الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

لو علم الليبراليون لخروا ركعا وبكيا .. الأسس المعرفية للتعددية والتسامح - بقلم علي العريان


 
قبل البدء بدراسة العلوم الدينية ، وفي مرحلة المقدمات تعلمت في علم المنطق بأن اليقين يطلق ويراد به معنى من معنيين ، إما اليقين بالمعنى الأعم أو اليقين بالمعنى الأخص ، و بغض النظر عن تعريف كل منهما فإن مناط التمييز ما بينهما هو أن أحدهما يستلزم أن يكون اعتقاد الشخص مطابقا للواقع و نفس الأمر في الواقع الخارجي بينما اليقين بمعناه الأعم فهو مطلق الاعتقاد الجازم سواء طابق الواقع أم لم يطابقه .

وتعلمت في علم المنطق أيضا بأن تعريف هذا العلم وكما قال السبزواري في منظومته (( نظام آلي تقي رعايته عن خطأ الفكر وهذا غايته )) وبالتالي فعدم عصمة الفكر البشري هي من مسلمات علم المنطق .

كما تعلمت في علم المنطق بأن الجهل ينقسم إلى جهل بسيط و مركب ، فالجهل البسيط هو أن يجهل المرء أمرا و يعلم بجهله به ، بينما الجهل المركب فهو أن تجهل أمرا و تعتقد بأنك عالم به فهو جهل بالشيء و جهل بالجهل به.

ثم اختلف المناطقة فيما لو كان الجهل المركب من أقسام العلم أم من أقسام الجهل ، وكل منهم أقام دليلا على مذهبه .

وفي علم أصول الفقه تعلمت بأن القطع و هو جزم المجتهد باجتهاده حجة ، و يستمد القطع حجيته الذاتية من العقل ، و تتميز حجيته بالمنجزية و المعذرية ، بمعنى أن الإنسان إذا ما عمل وفق قطعه فهو منجز للعمل و مبرأ الذمة و معذور أمام المولى – عز و جل – ويقول بعض الأصوليين عبارة – لا تخلو من إشكال – و هي أنه ليس حتى للمولى – عز و جل – أن يجرد القطع من حجيته .

 

وبالتأمل فيما سبق من مقدمات يمكنني القول بأن الإنسان يمكنه أن يجزم بكثير من الأمور و يتيقن منها ، ولكنه لا يستطيع أبدا أن يتعالى على ذهنه و يتحقق مما لو كان اعتقاده و جزمه مطابقا للواقع أم لا ، إن هذه المرتبة من العلم لا تتيسر إلا لمن كان لديه ربوبية و إحاطة وهو الله – عز وجل – ، فكما أن صاحب الجهل المركب يعتبر نفسه عالما و ذلك لعجزه عن العلم بجهله ، كذلك الأمر لو عكسنا القضية .

ومن هنا يمكننا القول بأن المعرفة البشرية تبقى محتملة لهامش من الخطأ ضرورة كون الإنسان غير معصوم ، بل إن ردود الفلاسفة الواقعيين على بعض إشكاليات السفسطيين عن واقعية العالم ليست ردودا علمية بمقدار ما هي لجوء إلى الوجدان و البداهة و الفطرة ، كتلك الإشكالية التي قضت مضجع الغزالي شهرين أو أكثر وجعلته يعطل درسه.

وطالما كان الإنسان غير معصوم و كانت معرفته محتملة للخطأ و لو بمقدار هامشي ، تبقى مقولة (كلامي صواب يحتمل الخطأ ، وكلامك خطأ يحتمل الصواب) قاعدة عامة يجب أن تحكم سلوكياتنا على مختلف الأصعدة ، وهي أساس التعددية و التسامح و الديمقراطية ، تماما كما فعل الشيخ البهائي و الإمام الخميني حينما اعتبرا صاحب القطع مستضعفا وإن كان من علماء المخالفين – فصلت شرح ذلك في محاضراتي حول المستضعف - ، و هي نزعة عقلية عند الإسلاميين ، لو علم بها الليبراليون لخروا ركعا وبكيا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق