السبت، 1 أكتوبر 2011

قصة نبي الله يونس (ع) والتسامح الديني - خطبة الجمعة للأستاذ علي العريان في جامع الإمام الصادق (ع) - الكويت بتاريخ 30-9-11


كثير منا سمع قصة نبي الله يونس (ع) مع قومه منذ أيام الطفولة الباكرة إلا أن قليلا منا التفت إلى الرسالة السمحة العظيمة التي توصلها إلينا هذه القصة ، فالنبي يونس (ع) بعدما دعا أهل نينوى إلى الطريق القويم ردحا من الزمن استشار اثنين من قومه في أن يدعو على قومه أحدهما عالم والآخر عابد ، فأشار عليه العالم بأن لا يدعو عليهم وأن يصبر على دعوتهم إذ أن الله تعالى لا يرد دعاء أنبيائه وفي الوقت ذاته لا يحب هلاك عباده وإن كانوا كفارا ، ولكن يونس (ع) أخذ بقول العابد الذي نصحه بأن يدعو على قومه ، فأوحى الله تعالى إليه وقت حلول العذاب مما جعل يونس والعابد يخرجان من القرية قبل حلوله بينما بقي العابد يدعو قوم يونس ليؤمنوا بنبيهم (ع) ، ولما لاحت لهم بوادر العذاب أناب قوم يونس وتابوا فصرف الله تعالى عنهم العذاب وكان عددهم يفوق المائة ألف ، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى (( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قومَ يونسَ لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين )) وبعد برهة من الزمن رجع يونس ليرى ما حل بقومه وإذا بالعمال على رؤوس أعمالهم و الزارعين يزرعون فاستغرب وسأل عن سبب عدم هلاكهم وعرف توبتهم فذهب إلى ساحل البحر غاضبا وهو ما أشارت إليه الآية (( وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه )) إذ رأى سفينة مشحونة تستعد للرحيل وركبها و حصل ما حصل إذ هاجمهم الحوت وكادوا يغرقون مما اضطرهم إلى إلقاء يونس ليلتهمه الحوت ويسجن في الظلمات ((فنادى في الظلمات )) ظلمة الليل وظلمة قاع البحر وظلمة بطن الحوت (( أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )) ولولا أنه كان من المسبحين للبث في بطن الحوت سنين إلا أن الله تعالى نجاه (( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين )) فألقى به الحوت على الساحل وحصلت هنالك حادثتان تنقلهما كتب الحديث وقصص الأنبياء ، الحادثة الأولى هي أن الله تعالى أنبت له نبتة اليقطين يأكل من ثمرها و يستظل بها حيث أنه كان منهك القوى قد تساقط شعره ورق جلده ، وحينما قوي يونس واشتد أوحى الله تعالى إلى دود ليلتهم الشجرة "فأكلت أسفل القرع فذبلت القرعة ثم يبست فشق ذلك على يونس فظل حزينا فأوحى الله إليه مالك حزينا يا يونس؟ قال يا رب هذه الشجرة التي كانت تنفعني سلطت عليها دودة فيبست، قال يا يونس أحزنت لشجرة لم تزرعها ولم تسقها ولم تعي بها أن يبست حين استغنيت عنها ولم تحزن لأهل نينوى أكثر من مائة ألف أردت أن ينزل عليهم العذاب" ، فهذا عود على بدء ، عود على نصيحة العالم الذي قال بأن الله لا يحب هلاك عباده وهي جوهر يتكرر في هذه القصة وتؤكده الحادثة الأخرى التي تنقلها بعض كتب قصص الأنبياء حيث ينقل بأن يونس بعدما عوفي – وهذه قرينة على أن هذه الحادثة تالية لحادثة شجرة اليقطين – نزل ضيفا عند صانع أوان فخارية ، فأوحى الله إليه أن يأمر صانع الفخار بكسر أوانيه " فاستنكر الفخار ذلك وقال: «شيء عملته بيدي أعيش منه وأتمتع بثمنه أنا وعيالي تأمرني بكسره!». فأوحى الله إلى يونس: «هذا عمل فخاراً من طين لم تطب نفسه بكسره، وأنت طبت نفسا بالدعاء بهلاك العدد العديد من عبادي!»" ، وهذه مرة ثالثة بعد نصيحة العالم ووحي شجرة اليقطين يعلم الله تعالى نبيه في رحلة قاسية أهمية خلقه بالنسبة إليه سبحانه وأنه لا يحب أن يعذبهم وإن كانوا فاسقين أو كفارا ، وهو درس يلقيه الحسين بن علي سيد الشهداء (ع) يوم عاشوراء بعدما قتل أصحابه وأهل بيته ووقف وحيدا ناظرا إلى نسائه وعياله وأنهن يصبحن سبايا وأسارى بعد ساعة و ناظرا نظرة أخرى إلى أعدائه واقد احتوشوه من كل صوب وهو فرد وحيد فانهالت عيناه بالدموع ، وسألته أخته الحوراء زينب (ع) عن سبب بكاؤه فقال "أبكي على أقوام يدخلون النار بسببي" إنه يبكي على أعدائه لا منهم وهم أشقى الخلق وألعنهم ، إنه يسقي الحر بن يزيد و جيشه الماء في عرض الصحراء ويحرم منه نساءه وعياله والحر كان قائد معسكر الأعداء الذي جعجع به ، إنه بهذا السلوك أيقظ الحر من سباته و أنقذه من هلاكه لأنه أحب له الهداية ولم يحب له الهلاك .
وانطلاقا من قصة يونس (ع) يمكننا أن نقول بأن الكره الديني والطائفي وما تتسم به المناظرات الجدلية من ندية وخصومة ، ليس ذلك كله من الدين في شيء ، والدعوة الحقيقية إلى الله تعالى المجردة من المصالح لا يمكن أن تكون إلا دعوة حب وهل الدين إلا الحب ، وفي نفس الوقت الذي ندعو الآخرين إلى الحق بروحية الرحمة والأبوية ، يجب أن نعلم بأن الأب قد يكون مخطئا فلا عيب أن يصحح من أفكاره وفق ما يجده حقا عند أبنائه وهو ما نعترف فيه في كل يوم من أيام شهر رمضان في دعاء الافتتاح حين نقول : (( اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه وما قصرنا عنه فبلغناه )) إننا لم نبلغ العصمة ولا يمكن لأحد أن يدعو الآخرين بروحية العصمة إلا المعصوم ، ومن سوى المعصوم – ومهما علا – فهو مجتهد قد يخطئ ويصيب ، فعلام هذا الصراع الطائفي المحتدم والكره الديني المتفشي في مجتمعنا اليوم ، يظن البعض بأن التدين هو أن نقسو مع الآخر باعتباره صاحب بدعة أو باعتباره كافرا ولا ينظر بأن الآخر خلق الله تعالى وأثر فعله سبحانه ، ثمة التفاتة مهمة في قصة يونس (ع) نختم بها المقال حيث عقبت الآية التي صدرنا بها البحث بقوله تعالى (( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) وهي من أصرح آيات القرآن في مبدأ حرية العقيدة كما توضح أهم الرسائل التي تعلمنا إياها قصة ذي النون (ع) والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق