السبت، 31 مارس 2012

الأميريكيون البدون! - علي العريان - مقال نشر في جريدة الراي الكويتية

نشرت نيويورك تايمز في 19/ 6/ 2005 مقالا للكاتبة سوزان جيمس يتحدث عن تلميذ هسباني فائق الذكاء بدأ دراسته في المدارس الاميركية منذ طفولته الباكرة، ثم اضطر للخروج من الثانوية والعمل في مطعم للبيتزا وذلك لعجز والديه عن دفع تكاليف الجامعة وعدم قيام الدولة بالتكفل بمصاريف دراسته لانه لم يكن حاصلا على الجواز الاميركي ولا رقم الضمان الاجتماعي فهو بالتالي لا يعد مواطنا اميركيا بل مهاجر غير شرعي.
يذكر المقال ان حوالي 100000 طالب في مدارس نيوجيرسي ممن قضوا حياتهم كلها في الولايات المتحدة الاميركية يعتبرون مهاجرين غير شرعيين، وبالتالي تنتهي الحياة التعليمية لاغلبهم نهاية بائسة إذ لا يستطيع آباؤهم ذوو الدخل الضعيف بان يتكفلوا برسوم الجامعات فيحرم 88 في المئة من اكمال دراستهم.
وقد حاول المشرعون في بعض الولايات المتحدة الاميركية ان يشرعوا الحلول لهذه الفئة فقامت ولاية نيوجيرسي باصدار قانون يسمح للمهاجرين غير الشرعيين بدخول الكليات برسوم مخفضة مماثلة للرسوم التي يدفعها الاميركي بشرط ان يكون المهاجر غير الشرعي قد درس في مدارس نيوجيرسي لمدة لا تقل عن اربع سنوات وبشرط ان يزود الدولة بما يثبت نيته الحصول على الجنسية، على الرغم من ان مثل هذا القانون يشكل عبئا على هذه الولاية المكتظة بنصف مليون مهاجر غير شرعي بعضهم ولد على اراضيها ولم يعرف وطنا غيرها، وتعمل هذه الفئة عادة في وظائف ذات دخل ضعيف وينسحب ابناؤها من المدارس في مراحل مبكرة لمساعدة الاهل في المصاريف.
يذكر ان القانون الفيديرالي والقوانين الخاصة بالولايات تضاربت كثيرا في شأن فئة المهاجرين الهسبانيين إذ ان المحكمة الفيديرالية العليا حكمت عام 1982 باعطائهم حق التعليم من مرحلة رياض الاطفال والى نهاية الصف الثاني عشر، الا ان قانون ضبط واصلاح الهجرة لعام 1996 جاء ليقطع المعونات الاجتماعية التي كانت تقدمها الدولة لهم، ولكن - وبعد عام 2001 - واجهت كاليفورنيا وتكساس وغيرهما من الولايات هذا القانون وسمحا بالتعليم باعتباره من الحقوق الاساسية للانسان.
وبالرغم من ان مشكلة البدون في الكويت مختلفة من وجوه عديدة، فهي ليست مشكلة اقامة غير شرعية بشكل محض، إذ ان من هذه الفئة مستحقين فعليين للجنسية ومنها من لا تعرف الدولة حقيقة حالهم، الا ان دراسة التجربة الاميركية في حل هذه المشكلة والتعامل معها امر مهم لعدة اسباب، فهو مهم في فهمنا اولا للانتقادات الدولية التي توجه إلى الكويت من لجان حقوق الانسان ومن الولايات المتحدة الاميركية ذاتها بشأن قضية البدون، ومفيد في تقييمنا لمدى التزام الدولة بتوفير الحقوق المدنية اللصيقة بالشخصية لاخواننا من غير محددي الجنسية، كما انه يثري ثقافة واطلاع المشرع الكويتي حول الحلول والقوانين المتضاربة والجدليات الفقهية الشائكة التي خاضها

الأربعاء، 21 مارس 2012

سب للمقدسات أم حرية تعبير؟! - علي العريان


سادت في السنوات الأخيرة قضايا إهانة المقدسات في الساحة الاجتماعية والسياسية الكويتية ، بل يمكن القول بأن ظاهرة منع بعض المفكرين ورجال الدين من دخول البلاد لم تستثن تيارا فكريا ولا مذهبا ، فنصر حامد أبو زيد من الجانب العلماني ، و العريفي من الجانب السني و الفالي والحبيب من الجانب الشيعي وتوالت القضايا ذات الطابع الطائفي مما يستلزم وقفة تأمل في بعض المفاهيم الأساسية التي تستند إليها هذه القضايا ، ولكن قبل ذلك دعوني أسرد بعض حوادث إهانة المقدسات على المستوى العالمي لتتضح الصورة أكثر:
ففي عام 2008 أطلق فلم هولندي بعنوان "الفتنة" يرسل رسالة مفادها أن الإسلام دين الإرهاب والقتل والعنف ، وقد اعتلت بعض الأصوات مطالبة بمنع عرض الفلم ومقاطعته ، كما قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإصدار فلم يرد على الأول ، وفي فبراير عام 2006 ارتكبت عصابة من المجرمين جريمة تفجير حرم الإمامين الهادي والعسكري (ع) المقدسين عند المسلمين وبالخصوص الشيعة وذلك في مدينة سامراء جنوب بغداد فهاج الآلاف من المتظاهرين وكادت أن تحدث مجازر طائفية بل إن الموقع الرسمي للبي بي سي عرض الرسم البياني التالي الذي يبين أثر الحادثة في زيادة حالات القتل والإصابات الطائفية بشكل مطرد بعد الحادثة .



ولا زالت الأمة الإسلامية تتذكر الرسومات الدنماركية المسيئة للنبي الأكرم (ص) عام 2005 التي نشرتها صحيفة Jyllands-Posten والتي أدت إلى احتجاجات عالمية واسعة النطاق انتهت بمقتل أكثر من مائة شخص وإحراق العديد من السفارات ومقاطعة البضائع الدانماركية ، وقامت بعد ذلك العديد من الدوريات الأوربية بإعادة نشر الصور تضامنا مع ما أسموه بالحق في حرية التعبير والصحافة .
ومن الأحداث المشهور تلك الرواية المشؤومة التي كتبها سلمان رشدي عام 1989 بعنوان (آيات شيطانية) فاستتبعها أن أهدر الإمام الخميني (رحمه الله) المرشد السابق للثورة الإسلامية في إيران دمه ورصدت جائزة مقدارها ثلاثة ملايين دولار لمن يأتي برأس سلمان رشدي ، بل إن مترجم الرواية إلى اللغة اليابانية هيتوشي اقاراشي قتل عام 1991 في الجامعة التي يدرس فيها ، كما ضرب وطعن مترجم الرواية إلى اللغة الإيطالية في ميلان ، وأطلقت النار على ناشر الروية النرويجي وليام نيقارد عام 1993 ، وفي تركيا أقام عزيز نيسن الناشر والمترجم لبعض أجزاء تلك الرواية خطابا في أحد الفنادق مما استفز بعض المسلمين دافعا إياهم إلى حرق الفندق مما أودى بحياة 37 شخصا ، وبقي سلمان رشدي نفسه متخفيا في ظل حماية الشرطة البريطانية عدة سنوات خوفا من القتل
هذا غيض من فيض من حوادث ازدراء الأديان والمقدسات وما أدى إليه بعضها من مجازر و خسائر مادية ومعنوية ، و إنما كان هذا السرد المسهب نسبيا لمثل هذه الأحداث لننبه إلى أهمية أن نميز ما بين حرية التعبير كحق من حقوق الإنسان ، وما بين الاستفزاز والإهانة والسب ، و لذا جاءت تشريعات بعض الدول الليبرالية والعلمانية مانعة ازدراء الأديان أو ما يعرف بالإنكليزية بـ blasphemy أي سب المقدسات وإن كان بعضها الآخر لا زال يصر – بلا مبرر عقلاني – على أن ذلك يقع في إطار حرية التعبير ، فالمناط في التمييز بين حرية التعبير وسب الأديان هو الهدف من الطرح وأسلوبه ، فإذا كان هدف الطرح علميا ذا قيمة و أسلوب الطرح موضوعيا خاليا من الاستفزاز المتعمد والتجريح الظاهر والخروج عن الأعراف والآداب العامة فهذه هي حرية التعبير المشروعة ، أما الاستفزاز الخاوي الخالي من الهدف يجب أن يمنع بقوة القانون خصوصا مع ملاحظة ما تؤدي إليه مثل هذه الإثارات الطائفية من آثار تتجاوز إلى الآخرين مما يدل دلالة قاطعة أنها ليست من قبيل الحرية التي تنتهي حيث تبدأ حريات الآخرين ، فالرسام الدنماركي مثلا تسبب في مقتل أكثر من مائة شخص بريء و خسارة الكثير من التجار الدانماركيين الأبرياء نتيجة مقاطعة العالم الإسلامي لمنتجاتهم إضافة إلى الكثير من الخسائر المادية في ممتلكات الآخرين ، فكيف بعد ذلك كله يمكن أن نقول بأن الرسام الدانماركي كان يمارس حريته الشخصية هكذا وبسذاجه؟!
القرآن الكريم نفسه نهى أن يسب الكافرون على الرغم من أنه أمر بالبراءة منهم وسفه آلهتهم وأصنامهم وذلك حفظا للأمن الاجتماعي وصونا للاحترام الفردي فقال تعالى : (( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون )) الأنعام 108. وفي تفسير هذه الآية قال المفسر الكبير العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (رحمه الله) : (( والآية تذكر أدبا دينيا تصان به كرامة مقدسات المجتمع الديني وتتوقى ساحتها أن يتلوث بدرن الإهانة والازدراء بشنيع القول والسب والشتم والسخرية ونحوها ، فإن الإنسان مغروز على الدفاع عن كرامة ما يقدسه ، والمقابلة في التعدي على من يحسبه متعديا إلى نفسه وربما حمله الغضب على الهجر والسب لما له عنده أعلى منزلة العزة والكرامة ، فلو سب المؤمنون آلهة المشركين حملتهم عصبية الجاهلية أن يعارضوا المؤمنين بسب ما له عندهم كرامة الألوهية وهو الله عز اسمه ، ففي سب آلهتهم نوع تسبيب إلى ذكره تعالى بما لا يليق بساحة قدسه وكبريائه ، وعموم التعليل المفهوم من قوله "كذلك زينا لكل أمة عملهم" يفيد عموم النهي لكل قول سيء يؤدي إلى ذكر شيء من المقدسات الدينية بالسوء بأي وجه أدى )) تفسير الميزان ج7 ص314.
وهكذا وبالنظر إلى التداعيات الخطيرة لترك من تطمع نفسه بإهانة مقدسات الآخرين يسرح ويمرح تتضح مدى أهمية تشريع قانون الوحدة الوطنية و تجريم ازدراء الأديان والمذاهب وهو ما طرحته السلطة التنفيذية كمشروع بقانون في الفصل التشريعي السابق وأكد على أهميته العديد من النواب في البرلمان ، فمثل هذا القانون و في ضوء ما بيناه من حوادث تاريخية و توال لهذه الإشكالية يجب أن يعتبر من أولى أولويات البرلمان في هذه المرحلة ، والحمد لله رب العالمين.