الجمعة، 11 يوليو 2014

هل الدين مفيد للمجتمع؟ - بقلم علي العريان

واضح بأن هذا السؤال متأثر – إن لم نقل منبثق – من المذهب البراغماتي النفعي pragmatism & utilitarianism في الفلسفة والذي يحدد صحة الأشياء من خطئها و حقانيتها من كونها باطلة بناء على نتائجها ، كما قد يبرز السؤال السابق كمرحلة تساؤلية لاحقة لمرحلة التساؤل عن صحة الظاهرة الدينية ، فبعض من أنكر الدين واعتبره ظاهرة اجتماعية ثقافية كسائر الظواهر الأخرى عقب نتيجته تلك بالسؤال عن مدى فائدة الدين للمجتمع ، فلسان حاله يقول "هب أن الدين خرافة ، لكن هل هي خرافة مفيدة لمن يعتقد بها أم أنها خرافة مضرة؟ و بالتالي فهل يجب محاربتها و السعي إلى محوها أم يجب تعزيزها أو السكوت عنها؟" وقد يطرح السؤال بطريقة مختلفة بحيث ينصب على حقيقة الارتباط بين التدين و تقدم وتخلف المجتمع ، يبقى القول بأن سؤال الموضوع قد يطرحه المتدين أيضا المؤمن بحقانية الدين منطلقا من كون المصالح التي يسعى الدين إلى تحقيقها ليست محض مصالح دنيوية و بالتالي فقد تتزاحم المصلحة الدنيوية مع الأخروية فيغلب الدين الأخيرة على الأولى و حينئذ يطرح المتدين السؤال بالطريقة التالية: هل الدين يجعل من حياتنا الدنيوية حياة أفضل أم أنه يحقق السعادة الأخروية على حساب الإنقاص من سعادتنا الدنيوية؟
لا شك بأن التحدي الأول الذي يجابه هذا السؤال هو تعريف الدين ، فلا بد من تحديد المقصود من الدين تحديدا دقيقا جامعا مانعا ، بل لا بد من تعيين مصداقه فيما لو كان الإسلام أو المسيحية أو البوذية أو اليهودية أو الهندوسية ، ثم فيما لو كان المذهب الشيعي أم السني أم الإباضي من الإسلام مثلا ، و بالتالي سيتعدد السؤال و يتشعب بتعدد الأديان و المذاهب ، كما ستتعدد الإجابات ولن تكون ثمة إجابة نهائية .
التحدي الثاني الذي يواجه هذا السؤال هو تعدد الفهم والتفسير للدين و تأثر ذلك بمتغيرات الزمان و المكان و التمييز بين الثوابت الدينية و المتغيرات و التفرقة ما بين القواعد الدينية والدين النظري (ما يجب أن يكون) والدين المطبق في الميدان العملي (ما هو كائن) وبين العناوين الأولية والعناوين الثانوية وانعكاس ذلك كله في الإجابة على السؤال.
أما التحدي الثالث فهو البعد التاريخي ، فلو كان السؤال محددا فيما لو كان الدين مفيدا للعالم المعاصر لكانت الإجابة أسهل من إجابة سؤال "ما لو كان الدين مفيدا للعالم على مر العصور والدهور و الأزمة و في مختلف الأمكنة والبلدان" ، فعلاوة على عدم قطعية نقل أغلب الأحداث التاريخية فإن استقراء التاريخ لا يمكنه – مع كونه مهمة مضنية – إلا أن يمنحنا نتائج ظنية وترجيحات لا ترقى إلى مستوى اليقين .
وأما التحدي الرابع فهو تفكيك البحث بين بعده الفردي و بعده الاجتماعي ، فالعقيدة التي تفيد الفرد لا تكون مفيدة للمجتمع بالضرورة و العكس صحيح و بالتالي فإجابة السؤال ستتفاوت بناء على ذلك
وأخيرا ثمة ملاحظة مهمة لا بد أن نشير إليها و هي أن سؤال الموضوع يرد على الحياة الدنيا دون الآخرة ، ففكرة الحياة الأخرى هي من معطيات العقيدة الدينية مما يجعل السؤال لا معنى له إذ أن منطلق السؤال نابع من خارج الدين حيث ينظر إلى الدين كظاهرة اجتماعية وثقافية فيتساءل حينئذ عن مدى كون هذه الظاهرة مفيدة للمجتمع أم مضرة له .
إن هذا البحث ليستحق أن تؤلف فيه رسائل الدكتوراه و لا أعتقد بأنه قد نال نصيبه من التمحيص والتحقيق كما أنه متشعب وعميق وممتد في بعدي المكان والزمان و متداخل مع علوم أخرى عديدة كالهرمينوطيقا والتفسير و فلسفة التاريخ و غيرها.