الأربعاء، 5 سبتمبر 2012

ردا على تعليقات أحد الأصدقاء حول مقال (لو علم الليبراليون لخروا ركعا وبكيا) - علي العريان


 

أشكر كل من اهتم وراسلني معلقا على مقالي (لو علم الليبراليون لخروا ركعا وبكيا) ، وقد بلغتني تعليقات علمية من أحد الأصدقاء المتخصصين ، كتبت ردودها و أنشرها للاستفادة .

 

 

·       التعليق1: لا نعلم أحدا صنف الجهل المركب بأنه من أنواع العلم:

 

لا شك بأن الشيخ المظفر في منطقه ذكر رأيين في ذلك أحدهما يقول بأنه من أقسام العلم والآخر يقول بأنه من أقسام الجهل وانتصر في بحثه للرأي الثاني ، وهو ما يدل إجمالا على وجود من قال بأن الجهل المركب من أقسام العلم ، بل إن العلامة السيد كمال الحيدري ذكر في شرحه على منطق المظفر وبالتحديد في جوابه الحلي على بعض ما أقامه المظفر من استدلال ووصفه القائلين بأن الجهل المركب من أقسام العلم بما يلي نصه : (( بأنه – رحمه الله – ادعى أن من يقول "إن الجهل المركب من العلم" جاهل بالجهل المركب ، مع أن أساطين وعلماء فن المنطق أجمعوا على أن الجهل المركب من أقسام العلم وليس من أقسام الجهل ولم يخالفهم في ذلك إلا المصنف ، فنسبة الجهل المركب إلى هؤلاء الأساطين تستدعي التوقف )) وقد فصل السيد الأستاذ في ذلك ثم قال : (( ولمزيد من الاطلاع على المعاني المتعددة للعلم راجع "برهان الشفاء" و "التنقيح" في المنطق لصدر المتألهين الشيرازي حيث يقول في الإشراق الأول ، اللمعة الأولى "العلم إما تصديق وهو الاعتقاد الراجح سواء بلغ حد الجزم أم لا ، فإن طابق الواقع فيقين وإن لم يطابقه فجهل مركب" فالجهل المركب من أقسام العلم ، ولعل هذا هو الظاهر أيضا من التهذيب وحاشيته ، وحسب تتبعنا لكلماتهم لم نجد قائلا يزعم أن الجهل المركب ليس من أقسام العلم إلا المصنف .. الخ ))[i]

 

·       التعليق2: أما عبارة أن المولى لا يستطيع تجريد القطع عن حجيته فهي بديهية وإلا لاستلزم عدم صحتها الإخلال بمبدأ التكليف المرتبط بقواعد شرعية أخرى وأبسطها (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ))

 

لا شك بأني تحفظت في المقال على العبارة واللفظ دون المعنى ، فلا شك بحجية القطع الذاتية و هي مما دل عليه العقل العملي ، إلا أني أعتقد بأن تعبير المعتزلة و من تأثر بهم بـ (يجب على الله كذا) و (لا يجوز له كذا) فيه نوع من سوء الأدب مع الذات الإلهية ، هذا مع ما أثبته حكماء الإمامية من أن الوجوب هو (وجوب عن الله) لا (عليه) و هو ما ذكرت تفصيله في تقريراتي لدروس العلامة السيد كمال الحيدري في العدل الإلهي.

 

·       التعليق3: أما قولك أن المعرفة البشرية محتملة فهو إطلاق يحتاج إلى تخصيص ، فالمعرفة المنطقية كالمسلمات معرفة مطلقة لا محتملة.

 

القواعد العقلية البديهية – وعلى رأسها استحالة اجتماع النقيضين – هل هي قواعد مطلقة لا تختلف ولا تتخلف؟ وهل هذه القواعد حاكمة على الله عز وجل؟ وإذا كانت حاكمة لله عز وجل فهل هذا تقييد لقدرته وخلاف لقاعدة أنه لا يجري عليه ما هو أجراه ولا يقيده ما هو خلقه؟ وهل يمكن من خلال أدوات معرفية أعلى كالوحي و الكشف والشهود أن نتوصل إلى حقائق تخالف البديهة العقلية؟

لا أريد أن أخوض في كل ما سبق لأنه بجملته ليس مما تبت فيه العقول ، و لكني أكتفي بالقول بأنه – إن قلنا بأن جزءا من المعرفة البشرية و هو العلوم الضرورية أو البديهية من المسلمات – فهو جزء بسيط وبنية تحتية للمعرفة و يبقى الجزء الأكبر غير معصوم و محتملا للخطأ .

وأخيرا ، التشبيه بالمسلمات ليس موفقا وذلك لأنها تلك القضايا التي يسلم بها الخصم ويقبلها وإن لم تكن صحيحة عند المستدل و هي من مقدمات صناعة الجدل ، فالتمثيل بها مبعد عن المطلوب أكثر من كونه مقربا ، نعم قد يكون مقصود الناقد الأوليات والفطريات في صناعة البرهان .

 

·       التعليق4: وأما قولك أن المعرفة البشرية غير اليقينية تستلزم وجود التعددية فيحتاج إلى تفصيل ، فالتعددية بمعنى اختلاف الأفهام في قراءة النصوص فهذا صحيح ، وأما التعددية في الحق فلا ، فهناك صراط مستقيم واحد و صراطات باطلة.

 

قد يكون حجم المقال لا يحتمل تبيان التفاصيل التي بينتها في بحثي – المنشور في المدونة – حول التعددية ، فمقصودي من التعددية والتسامح في المقال هو التعايش المشترك و احترام رأي الآخر باعتباره محتملا للصواب وعدم قمعه بالقوة سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الديني ، أما القول بتعدد الحق فليس هو المطلوب ، كما أنني لست من القائلين بمقولة سروش أو نصر حامد أبي زيد أو السفسطيين فيما يتعلق بفلسفة النصوص وعدم إمكانية الوصول إلى معنى وراءها ، بل إن قولي في قراءة النصوص هو نفس قولي في إدراك العالم الخارجي وهو أن هنالك حقائق كما يمكننا أن ندرك كثيرا منها و نجزم بها ، و لكن لا يمكننا أن نعلم ما لو كان جزمنا مطابقا للواقع أم لا ، كما لا يمكننا أن نعلم ما لو كان جهلنا مخالفا للواقع أم لا – إلا أن يكون هنالك مرشد من الخارج – ، و العلم بمطابقة الواقع – العلم بالعلم – إضافة للولاية التكوينية و الهيمنة هما شرطان مطلوبان لنتمكن من مصادرة رأي الآخر و ممارسة الوصاية القسرية اتجاهه ، يقول جون استيوارت مل : (( أولئك الذين يريدون إخماد الرأي الآخر هم أنفسهم غير معصومين من الخطأ ، و من ثم فهم عندما يرفضون الإصغاء لأي رأي مخالف لأنهم واثقون من زيفه ، فإنما يزعمون لأنفسهم العصمة من الخطأ )).



[i] شرح كتاب المنطق – تقرير دروس العلامة السيد كمال الحيدري – موضوع (ليس الجهل المركب من العلم) ص80

الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

لو علم الليبراليون لخروا ركعا وبكيا .. الأسس المعرفية للتعددية والتسامح - بقلم علي العريان


 
قبل البدء بدراسة العلوم الدينية ، وفي مرحلة المقدمات تعلمت في علم المنطق بأن اليقين يطلق ويراد به معنى من معنيين ، إما اليقين بالمعنى الأعم أو اليقين بالمعنى الأخص ، و بغض النظر عن تعريف كل منهما فإن مناط التمييز ما بينهما هو أن أحدهما يستلزم أن يكون اعتقاد الشخص مطابقا للواقع و نفس الأمر في الواقع الخارجي بينما اليقين بمعناه الأعم فهو مطلق الاعتقاد الجازم سواء طابق الواقع أم لم يطابقه .

وتعلمت في علم المنطق أيضا بأن تعريف هذا العلم وكما قال السبزواري في منظومته (( نظام آلي تقي رعايته عن خطأ الفكر وهذا غايته )) وبالتالي فعدم عصمة الفكر البشري هي من مسلمات علم المنطق .

كما تعلمت في علم المنطق بأن الجهل ينقسم إلى جهل بسيط و مركب ، فالجهل البسيط هو أن يجهل المرء أمرا و يعلم بجهله به ، بينما الجهل المركب فهو أن تجهل أمرا و تعتقد بأنك عالم به فهو جهل بالشيء و جهل بالجهل به.

ثم اختلف المناطقة فيما لو كان الجهل المركب من أقسام العلم أم من أقسام الجهل ، وكل منهم أقام دليلا على مذهبه .

وفي علم أصول الفقه تعلمت بأن القطع و هو جزم المجتهد باجتهاده حجة ، و يستمد القطع حجيته الذاتية من العقل ، و تتميز حجيته بالمنجزية و المعذرية ، بمعنى أن الإنسان إذا ما عمل وفق قطعه فهو منجز للعمل و مبرأ الذمة و معذور أمام المولى – عز و جل – ويقول بعض الأصوليين عبارة – لا تخلو من إشكال – و هي أنه ليس حتى للمولى – عز و جل – أن يجرد القطع من حجيته .

 

وبالتأمل فيما سبق من مقدمات يمكنني القول بأن الإنسان يمكنه أن يجزم بكثير من الأمور و يتيقن منها ، ولكنه لا يستطيع أبدا أن يتعالى على ذهنه و يتحقق مما لو كان اعتقاده و جزمه مطابقا للواقع أم لا ، إن هذه المرتبة من العلم لا تتيسر إلا لمن كان لديه ربوبية و إحاطة وهو الله – عز وجل – ، فكما أن صاحب الجهل المركب يعتبر نفسه عالما و ذلك لعجزه عن العلم بجهله ، كذلك الأمر لو عكسنا القضية .

ومن هنا يمكننا القول بأن المعرفة البشرية تبقى محتملة لهامش من الخطأ ضرورة كون الإنسان غير معصوم ، بل إن ردود الفلاسفة الواقعيين على بعض إشكاليات السفسطيين عن واقعية العالم ليست ردودا علمية بمقدار ما هي لجوء إلى الوجدان و البداهة و الفطرة ، كتلك الإشكالية التي قضت مضجع الغزالي شهرين أو أكثر وجعلته يعطل درسه.

وطالما كان الإنسان غير معصوم و كانت معرفته محتملة للخطأ و لو بمقدار هامشي ، تبقى مقولة (كلامي صواب يحتمل الخطأ ، وكلامك خطأ يحتمل الصواب) قاعدة عامة يجب أن تحكم سلوكياتنا على مختلف الأصعدة ، وهي أساس التعددية و التسامح و الديمقراطية ، تماما كما فعل الشيخ البهائي و الإمام الخميني حينما اعتبرا صاحب القطع مستضعفا وإن كان من علماء المخالفين – فصلت شرح ذلك في محاضراتي حول المستضعف - ، و هي نزعة عقلية عند الإسلاميين ، لو علم بها الليبراليون لخروا ركعا وبكيا .