد ، و المنبه جاء عليه من الشارع و هو قوله تعالى (( و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )) فأولا: الآية تعبر بما كنا أي لا يليق بالله ذلك و ليس هذا شأنه و بالتالي فهذا "اللاانبغاء" ليس اعتبارا شرعيا بل هو أمر واقعي ذاتي ، و ثانيا: المراد من العذاب هو العذاب الأخروي و إلا لما دلت الآية على قبح العقاب الأخروي بلا بيان ، و ثالثا: المراد من الرسول مطلق البيان فيكون المعنى "لا ينبغي لنا أن نعذب في اليوم الآخر بلا بيان" فيمكن جعل الآية الشريفة منبهة على هذه القاعدة العقلية القائمة على قانون السنخية بين العلة و المعلول
· مناقشة ما سبق: أولا: لا دليل على أن المراد من الرسول مطلق البيان ، بل إننا عندما نرجع إلى القرآن الكريم نجد أنه يستخدم الرسول بمعنى الشخص المبعوث من قبل الله تعالى للتبليغ . ثانيا: لا دليل على أن المراد بالعذاب خصوص العذاب الأخروي بل قد يراد منه العذاب الدنيوي فإذا قال تعالى "و ما كنا" فهو ناف للشأنية و نفي الشأنية يشمل العذاب الدنيوي و الأخروي ، و أجيب هذا الإشكال بأن السنن الإلهية على ثلاثة أقسام (1) سنة لا تختص بنشأة دون أخرى كقانون السببية فهو حاكم على كل عالم الإمكان (2) سنة مختصة بنشأة الدنيا و هي المقصودة في قوله تعالى "لن تجد لسنة الله تبديلا" و من هذه السنن أن العذاب إذا أصاب قوم شمل الطالح و الصالح قال تعالى (( و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )) بل تشكل الذين ظلموا و الذين لم يظلموا ، و من الأمثلة على هذا النوع من السنن هو تولد ولد الزنا ممن ارتكب الزنا دون أن يكون لابن الزنا ذنب في ذلك (3) سنة مختصة بالآخرة و هي من قبيل قوله تعالى (( لا تزر وازرة وزر أخرى )) ، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن دلالة الآية على المطلوب السابق لا تتم إلا بأن يشمل العقاب و العذاب الأخروي و الدنيوي أو أن يكون مختصا بالآخرة ، و أما لو قلنا بأن هذه السنة مختصة بنشأة الدنيا لا يثبت قبح العقاب بلا بيان لأن ما نتحدث عنه في قبح العقاب بلا بيان هو العقاب الأخروي لا الدنيوي ، و من هنا ذهب جملة من الأعلام كالشيخ في الرسائل إلى أن العذاب المنفي في الآية المباركة هو العذاب المختص بهذه النشأة و هو عذاب الاستئصال أي استئصال الأقوام الكافرين كما حصل مع قوم نوح و لوط مثلا ، و يناقشه بعض الأعلام في أن الآية تدل على نفي الشأنية بدلالة قوله تعالى "و ما كنا" و يشهد عليه الآيات اللاحقة (( و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا و إذا أردنا أن نهلك قرية )) إذن فالكلام عن العذاب الدنيوي (( أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا . و كم أهلكنا من القرون من بعد نوح و كفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا . من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا )) فكل ما هو لاحق للآية يتحدث عن العذاب الدنيوي ، و إذا ثبت هذا لا يثبت قبح العقاب بلا بيان من الآية ، و من قال بدلالة الآية على عذاب الآخرة استدل بقوله تعالى (( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه و من ضل فإنما يضل عليها و لا تزر وازرة وزر أخرى )) فهذا القانون (عدم وزر وازرة وزر أخرى) قانون أخروي و بالتالي فالآيات تتحدث عن العذاب الأخروي و لكن يمكن المناقشة في هذا الرأي
· النتيجة: الآية المباركة قاصرة عن إثبات القاعدة العقلية
 
الدرس التاسع عشر


· لا يمكن الاستدلال بالآية السابقة على قبح العقاب بلا بيان لأن الآية بصدد نفي العذاب (قبل صدور البيان) لا (بعد صدور البيان و قبل وصوله إلى المكلفين)
· الرواية عن رسول الله (ص) (( رفع ما لا يعلمون )) في رأي المشهور مؤيدة للعقل في حكمه بقبح العقاب بلا بيان و أصالة البراءة ، و في رأي السيد الشهيد هذه الرواية ليست مؤيدة للعقل بل مخالفة له و نقدم هنا حكم الشرع لا حكم العقل لأن الحكم العقلي معلق بحيث يقول (أنا – أي العقل – أقول بأن لله عليك حقا إذا لم يرخصك فإذا رخصك انتفى الحق) فهو حق معلق لا حق منجز ، فلا يتقدم الحكم العقلي المعلق على المعلق عليه
· بحث الأصوليين في قبح العقاب بلا بيان بعد صدور الشريعة و الآية السابقة تتحدث عن قبل صدور الشريعة
· يختلف السيد الشهيد مع جمهور الأصوليين في قبح العقاب بلا بيان واصل لا صادر ، فإذا صدرت شريعة و لم يصل إلي منها بيان فما هو حكم العقل؟ يقول السيد الشهيد بأن حق الطاعة و الاحتياط هو حكم العقل لا البراءة كما يذهب إليه جمهور الأصوليين
· لا إشكال في جريان قبح العقاب بلا بيان صادر اتفاقا

مسألة: في قدرة العقل على اكتشاف الحسن و القبح (حجية العقل)

· و هذا ما عبرنا عنه بالحسن و القبح العقليين تمييزا لهما عن الحسن و القبح الذاتيين
· لا بد أن نميز بين الحجية المنطقية و الحجية الأصولية ، فالمراد من حجية الدليل العقلي هنا ليست الحجية الأصولية و التي تقتضي المنجزية (احتجاج المولى على العبد) و المعذرية (احتجاج العبد على المولى) .
· يقول السيد الشهيد بأن الخلاف بين القائلين بحجية العقل و عدمها في علم الأصول خلاف عقيم لأنه ليس هنالك مورد يثبت بالعقل إلا و جاء عليه دليل نقلي ، و واضح بأن هذا بحث أصولي خارج عن محل كلامنا
· بحثنا هنا في الحجية المنطقية و هي أن العقل إذا أدرك شيئا فهل هنالك ضمانة بمطابقة ذلك للواقع؟ و بعبارة أخرى هل هنالك مدركات عقلية مضمونة الحقانية أم لا؟ و هل للعقل القدرة بالاستقلال عن الشرع بأن يصل إلى مدركات مطابقة للواقع و لو كانت مدركات معدودة و جزئية؟
· محل النزاع: هو الحجية المنطقية (المطابقة للواقع و عدم المطابقة) لا الحجية الأصولية
· التوحيد و أصل النبوة ثابتان بأدلة عقلية ، و لو لم نعترف بحجية العقل لما بقي لنا طريق لإثبات وجود الله سبحانه ولا وحدانيته ولا نبوة الأنبياء
· أيدت الروايات حجية العقل المنطقية ، و نحن لا نستخدم الروايات للاستدلال على ذلك هنا لأن الشرع إنما هو ثابت بالعقل ، و لكن الاستشهاد هو لبيان أن ما انتهى إليه العقل أيده الشرع أيضا كاستدلالنا بالرواية على استحالة اجتماع النقيضين ، روي في الكافي عن الصادق (ع) : (( إن أول الأمور ومبدأها وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شيء إلا به العقل الذي جعله الله زينة لخلقه، ونورا لهم، فبالعقل عرف العباد خالقهم، وأنهم مخلوقون وأنه المدبر لهم، وأنهم المدبرون، وأنه الباقي، وهم الفانون واستدلوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه في سمائه وأرضه، وشمسه وقمره، وليله ونهاره، وبان له ولهم ـ أي للعقل و للعباد ـ خالقا ومدبرا لم يزل، ولا يزول، وعرفوا به الحسن من القبيح وأن الظلمة في الجهل، وأن النور في العلم، فهذا ما دلهم عليه العقل )) و في رواية أخرى في عيون الأخبار قال ابن السكِّيت: "تالله ما رأيت مثلك قطّ ، فما الحجّة على الخلق اليوم؟ قال: فقال الرضا (ع): العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه ، والكاذب على الله فيكذبه ، قال: فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب .
· قال البعض نحن نحتاج إلى الدليل العقلي حتى يوصلانا إلى القرآن و العترة و عندئذ لا حاجة للدليل العقلي و ليس لا حجية له ، و هذه الدعوى أوجه بكثير من تلك التي تنفي حجية الدليل العقلي و لكنها دعوى ظاهرها أنيق إلا أنها ليست تامة كما سيأتي
· هل يمكن الاستغناء بالقرآن و السنة عن القواعد العقلية مثل أصالة الوجود أو الماهية و بسيط الحقيقة كل الأشياء و قاعدة السنخية و غير ذلك من القواعد العقلية ؟ هنالك من قال بأن إثبات وجود الله و أصل النبوة نحتاج فيهما إلى الدليل العقلي و فيما بعد ذلك لا نحتاج إلى دليل عقلي
· الحاجة إلى الدليل العقلي في زمن حضور الإمام (ع): و ليس هذا محل ابتلائنا و إن كان السيد كمال الحيدري يعتقد بأن للعقل دورا في هذا الزمان لصعوبة الوصول إلى الإمام (ع) حتى في زمان حضوره مع كثرة شيعته و مريديه و الشاهد على ذلك أن الأئمة (ع) نصبوا فقهاء في أزمنة حضورهم كزرارة و يونس بن عبد الرحمن و غيرهما
· الحاجة إلى الدليل العقلي في زمن الغيبة: من الواضح أن من قال بالاستغناء عن الدليل العقلي في زمان الغيبة قال بأنه يستغني عنه بالكتاب و العترة ، و بالتالي هنا بحثان : بحث في الكتاب و بحث في السنة ، و مع أن مضمونهما واحد إلا أن بحثين يعقدان فيهما لأنهما يختلفان من حيث السند و الصدور على وجه التقية و غير ذلك
 
الدرس العشرون

الاستغناء بالنص عن العقل:

· هل يمكن الاستغناء بالقرآن و السنة عن القواعد العقلية مثل أصالة الوجود أو الماهية و بسيط الحقيقة كل الأشياء و قاعدة السنخية و غير ذلك من القواعد العقلية ؟ هنالك من قال بأن إثبات وجود الله و أصل النبوة نحتاج فيهما إلى الدليل العقلي و فيما بعد ذلك لا نحتاج إلى دليل عقلي
· من المهم ملاحظة أن بحثنا هنا فيمن نريد أن نستدل له و بالتالي يجب مراعاة اعتقاد المستدل له – بفتح الدال – فلا بد من معرفة موضع الاتفاق و موضع الخلاف عند التباحث مع المخالف فمثلا فؤاد زكريا في كتاب (الصحوة الإسلامية) في بداية كتابه يصرح بأنه ليس مخالفا للإسلام بل مخالفا لآراء المسلمين التي تقول أن القرآن الذي بين الدفتين هو كتاب الله كما نزل ، لذا فعندما نبحث سند القرآن لا يعني أننا نشك فيه و لكننا نتحدث في مقام (الإثبات)
· أول ما يطرح على من يقول (كفانا كتاب الله) هو البحث في سند القرآن فلا بد له أن يثبته ، و لإثباته لا بد من إثبات حجية التواتر المنطقية (لا الأصولية) أي مطابقة التواتر للواقع
· بحث (أ) في القرآن و ينقسم إلى (1) بحث في سند القرآن (2) بحث في دلالات القرآن

البحث في سند القرآن:

· طريقان لإثبات السند (1) الطريق القياسي (2) الطريق الاستقرائي و في كلا الطريقين مجموعة من الشبهات المطروحة
· القضايا التي تفيد اليقين ستة و منها المتواترات ، و التواتر يفيد اليقين بحكم العقل حسب ادعاء من يقول به و قد وقع اختلاف شديد في تعيين العدد الذي يتحقق به التواتر
· الاستدلال على ثبوت صدور القرآن (1) أخبرنا بذلك عدد غفير من الناس (2) في المنطق الأرسطي إذا أخبر هذا العدد الغفير بشيء يمتنع تواطؤهم على الكذب (*) النتيجة : القرآن صادر عن الرسول (ص) ، هذا هو الاستدلال بمقدمتيه و نتيجته و للسيد الشهيد (ره) في كتابه (الأسس المنطقية للاستقراء) إشكالات متعددة على كبرى الاستدلال و هو حجية التواتر و له طريقة أخرى لإثبات ذلك و هو (نظرية الاحتمال) ، فهو يصرح في ج1 ص200 من الحلقة الثالثة (( أنا أعتقد أن اليقين الحاصل من القضية المتواترة هو يقين استقرائي ، ففي القياس نسير من كلي إلى جزئي و أما الاستقراء فنسير فيه من جزئي إلى كلي و الاعتقاد به حصيلة تراكم القرائن الاحتمالية الكثيرة في مصب واحد )) و الواقع أنه يبقى هنالك احتمال مهمل في الطرف الثاني و لكن لا يمكن للعقل البشري أن يأخذه بعين الاعتبار و إلا لكان الإنسان مجنونا
· الغزالي في "المستصفى" ج1 ص135 أشار إلى أن التواتر إنما يفيد اليقين من باب الاستقراء و إن لم يذكر نظرية كنظرية السيد الشهيد ، و ظاهرا أن الغزالي أخذ ذلك من "النظام".

البحث في دلالة القرآن:

· الدلالة على ثلاثة أقسام (1) نص : و هو الذي لا يحتمل إلا معنى واحد مثل قوله تعالى "فاجلدوهما ثمانين جلدة" (2) ظهور: و هو الذي يحتمل أكثر من معنى أحدها أرجح من الآخر كفعل الأمر فهل هو دال على الوجوب أم الاستحباب ، و (3) إجمال: و هو الذي يحتمل أكثر من معنى ليس فيها ما هو راجح على الآخر
· هنالك دعوى عند جملة من علمائنا بأن القرآن كله مجمل ، و أن الله تعالى جعله مجملا لكي يحتاج الناس لأهل البيت (ع) فلو كان القرآن واضحا لما احتاج الناس إلى أهل البيت و لفهموا القرآن بأنفسهم ، و هذا ما يسمونه بـ(الإجمال العرضي) أي أن القرآن في نفسه غير مجمل و لكن الله جعله يظهر مجملا للسبب المذكور ، و قال البعض بـ(الإجمال الذاتي) و يعني أن القرآن في ذاته مجمل للسنخية بين
· من يريد أن يقول بالاستغناء عن العقل بالقرآن لا بد له أن يتجاوز عقبة القول بأن القرآن مجمل
· هنالك من يقول بأن للقرآن ظهور و لكن ظهوره حجة لأهل البيت فقط (من خوطب به) و ليست حجته لعامة الناس و هذا قول باطل
· إذن من يريد القول بالاستغناء بالقرآن لا بد له:
(1) أن يثبت حجية التواتر
(2) أن يثبت أن القرآن ليس مجملا (إثبات الظهور العرفي)
(3) أن يثبت الحجية الأصولية للظهور العرفي (بمعنى كونه منجزا و معذرا) و قد أنكرها بعض علمائنا مع أنهم أثبتوا نفس الظهور العرفي
(4) إذا ثبت أن الظهور حجة فأي ظهور هو الحجة هل الظهور الذاتي أم الظهور الموضوعي ، و هذا من أطروحات السيد الشهيد حيث يقول (( أما الظهور الذاتي هو الظهور الشخصي الذي ينسبق إلى ذهن كل شخص شخص و هو يختلف من شخص إلى آخر بحسب ظروفه و ملابساته و سنخ ثقافته و مهنته فيحصل له في ذهنه غير ما يحصل للآخر )) و واضح أن الظهور الذي هو حجة هم الظهور الموضوعي و السؤال : كيف نثبت أن هذا الفهم هو الظهور الموضوعي؟
· الظهور الذي هو حجة هل هذا هو الظهور في كل زمان أم في زمان نزول القرآن فقط ، فاللغة ظاهرة اجتماعية يختلف فهمها باختلاف المجتمعات و الظروف؟ هذه أيضا من العقاب التي تقف في وجه الدعوى بالاستغناء عن القرآن ، و واضح أن الظهور الذي هو حجة هو الظهور في زمان الصدور لا الوصول ، و نحن في زمان الوصول فكيف لنا أن نعرف أن ما نفهمه هو الظهور في زمان الصدور ، و قد حاول الأصوليون حل المشكلة في باب الفروع دون أن يتلفتوا إلى أنها مشكلة في باب الأصول أيضا ، فنحن لا نتحدث هنا عن المعذرية و المجزية بل في المطابقة للواقع و عدمها ، و قد ذكر السيد الشهيد (ره) أن سيرة العقلاء جرت على أن اللغة ثابتة ص279 ج1 من الحلقة الثالثة (( و هذا الأصل العقلائي )) أي ثبات اللغة (( يقوم على أساس ما يخيل لأبناء العرف من استقرار اللغة و ثباتها فإن الثبات النسبي )) لا المطلق (( و التطور البطيء للغة يوحي للأفراد الاعتياديين بفكرة عدم تغيرها و تطابق ظواهرها على مر الزمن و هذا الإيحاء و إن كان خادعا إيحاء عام استقر بموجبه البناء العقلائي )) و نحن نعمل على وفقه ، و هذه من المشاكل المعقدة في علم الأصول و هي تتعقد في بحث الرواية لأن فيها تقية و إثبات سند و نقل بالمعنى و عقاب أخرى كثيرة إذا ما قارنا البحث ببحثنا في القرآن فالمشاكل تتضاعف كثيرا .
· قال علي (ع) (( لا تحتج عليهم بالقرآن فإنه حمال وجوه )) و في هذا الزمن الذي قال أمير المؤمنين (ع) هذا لابن عباس لم يكن هنالك الكثير من التقية ولا البحث في السند ولا غير ذلك من المشاكل
· هل يفيد الظهور القطع أم الظن؟ جعل الشارع للظهور حجية أصولية و لكن لم يقل أحد من علماء الإسلام بأن الظن يغني في العقائد و الظهور لا يفيد إلا الظن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق