الجمعة، 16 سبتمبر 2011

حينما أكلني التنين - مقال فلسفي للأستاذ علي العريان



استغرق مني التأمل في نظرية المعرفة وإثارات السفسطيين والواقعيين برهة من الزمن لاحظت خلالها أن الواقعية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالانتظام والتناسق والتناغم والتراكب ، فالأحداث المترابطة المتناسقة هي - عادة إن لم تكن دائما - ما نراه في الواقع ، وأما الأحداث المتضاربة غير المترابطة فهي ما نراه في الخيال والعوالم الافتراضية والأحلام والأفلام ، ومهما يكن ما نطلق عليه انتظاما - سواء كان أحداثا مبنية وفق ترتيب العلة والمعلول أو كان عادات اعتدناها واعتبرنا ما سواها خرقا للعادة أو معجزة – فهو يبقى مربوطا بالواقع ومؤشرا يشير إليه دون أن يكون بينهما تلازم ، نعم .. التأمل الفلسفي العميق في نظرية المعرفة يوصلنا إلى أن الواقعية أمر بدهي تصعب إن لم تستحل برهنته كما هو الحال مع مفهوم الوجود ، إذ أن به تعرف سائر الأشياء فلا يمكن تعريفه بها للزوم الدور أو التسلسل ، ولذا يجب انتهاء العلوم الكسبية إلى علم ضروري قائم بذاته ، وهذا خلافا للمدرسة الماركسية التي تثبت الواقعية وتنفي السفسطة من خلال الدليل التجريبي و هو ما أثبت السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) بطلانه في كتابه "فلسفتنا" بشكل جلي ، ولكن يمكن القول بأن التجربة و المشاهدة وما يستنبط منهما من إدراك الانتظام والنظم والتراكب والتناغم تبقى مؤشرات تشير عادة إلى واقعية ما نراه ، وهذا الأمر ليس مقصورا على عالم الآفاق والكون والأحداث اليومية بل يمتد ليشمل عالم الأفكار ، فما نراه من منظومات فكرية متقنة متناغمة مؤشر بين على حقانية تلك المدرسة بل وإلهيتها كما ذكر في النصوص المقدسة كقوله تعالى : (( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )) بل إن النظر المتأمل في بحوث بعض المتأخرين يبين أن الدليل الأهم والأساس الذي يثبتون من خلاله نبوة النبي الخاتم هو هذا ، أي أنه جاء بمنظومة فكرية متراكبة متقنة لا تجد فيها تناقضا البتة ، نعم .. حينما نرى خللا في هذا النظم سواء على مستوى عالم التكوين أو عالم التشريع ترتبك عندنا المنظومة الفكرية فنشك فيما إذا كان ما نراه واقعا أو فيما إذا كانت منظومتنا الفكرية حقا أو خيالا دينا أو خرافة ، و هذا هو الحال حينما تخيلت بأني رأيت في المنام تنينا يلتهمني فسالت دمائي إلا أنني بقيت حيا وقبل أن أستفيق قلت لا بد أنني أحلم وإلا فالنظم يقتضي أن أموت أو أن أقاسي الآلام ، هذا اللغز الذي حير الغزالي حيرني وهذا بعض ما انتابني من هلوسات .